تعتبر حرية التعبير و كسر القيود عن الإعلام من أهمّ المكاسب التي جاءت بها ثورة الحرية و الكرامة ، لِما بات يتمتع به الإعلام في تونس، على اختلاف محامله، من مكاسب حققت نقلة نوعية بين وضعه في السابق ، قبل ثورة 14 جانفي، و وضعه الآن .. بَيْد أنه قد عاد جدل تقييد الإعلام في تونس إلى الواجهة من جديد بعودة الاعتداءات و اساليب الهرسلة التي يتعرض إليها الصحفيون في تونس ما بعد الثورة، فضلا عن تصدر الواجهة مؤخرا مسألة تجسس وزارة الداخلية على الإعلاميين ، الأمر الذي أثار حفيظة الصحفيين وعددا من الحقوقيين والسياسيين واعتبروا أن هذه الممارسات تعيدنا إلى مربّع التضييق على الحريات مشبهينها بممارسات العهد البائد تجاه الإعلام .. و يعتبر الإعلاميون أن المشهد الإعلامي الحالي تتخلله مخاوف متنوعة من عودة التضييقات التي كان الإعلام التونسي يعاني منها قبل الثورة، وهي مخاوف تجد أرضية خصبة في ظل التطورات الحاصلة ومحاولات إخضاع المؤسسات الإعلامية لأجندات معينة وظهور مشكلات على مستوى الكيف والكم. و قد مضى حوالي أسبوعين على يوم الغضب الوطني الذي نفذه الصحفيون في كافة أنحاء تونس رفضاً لتقييد القلم والصوت. وكان وزير الداخلية لطفي براهم قد أقر أمام لجنة الأمن والدفاع في البرلمان ، بأن عملية إيقاف أحد الصحافيين خلال الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها البلاد ضد قانون المالية والزيادات في الأسعار، كانت نتيجة كشف اتصالات أجراها مع مجموعة من المحتجين. وإثر تصريحه بالتنصت على مكالمات الصحافيين، اعتبرت نقابة الصحافيين التونسيين أن «أيادي الأمنيين أطلقت بشكل فج وصل إلى حد محاولة أحد الأمنيين الاطلاع على محتوى تسجيلات أحد الصحافيين والتنصت على الهواتف». وأعلنت منظمات حقوقية وأحزاب سياسية دعمها لتحركات الإعلاميين، ودعت السلطات إلى «لَجْم أعوان وزارة الداخلية خلال تعاملهم مع الإعلاميين خلال مختلف الاحتجاجات السلمية التي توجه انتقادات إلى الحكومة». في هذا الشأن، قال نقيب الصحفيين ناجي البغوري في تصريح صحفي ، إن يوم غضب الصحافة التونسية لم يطالب بالترفيع في الأجور أو مراجعة الوضعية المهنية الصعبة للصحافيين، بل يطالب بضمان حريتهم التي باتت في خطر على حد قوله. وأكد أن هذا القرار يأتي كردة فعل على الحملة التي تشنّ على الصحافيين من قبل الأجهزة الرسمية، وحملات الثلب والتشويه والتهديد على شبكات التواصل الاجتماعي من طرف أمنيين، في إفلات تام من المحاسبة والعقاب على حد تعبيره. وأضاف البغوري أن التهديدات وصلت إلى حد فسخ المادة الإعلامية ومضايقة ممثلي الصحافة الأجنبية، والتصريح بإعادة وكالة الاتصال الخارجي التي لعبت أدواراً مشبوهة في تلميع صورة النظام السابق. وقال إن النقابة وجهت رسالة مفتوحة إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان، للتعبير عن موقف النقابة الرافض لسياسة التضييق على حرية الصحافة وتواصل الاعتداءات على الصحافيين. ومن نتائج هذه التحركات أن استقبل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي أعضاء المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسيين، وإثر هذا الاجتماع أثنى رئيس النقابة على التفاعل الإيجابي لرئيس الدولة والتزامه بحماية ودعم حريّة الإعلام والتعبير باعتبارها أحد أهم ضمانات نجاح المسار الديمقراطي. وأكد أهمية مواصلة الحوار مع كل الأطراف المعنيّة لتجاوز الإخلالات الأخيرة وضمان عدم تكرارها في المستقبل، إضافة إلى العمل على مزيد دعم حرية الصحافة والنهوض بقطاع الإعلام العمومي وتحسين ظروف عمل الصحافيين من خلال التسريع بإرساء القوانين اللازمة.