في إطار الوعي بالمسؤولية والالتزام بضرورة دعم الاستقرار السياسي في البلاد التي تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة، بدا الاتحاد العام التونسي للشغل أكثر اتزانا انشغالا بما تمر به تونس، من الاحزاب وأكثر نضجا منها، فواصل على امتداد السنوات الماضية لعب دور الوساطة بين الأطراف الاجتماعية والحكومية. هذا الدور يبدو أنه بدأ يتراجع، بعد فشله للمرة الأولى منذ سنوات، في التوصل الى نتائج ايجابية مع المعتصمين بالحوض المنجمي في ولاية قفصة، ولم يستطع ممثل الاتحاد بوعلي المباركي في إقناع المعتصمين بالعودة الى الانتاج، القبول بمقترحات الحكومة، متهما من وصفهم بالبارونات بتعطيل الحوار وتحريض المحتجين. وأعلن الامين العام المساعد لاتحاد الشغل الخميس 1 مارس 2018، عن إيقاف الحوار مع معتصمي ولاية قفصة حول مشروع اتفاق 23 فيفري 2018 مع الحكومة. وأضاف في ندوة صحفية عقدها بمقرّ الولاية بعد أربعة أيام من جلسات الحوار مع معتصمين وطالبي شغل بكل معتمديات الولاية إن "مشروع الاتفاق الذي تمّ إعلام المعتصمين به والتحاور معهم حوله طيلة الايام الماضية لن يتمّ إمضاؤه باعتبار أنه لم يتمّ القبول به من طرف المعتصمين، ولم يقعّ إستئناف نشاط قطاع الفسفاط". ولفت المباركي الى وجود طلبات وشروط وملاحظات للمعتصمين ليس من مشمولاته الاجابة عليها، مؤكدا أنّه لا يمكن له أن يقدّم التوضيحات التي طالب بها المعتصمون وخاصة حول حصّة كل معتمدية من البرنامج المقترح للانتدابات والتكوين وبعث المشروع أو الجدول الزمني لتطبيق الاتفاق، باعتبار أنّ ذلك من مهامّ لجنة فنّية ستتشكّل للغرض في حال تمّ إمضاء الاتفاق. وفي إجابة حول إمكانية استئناف الحوار برعاية اتحاد الشغل في حال قبلت الحكومة بمقترحات وطلبات المعتصمين، قال بوعلي المباركي إن "الحوار بالنسبة لنا انتهى". ودعا في هذا السياق الحكومة إلى إيجاد حلّ سريع لازمة الفسفاط، مؤكدا أنّ الحلّ يكون فقط بالحوار والاستماع إلى الجميع والعمل على بناء الثقة مع الناس والقطع خاصّة مع ما وقع في السابق بخصوص إعطاء وعود لا يتمّ إنجازها وفي سياق اخر، وأوضح المباركي أن الإشكال في أزمة فسفاط قفصة يكمن في التفاوض مع 13 جهة كل على حدى، كاشفا أن هناك بارونات وفق توصيفه تتدخل لتغيير موقف المعتصمين بعد الاتفاق والرجوع بهم إلى نقطة الصفر. وعموما ليس اتحاد الشغل الوحيد الذي وجه اتهامات الى أطراف لم يذكرها بمحاولة تعطيل مساعي الحكومة في تنقية الأجواء، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي المفقود، فقد كشف وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة خالد قدور الاثنين 26 فيفري 2018، إن أطرافا سياسية واجتماعية ورياضية تقف وراء أزمة الفسفاط وتعمل على تصعيدها. وأشار المسؤول الحكومي إلى أن شركة فسفاط قفصة قدمت 113 قضية ضد المعتصمين دون وجه حق وخاصة منهم من يعطلون الإنتاج ويغلقون مسالك المغاسل. كما كشف الاعلامي زياد الهاني أنه تم ضبط نائبة حركة نداء تونس عن جهة قفصة أسماء أبو الهناء وهي تحرض بعض المعتصمين على رفض أي مقترح اتفاق يقدم لهم. وكتب الهاني في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك"، أنه في الوقت الذي يبذل فيه بوعلي المباركي الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل جهودا جبارة للتوصل إلى اتفاق مع معتصمي الحوض المنجمي ينهي الأزمة التي كلفت البلاد غاليا وتهدد بنتائج كارثية أقلها انهيار الاقتصاد الوطني، تحاول النائب عن حركة نداء تونس تحريض المعتصمين من جهة أخرى، أكد قدور أن قيمة الخسائر التي تكبدتها شركة فسفاط قفصة سنة 2017 نتيجة توقف الإنتاج جرّاء الاعتصامات بلغ ألف مليون دينار. وأشار قدور خلال مؤتمر صحفي بقصر الحكومة بالقصبة الخميس 1 مارس 2018 إلى أن إنتاج الفسفاط لم يسترجع نسقه الطبيعي مقارنة بالسنوات 7 الماضية، مضيفا أنّ معدّل الإنتاج السنوي لم يتجاوز ال4 مليون طن. وتتعطل صادرات الفسفاط في تونس، بصفة كلية، بعد إغلاق المعتصمين الطرق المؤدية إلى مناجم الفسفاط في ولاية قفصة للمطالبة بتوظيفهم في بالشركة وهي المرة الأولى التي تغلق فيها كل مناجم الجهة. وذلك بعد الاتفاق بين الطرف الحكومي والنقابي على إحداث 7 آلاف موطن شغل من بينها 2100 انتداب بشركة فسفاط قفصة و شركة البيئة حال استئناف النشاط و 1400 انتداب بين شركة فسفاط قفصة و المؤسسات العمومية بالجهة وبالإضافة إلى تكوين 1000 عاطل عن العمل صلب الشركة لمدة عامين قبل إدماجهم كليا.