تفشت ظاهرة الانتحار في تونس خلال السنوات الأخيرة إلى درجة أنها أصبحت تنذر بخطر يتهدد المجتمع، خاصة بعدما انتشرت هذه الظاهرة في صفوف الشباب وحتى الأطفال ، الذين بات إقدامهم على اتخاذ مثل هذه الخطوة لوضع حد لحياتهم ينبئ بخلل أخلاقي واجتماعي يجب معالجته والتصدي له. وتشهد الإحصائيات المتعلقة بحالات الانتحار في تونس ارتفاعا من سنة إلى أخرى، وفق ما يوثقه المرصد التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ويقول المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إن حوالي 40 حالة انتحار تشهدها تونس شهريا، ما يرسخ تفشي الحالة منذ حادثة محمد البوعزيزي مفجر الثورة قبل أكثر من سبع سنوات، مما دفع المؤسسة الدينية، دار الإفتاء، إلى أن تطلق صيحة فزع وتدعو إلى الصبر والمثابرة وتذكّر بالقواعد الشرعية المحرمة لهذا الفعل. وفي أرقام طرحها المنتدى في مؤتمر صحافي فإن تونس شهدت 165 حالة بين انتحار ومحاولة انتحار خلال الربع الأخير من عام 2017 بلغت أقصاها في شهر نوفمبر الماضي الذي شهد 61 حالة. وفي وقت سابق كان المنتدى الذي يعنى بالأوضاع الاجتماعية والتشغيل والتنمية، قد سجل 370 حالة انتحار ومحاولة انتحار منذ مطلع 2017، أغلبها حرقا. وتأتي القيروان في المركز الأول من بين الولايات إذ كانت شهدت 120 بين حالات انتحار ومحاولات للانتحار في عام 2016، ما يمثل قرابة 30 بالمئة من إجمالي الحالات والمحاولات في تونس والتي بلغت أكثر من 900 حالة. وقال رئيس المنتدى رمضان بن عمر، "نسب الانتحار مرتفعة في ولايتي القيروان وبنزرت مع أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بين الجهتين مختلفة تماما". ويضيف بن عمر "دوافع الانتحار تبدو مركبة ولا يمكن حصرها في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. هناك ضغوط يومية تسلط على المواطن التونسي لكن هناك أيضا دوافع نفسية وعائلية". ومن جانبها، اعتبرت الاختصاصية الاجتماعية، ريم السعيداني، انه "يمكن الربط بين أسباب الإقدام على الانتحار في ولاية القيروان وعوامل اقتصادية واجتماعية وعائلية. و أوضحت في هذا الصدد " التهميش، وانتشار الفقر واليأس في صفوف الشباب من أهم أسباب الانتحار"، مضيفة أن كثيراً من المؤشرات تدعم تصدر القيروان باقي الولاياتالتونسية الأخرى في الانتحار، ومن هذه المؤشرات، بحسب المدير العام لمعهد الإحصاء، الهادي السعيدي، ارتفاع نسبة الأمية في القيروان إلى 35%، كما أن 30% من العائلات هناك لا تملك الماء الصالح للشراب، فضلاً عن ارتفاع نسبة الفقر إلى 34,9%، ويصل عدد العاطلين في الولاية إلى 26 ألف عاطل عن العمل من إجمالي 600 ألف نسمة هم قوام تعدادها السكاني، الأمر الذي يجعل القيروان من أقل الولاياتالتونسية تنمية والأكثر فقراً، كما يقول السعيدي . وتظهر تقارير المرصد التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالقيروان أنّ 7 حالات انتحار ومحاولات انتحار في 2017 كانت لأسباب اقتصادية، و5 حالات لأسباب اجتماعية و6 حالات لأسباب عائلية و4 حالات بسبب الدراسة، وفي عام 2016 كان الدافع الاقتصادي هو الأول لانتحار 9 أشخاص في القيروان، في حين وقعت 12 حالة لأسباب اجتماعية متنوعة و8 حالات لأسباب عائلية.