وُلدت أغلب الأحزاب في تونس على هامش الحياة السياسية، حتّمتها مصالح شخصية، انتخابية بحتة، فكانت برامجها عبارة عن شعارات وتأليفات لغوية لا تمت للواقع السياسي بصلة، وما أن ظهرت حتى انعدمت قواعدها الجماهيرية بسبب بعد قياداتها وعملها الحزبي عن جمهورها، مقابل نزعتها للظهور الاعلامي. هذه الأحزاب التي لا يتوافق عددها مع فاعليتها التي تقدمها للمشهد التونسي، تجنّدت مؤخرا استعدادا للانتخابات البلدية، وربطت نجاحها فيها بالانتخابات التشريعية والرئاسية، رغم عدم وجود أي مؤشر على إمكانية هذا النجاح، بل ان محللون يتوقعون أن تنهي الانتخابات وجود هذه الاحزاب. فأعضاء المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري انطلقوا في القيام بزيارة الى بعض الجهات مثل الكاف وقفصة وسيدي بوزيد من أجل الاستعداد للانتخابات التي سيدخلها الحزب ضمن قائمات الاتحاد المدني إضافة إلى قائمات مواطنية أخرى خارج الاتحاد المدني. وأعلن الاتحاد المدني المكون من 11 حزبا رسميا المشاركة في الانتخابات البلدية القادمة بقائمات ائتلافية ب 48 دائرة بلدية، وتحديدا في كل مراكز الولايات وفي ثاني أهم المعتمديات. وتلتزم الأحزاب الموقعة على بيان الاتحاد المدني، وهي آفاق تونس والبديل التونسي والحزب الجمهوري والحركة الديمقراطية وحزب العمل الوطني الديمقراطي واللقاء الديمقراطي وحزب المبادرة والمسار الديمقراطي الاجتماعي وحزب المستقبل وحركة مشروع تونس وحزب تونس أولا، بالخصوص، بجعل البلدية إطارا ومدرسة لممارسة الديمقراطية المحلية وبنقل المعركة ضد الفساد الى الصعيد المحلي. وتعمل الجبهة الشعبية على استكمال استعدادها لهذا الاستحقاق البلدي الذي ستخوضه في أكثر ما يمكن من الدوائر الانتخابية باسم الجبهة ولكن الأسماء المترشحة لن تكون من أبناء الجبهة فقط بل ستكون مفتوحة لشخصيات مستقلة أخرى، على أن تحاول المشاركة في 80 بالمائة من الدوائر. من جهته، أكد "حراك تونس الإرادة" حصول تقدّم ملموس في استعداداته للانتخابات البلدية خصوصا على مستوى إعداد القائمات. و أضاف الحزب أنّ قائماته ستكون في أغلبها حزبية، مع الانفتاح في بعض الحالات على تشكيل قائمات ائتلافية مع بعض أبناء العائلة الدّيمقراطية الاجتماعية. وعموما تواجه الأحزاب، عائقين كبيرين، في خوض غمار الانتخابات، أو حتى الاستمرار في التواجد على الساحة، يتمثل الأول في مؤشرات عزوف التونسيين عن المشاركة في الحياة السياسية عامة، ويتمثل الثاني في قدرات الأحزاب على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، مع الكم الهائل من الصراعات التي خاضتها، فقط من أجل الحفاظ على استمراريتها. ويشير مراقبون الى أن النشاط الحزبي في تونس بقي منغلقا على نفسه ويرزح تحت وطأة مشاكله الداخلية ويبحث الفاعلون فيه عن المصالح الضيقة والمنافع الشخصية، ويُعتبر تغييب قواعده من القرارات التي تتخذها مركزيته، أبرز نقاط ضعفه، واهم أسباب الوهن السياسي الذي تعيشه أغلب الأحزاب. يشار الى ان أغلب الاحزاب في تونس باستثناء حزبين أو ثلاث، فقدت الكثير من قواعدها الشعبية وأضاعت بوصلتها باعتبارها محورا رئيسيا في خلق التوازن بالمشهد السياسي، وانعكس ضعف أدائها على تعاطي عموم التونسيين معها، باعتبار أن قواعدها في الجهات الاكثر اهتماما بمشاغل المواطنين بعيدا عن المركز والمصالح الحزبية. تعليقا على ذلك، أكد المحلل السياسي محمد بوعود في تصريحات سابقة ل"الشاهد"، أن موعد 2019، اقترب وأصبح الهدف لكل القوى السياسية، وأن ما نراه على الساحة السياسية اليوم، ومحاولات الانطلاق في حملات انتخابية هو اثبات وجود وليس عمل انتخابي، ومجرد محاولة لاثبات جاهزية هذه الأحزاب، لان هذا الموعد سيكون حاسما لكثير من الأحزاب، وان هناك أحزاب ستنجح، وأخرى ستندثر نهائيا. ولفت بوعود الى أن بعض الاحزاب ستعرف جيدا أنها لن تنجح في منافسة حركة النهضة والنداء، بل هي فقط تريد أن تنافس نفسها، وتريد أن تبقى، مشيرا إلى أن بعض الأحزاب لم يبقى منها الا مكتبها السياسي، أو بعضا منه، وأخرى حافظت فقط على أمينها العام. وفي ما يتعلق بالبرامج الانتخابية لبعض الاحزاب تحضيرا للانتخابات البلدية، أكد المحلل السياسي، أن برامج الانتخابات الفارطة لن تكون صالحة للانتخابات مارس 2018، وأضاف أنه يلاحظ بعضا من الفتور بالنسبة للأحزاب السياسية كأنها غير متحمسة، أو غير مستعدة. وقدر محدث "الشاهد"، أن هذه الاحزاب تنتظر مؤشرات جديدة، أو تأجيلا اخر لموعد الانتخابات، حتى أن معركة الاحزاب حول قانون المالية تغطية على نوع من الوهن والعجز الداخلي لها. و اكد المحلل السياسي و الديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي ان الاحزاب و على كثرتها لا تمتلك مشاريع سياسية و لم تتقدم قيد أنملة في إيجاد مخرج للبلاد . و لفت عبد الله العبيدي في حديثه مع "الشاهد"، أنّ الأحزاب السياسية في تونس مولعة بحب " الظهور" و لكنها تندثر سريعا ، مشيرا الى ان منطق الأحزاب في تونس يتجه نحو "الكم" و ليس " الكيف"و بالتالي فانها عمرها قصير. كما أوضح محدث "الشاهد" ، أن التحالفات في تونس تعاني من " لعنة الزعامات " وهو ما يشكل عائقا أمام اي حراك سياسي جديد ، مشيرا الى ان التحالفات لا تقوم على أهداف و برامج معينة بقدر ما تقوم على المصالح الضيقة لأصحابها .