رغم أن الانتخابات البلدية هي تركيز لمجالس بلدية غير متحزبة تفتح الفرص أمام أهالي الجهات لإدارة شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بأنفسهم بعيدا عن المنطق الحزبي، فإن أنشطة الاحزاب وتحضيراتها وحملاتها الانتخابية السابقة لأوانها تشير وكأن تونس على أبواب انتخابات تشريعية ورئاسية لا بلدية. وقد طغى الترويج السياسي والحزبي على التركيز على تقديم البرامج التنموية لكل ولاية تكون كفيلة بتوفير الحلول للمعضلات الأساسية. وتؤكد تصريحات كل القيادات الحزبية حول الاستحقاق البلدي أننا أمام تيارات حزبية تحاول تحويل وجهة الانتخابات البلدية من استحقاق تنموي ومؤسسات حكم محلي إلى استحقاق حزبي بامتياز مماثل ومتماه مع الانتخابات البرلمانية والتشريعية. وتظهر الحملات الانتخابية السابقة لأوانها أن التيارات الحزبية لا تتعاطى مع الاستحقاق على أنه حق من حقوق أهالي الولايات في تركيز مؤسسات حكم محلي ممثلة بناء على مشكلاتهم التنموية بقدر ما ترى فيه فرصة لتموقعها والاستحواذ على تلك المؤسسات. هذا ولم تقدم أي قائمة إلى حد الآن برامجها التنموية لكل ولاية باعتبار اختلاف وتباين معضلات ومشاغل الأهالي من ولاية إلى أخرى، وهو ما يرى فيه مراقبون أن هذا التوجه يستبطن تحزيبا مسبقا لمؤسسات أول حكم محلي يفترض أن تمثل تمثيلا حقيقيا لسكان الولايات. فأعضاء مكتبه التنفيذي للحزب الجمهوري انطلقوا في القيام بزيارة الى بعض الجهات مثل الكاف وقفصة وسيدي بوزيد من أجل الاستعداد للانتخابات التي سيدخلها الحزب ضمن قائمات الاتحاد المدني إضافة إلى قائمات مواطنية أخرى خارج الاتحاد المدني. وأعلن الاتحاد المدني المكون من 11 حزبا رسميا المشاركة في الانتخابات البلدية القادمة بقائمات ائتلافية ب 48 دائرة بلدية، وتحديدا في كل مراكز الولايات وفي ثاني أهم المعتمديات. وتلتزم الأحزاب الموقعة على بيان الاتحاد المدني، وهي آفاق تونس والبديل التونسي والحزب الجمهوري والحركة الديمقراطية وحزب العمل الوطني الديمقراطي واللقاء الديمقراطي وحزب المبادرة والمسار الديمقراطي الاجتماعي وحزب المستقبل وحركة مشروع تونس وحزب تونس أولا، بالخصوص، بجعل البلدية إطارا ومدرسة لممارسة الديمقراطية المحلية وبنقل المعركة ضد الفساد الى الصعيد المحلي. وتعمل الجبهة الشعبية على استكمال استعدادها لهذا الاستحقاق البلدي الذي ستخوضه في أكثر ما يمكن من الدوائر الانتخابية باسم الجبهة ولكن الأسماء المترشحة لن تكون من أبناء الجبهة فقط بل ستكون مفتوحة لشخصيات مستقلة أخرى، على أن تحاول المشاركة في 80 بالمائة من الدوائر. من جهته، أكد "حراك تونس الإرادة" حصول تقدّم ملموس في استعداداته للانتخابات البلدية خصوصا على مستوى إعداد القائمات. و أضاف الحزب أنّ قائماته ستكون في أغلبها حزبية، مع الانفتاح في بعض الحالات على تشكيل قائمات ائتلافية مع بعض أبناء العائلة الدّيمقراطية الاجتماعية. أما نداء تونس فقد انصرف عن دعم حكومة الوحدة الوطنية وهو صاحب الاغلبية فيها الى الاستعداد لخوض الانتخابات البلدية، بعد أن جنّد أكثر من نصف أعضاء الحكومة وكتاب الدولة ومستشارين في القصبة وقرطاج للإشراف على حملته الإنتخابية ومتابعتها، كما يتوجه الحزب نحو دعوة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي لحضور الاجتماع الذي سيُطلق خلاله حملته الانتخابية. وفي ما يتعلق بالبرامج الانتخابية لبعض الاحزاب تحضيرا للانتخابات البلدية، أكد المحلل السياسي محمد بوعود ل"الشاهد"، أن برامج الانتخابات الفارطة لن تكون صالحة لانتخابات ماي 2018. وقدر محدث "الشاهد"، أن هذه الاحزاب تنتظر مؤشرات جديدة، أو تأجيل اخر لموعد الانتخابات. من جهته، اكد المحلل السياسي و الديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي ان الاحزاب و على كثرتها لا تمتلك مشاريع سياسية و لم تتقدم قيد أنملة في إيجاد مخرج للبلاد . و لفت عبد الله العبيدي في حديثه مع "الشاهد"، أنّ الأحزاب السياسية في تونس مولعة بحب " الظهور" و لكنها تندثر سريعا ، مشيرا الى ان منطق الأحزاب في تونس يتجه نحو "الكم" و ليس " الكيف"و بالتالي فان عمرها قصير. كما أوضح محدث "الشاهد" ، أن التحالفات في تونس تعاني من " لعنة الزعامات " وهو ما يشكل عائقا أمام اي حراك سياسي جديد ، مشيرا الى ان التحالفات لا تقوم على أهداف و برامج معينة بقدر ما تقوم على المصالح الضيقة لأصحابها .