طبعت الفوضى تحركات السياسيين ونشاطاتهم خلال الاشهر الاخيرة، وأربكت أحلامهم في الوصول الى السلطة فتباينت حساباتهم وتناقضت مكوّنات المشهد السياسي غير أنها تشترك في التخوّف من مفاجآت الموعد الانتخابي القريب وفي السير الاضطراري نحوه خوفا من السقوط في غياهب النسيان. وتحيل تحركات الاحزاب ودعاياتها الانتخابية على أن البلاد قادمة على حرب حزبية سياسية على حساب الناخبين وأن هذه الاحزاب بصدد نقل فوضى المركز الى الجهات. ويشير مراقبون إلى ان أغلب الشخصيات السياسية التونسية يتوهمون أنهم زعماء وأن بإمكانهم الوصول إلى كرسي الحكم بسرعة، ويلفتون الى أن حالة من الخوف من الفشل وعدم إحراز مكاسب حقيقية دفع بعضهم الى اطلاق حملاتهم منذ أشهر. وتجندت أحزابهم التي لا يتوافق عددها مع فاعليتها التي تقدمها للمشهد التونسي، مؤخرا استعدادا للانتخابات البلدية، وربطت نجاحها فيها بالانتخابات التشريعية والرئاسية، رغم عدم وجود أي مؤشر على إمكانية هذا النجاح، بل ان محللون يتوقعون أن تنهي الانتخابات وجود هذه الاحزاب. ويشير مراقبون الى أن الأحزاب المتنافسة ستكتشف لأول مرة أن إطلاق الوعود الكبيرة لا معنى له في انتخابات محلية وأنه من السهل أن يكتشف الناخب أن المرشح بلا برامج ولا أفكار وأن انتماءه للمنطقة البلدية قد لا يكفي لاختياره خاصة من القيادات الحزبية الموجودة في العاصمة. في هذا الشأن، أكد المحلل السياسي الطاهر شقروش في تصريح ل"الشاهد"، "أننا بقدر ما نرى تكاثر الأحزاب في العاصمة وبشكل خاص في وسائل الإعلام فإنها ظلت غائبة عن العمل الميداني القاعدي بين الجهات"، ويثبت ذلك بقاء الجهات على حالها من فقر وتهميش قبل الثورة وبعدها، ما يعني أن هذه الاحزاب لم يكن لها التأثر الايجابي في الجهات التونسية. واستنتج أن مركز قرار العاصمة مازال يتحكم في مجريات الأحداث ويوجه النفوذ السياسي، ويضيف أن جزءا كبيرا من الاحزاب سيرشح شخصيات لا تعيش أغلب الاحيان في الجهات، بل في العاصمة أو مركز الولاية. ولا يعكس استعداد الأحزاب للانتخابات المحلية، مدى تمثيليتها في الجهات الي تبدو جد ضعيفة بإجماع عدد كبير من المتابعين للشأن السياسي، الذين يرجعون هذه الظاهرة إلى هيمنة التفكير المركزي في الممارسة السياسية التونسية، والذي ينظر إلى الحكم المحلي بوصفه امتدادا للمصالح التي تُعقد شبكاتها على مستوى المركز. ويؤكد ناشطون أن الأحزاب التونسية ظلت عاجزة واقعيا منذ تأسيسها على التحرّك من مكانها، حتى أن تواصلها مع الجماهير يكاد يكون منعدما، وظلت تحلّق بعيدا عن الجهات وتكتفي بالمركز أي العاصمة التي تتحصّن بها وتحاول من خلالها الاستقطاب والتعبئة، باستثناء بعض الأحزاب ذات الثقل التاريخي الذي خوّلها لتتبوأ الصف الأمامي في المشهد الحزبي في تونس معوّلة في ذلك على رصيدها التاريخي وسنوات نضالها الطويلة. هذا وانطلق المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري في القيام بزيارة الى بعض الجهات مثل الكاف وقفصة وسيدي بوزيد من أجل الاستعداد للانتخابات التي سيدخلها الحزب ضمن قائمات الاتحاد المدني إضافة إلى قائمات مواطنية أخرى خارج الاتحاد المدني. وأعلن الاتحاد المدني المكون من 11 حزبا رسميا المشاركة في الانتخابات البلدية القادمة بقائمات ائتلافية ب 48 دائرة بلدية، وتحديدا في كل مراكز الولايات وفي ثاني أهم المعتمديات. وتلتزم الأحزاب الموقعة على بيان الاتحاد المدني، وهي آفاق تونس والبديل التونسي والحزب الجمهوري والحركة الديمقراطية وحزب العمل الوطني الديمقراطي واللقاء الديمقراطي وحزب المبادرة والمسار الديمقراطي الاجتماعي وحزب المستقبل وحركة مشروع تونس وحزب تونس أولا، بالخصوص، بجعل البلدية إطارا ومدرسة لممارسة الديمقراطية المحلية وبنقل المعركة ضد الفساد الى الصعيد المحلي. وتعمل الجبهة الشعبية على استكمال استعدادها لهذا الاستحقاق البلدي الذي ستخوضه في أكثر ما يمكن من الدوائر الانتخابية باسم الجبهة ولكن الأسماء المترشحة لن تكون من أبناء الجبهة فقط بل ستكون مفتوحة لشخصيات مستقلة أخرى، على أن تحاول المشاركة في 80 بالمائة من الدوائر. من جهته، أكد "حراك تونس الإرادة" حصول تقدّم ملموس في استعداداته للانتخابات البلدية خصوصا على مستوى إعداد القائمات. و أضاف الحزب أنّ قائماته ستكون في أغلبها حزبية، مع الانفتاح في بعض الحالات على تشكيل قائمات ائتلافية مع بعض أبناء العائلة الدّيمقراطية الاجتماعية.