بعد موجة الأسعار المشطة التي تشهدها الأسواق التونسية في شتى المواد الاستهلاكية ، قرر التونسيون إجراء حملات مقاطعة كردّ فعل شعبي على غلاء الأسعار أمام ضعف مقدرتهم الشرائية ؛ ولعلّ حملة "خليه ينتن" التي دشنها رواد منصات التواصل الاجتماعي وشارك فيها الكثيرون ضد شراء الأسماك التي بلغت أسعارها أرقاما خيالية، أبرزها ،حيث انخرط فيها عديد التونسيين ولا تزال متواصلة . وأطلق رواد المواقع الافتراضية في البلاد هذه الحملة منذ الأسبوع الماضي ، وتداول نشطاء على نطاق واسع صورا وفيديوهات، التقطت في أسواق الأسماك، تظهر مدى ارتفاع الأسعار. ولقيت الحملة تأييدا واسعا على شبكات التواصل الاجتماعي، وقال مغردون إن أسعار الأسماك في تونس، أكثر ارتفاعا من نظيرتها في العاصمة الفرنسية باريس. وللتأكيد على نجاح حملة المقاطعة تقاسم مستخدمو الإنترنت في تونس صورا تبرز حاويات فضلات عمومية ضخمة مليئة بكميات كبيرة من الأسماك. وأكد مغرّدون أن الحملة حققت نتائج مرضية، إذ عمد تجّار في عدد من مدن البلاد إلى تخفيض الأسعار، وذلك يظهر من خلال مقطع فيديو متداول على منصات التواصل الإجتماعي تم تصويره في أحد الأسواق الشعبية في تونس يظهر بائع سمك يرفع صوته مناديا بأن سعر الكيلو غرام من السمك بدينار واحد، كما أظهر الفيديو عددا من الزبائن متجمعين حول البائع ينتظرون دورهم لشراء السمك. وتؤكد حملة المقاطعة أن عدم الرضوخ للأسعار المرتفعة جدا للأسماك هو السبيل الوحيد الذي يجعل التجار يراجعونها باعتبار أن فترة صلاحية هذا المنتج قصيرة. ويرى مساندو الحملة أن التجار لن يجدوا طريقة أفضل للحفاظ على منتجاتهم غير تخفيض الأسعار. و قد ارتفعت أسعار الأسماك في تونس بأكثر من 10 بالمائة خلال شهر مارس الماضي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. و في هذا الصدد ، عبر رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي عن تأييده لهذا الطرح قائلا، إن الأسعار بدأت في النّزول، بعد الزخم الكبير الذي عاشته الحملة. ولفت الرياحي في هذا السياق إلى أن "ثقافة المقاطعة، بدأت تترسخ لدى المستهلك التونسي، على غرار مقاطعة الدواجن في رأس السنة الميلادية، ومقاطعة مادة ‘الزقوقو' بمناسبة المولد النبوي". وكانت المنظمة، قد أطلقت منذ فترة حملة أخرى تحت عنوان "انت تغلّي وأنا ما نشريش"، في دعوة إلى مقاطعة جميع المواد الاستهلاكية التي تشهد أسعارها ارتفاعا كبيرا. ومن جانبه ، قال نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك أكرم الباروني إن "هذه المقاطعة تعكس وعي المواطن والمستهلك بعدم الانسياق وراء غلاء الأسعار ودوره في الحد منها" ، متابعا "المستهلك التونسي أصبح يعي جيدا أن بإمكانه من جهته تعديل أسعار المواد الغذائية وغيرها". كما أكد الباروني أن منظمة الدفاع عن المستهلك تدعم حملات المقاطعة التي تأتي للرد على غلاء الأسعار، مشيرا إلى أنها مبادرات من شأنها أن تكون في صالح الطبقات المتوسطة والفقيرة من التونسيين. وفي سياق متصل، شدد الباروني على ضرورة أن تقوم الجهات الحكومية بدورها في تعديل أسواق المواد الاستهلاكية عن طريق تفعيل أجهزة الرقابة التابعة لها. كما أكد في الوقت نفسه على أن "الجهود التي يقوم بها الأفراد أو مكونات المجتمع المدني على أهميتها تبقى غير كافية للتحكم في الأسعار" ، مؤكدا انه "إذا أردنا فعلا إصلاح السوق ومسالك التوزيع فلا بد من تضافر جهود الجميع". وفي تعليقه على ذلك، قال الخبير الاقتصادي مختار بن حفصة إن ارتفاع أسعار السلع والخدمات هو نتيجة طبيعية لتنفيذ الحكومة في تونس لأوامر صندوق النقد الدولي. وأشار بن حفصة ل"سبوتنيك" إلى ورشة الإصلاح الخاصة بصندوق النقد الدولي، مضيفا أن الصندوق يشترط عند إقراض أيا من الدول تنفيذ عدة إجراءات، بغض النظر عن الظروف والسياق الذي تمر به كل دولة، من ضمن تلك الشروط خفض قيمة العملة المحلية، لتحقيق التوازن المالي على مستوى ميزان المدفوعات، فيعتبرون خفض قيمة الدينار يشجع على زيادة الاستثمار الأجنبي، بحسب بن حفصة. وليست أسعار الأسماك وحدها ما يثير استياء التونسيين، فأسعار الخضار والغلال واللحوم بأنواعها والمواد الغذائية كلها تشهد ارتفاعا غير مسبوق ، وحتى السيارات شهدت أيضا ارتفاعا مشطا في الاسعار ، وخلقت هذه الأرقام المرتفعة احتجاجا كبيرا لدى الأوساط الشعبية التونسية التي عبرت عن رفضها واستيائها من هذا الوضع بطرق مختلفة. و شهدت مواقع التواصل الاجتماعي منذ فترة حملة لمقاطعة شراء السيارات على خلفية الارتفاع الجنوني لأسعار السيارات الجديدة والمستعملة على حد السواء حسب تعبير المشاركين في الحملة. وضجت الصفحات والمجموعات الخاصة ببيع السيارات المستعملة على موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك منذ مدة بهاشتاغ "خليها تصدي" لمقاطعة شراء السيارات المستعملة احتجاجا على ما اعتبروه جشع التجار والوكلاء الذي يتحكمون في الأسعار حسب المشاركين في هذه الحملة.