لم يهدأ الحديث عن نقص مخزون البلاد من الأدوية ، خاصة أدوية الأمراض المزمنة ، و تصدرت الأزمة الواجهة الإعلامية ومنصات التواصل الإجتماعي، سيما مع تكثف الحديث حول وجود شبهات فساد صلب الصيدلية المركزية ، الأمر الذي زاد من تعقيد المسألة أكثر فأكثر .. و في صلب هذا الشأن، تمت إقالة الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية المعز لدين الله المقدم ، وذلك على خلفية ما شهدته البلاد في المدة الأخيرة من إضطراب في توزيع الأدوية وتوريدها. و افاد كاتب عام نقابة الصيدلية المركزية سفيان الدلاجي انه تم تعيين أيمن المكي عوضا عن المعز لدين الله . و اضاف ان سبب الاقالة جاء على خلفية الازمة التي شهدتها الصيدلية المركزية و المتمثلة خاصة في نقص الادوية و اضطراب في التوزيع و التوريد. وما انفك وزير الصحة عماد الحمامي يؤكد وجود ترسانة من ملفات الفساد تطوق الصيدلية المركزية ، وقال الأربعاء 11 أفريل 2018 في تصريح على هامش حضوره فعاليات الجلسة الافتتاحية للندوة الوطنية حول الإصلاحات الكبرى، بوجود فساد في الصيدلية المركزية، لافتا إلى أنه يتم حاليا إجراء عملية تدقيق معمق فيه. وقال عماد الحمامي في ذات الإطار : "التفقدية متقدمة على هذا المستوى ونمد القضاء بكل التطورات تباعا ولن نتراجع حتى نجتث الفساد من الصيدلية المركزية ومن كل مسالك التوزيع وصولا إلى الصيدليات الخاصة وإلى بائعي الجملة والمنتجين المحليين"، مبينا بأن هناك سرقة تحدث عند توريد الأدوية على مستوى ميناء رادس. وقال من جهة أخرى، إن ديون الصيدلية المركزية المستحقة لدى الحرفاء تناهز 500 مليون دينار، مشيرا إلى أن الوزارة تعمل، بالتنسيق مع وزارة المالية، على إيجاد حلول لأزمة الصيدلية المركزية، وهو ما مكن من استباق مشكل كاد يحدث في الأسابيع الاخيرة، وساعد بالتالي على المحافظة على سمعتها الجيدة لدى المزودين التونسيين والأجانب، حسب قوله. ولفت في المقابل، الى أنه لا يوجد نقص في الأدوية بالصيدلية المركزية. و في سياق متصل، أقر وزير الصحة بوجود تهريب للأدوية عبر الحدود تقف له وزارة الصحة بالمرصاد، بالتنسيق مع وزارتي الدفاع والداخلية. وأوضح الحمامي أنّ نزول مخزون بعض الأدوية أحيانا إلى الصفر يقع في كل القطاعات والمنتجات، وأن المريض إن لم يجد الدواء الموصوف له فإنه يجد جنيسه، مشددا على أن مخزون الأدوية مضمون لمدة ثلاثة أشهر، ويتم لهذا الغرض القيام بشراءات يومية والتنسيق في ذلك مع المصنعين المحليين. و يكثر الحديث خلال الفترات الأخيرة عن نقص فادح في مخزون البلاد من الأدوية خاصة منها التي ترتبط بالأمراض المزمنة على غرار أدوية ارتفاع ضغط الدم و أدوية الأمراض المزمنة من قبيل داء السكري وأمراض القلب والأعصاب والجهاز التنفسي و السرطان .. و يرجع النقص المستمر لمخزون البلاد من عديد الأدوية الضرورية بالخصوص إلى عاملين أساسيين ؛ تواتر عمليات سرقة و تهريب الادوية إلى الخارج ، و امتناع عدد من الشركات العالمية عن تزويد الصيدلية المركزية التي بلغت ديونها أكثر من 400 مليون دينار . مافيات تهريب تعمل بين الداخل والخارج .. مع تواتر عمليات تهريب الأدوية خلال الفترات الأخيرة، شدد وزير الصحة عماد الحمامي، على ضرورة التصدي لظاهرة تهريب الأدوية حفاظا على مكاسب القطاع. و أكد الحمامي أن الحكومة ساعية لتشديد العقوبات في ما يتعلق بملف تهريب الدواء خارج حدود الوطن، مشيرا إلى عدد من الزيارات الميدانية، المرتقبة، والمجالس الجهوية للصحة، حول ملف الأدوية. يشار إلى أنه، رغم التحذيرات التي رفعها عديد الأطراف ذو علاقة بالقطاع الصحي من تبعات عمليات تهريب الادوية التي تشهدها البلاد ، لا تزال هذه الظاهرة متواصلة بشكل ملفت و محيّر ، آخرها عملية جدت خلال اليومين الاخيرين كشفت عن تورط عدد من الصيدليات و المزودين لتوزيع الادوية بالقطاع الصحي في شبكة لتهريب الادوية بكميات هامة . وكانت الوحدات الأمنية على الحدود التونسية الليبية قد تمكّنت في السنوات الأخيرة من إحباط عمليات تهريب كبيرة للأدوية ، فباتت الصيدليات و مراكز الصحة و صيدليات المستشفيات تفتقر الى مختلف انواع الأدوية رغم انتظام الاستيراد من الخارج عبر الصيدلية المركزية ورغم وجود صناعة دوائية متطوّرة في البلاد. و الأدوية التي باتت تفتقر اليها الصيدليات و المراكز الصحية هي أدوية ارتفاع ضغط الدم و أدوية الأمراض المزمنة من قبيل داء السكري وأمراض القلب والأعصاب والجهاز التنفسي ، وهو الأمر الذي يؤدّي إلى تفاقم معاناة بعض مصابي الأمراض المزمنة، خصوصاً في الجهات حيث لا يتوفّر عدد كبير من الصيدليات وحيث يعوّل المرضى في حصولهم على الدواء على مراكز الصحة الأساسية التي لا تلبّي الكميات التي توفّرها احتياجات المرضى. وتستورد الصيدلية المركزية الدواء من الشركات العالمية، من أجل تحصيل احتياطي لا يقل عن ثلاثة أشهر لتوفير احتياجات القطاعين العام والخاص، مقابل استخلاص مستحقاتها عبر صندوق الضمان الصحي، لكن العجز المالي الذي يعانيه الصندوق أدخل قطاع الصحة في دوامة الاستدانة وتردي الخدمات. نقاط استفهام حول امتناع الشركات العالمية عن تزويد تونس بالأدوية.. ومن جانب اخر، كشف الكاتب العام المساعد في النقابة الأساسية للصيدلية المركزية عبد المنعم بن عمار أن عددا من المزودين الأجانب للدواء هددوا بإدراج تونس على قائمة سوداء للدول الممنوعة من التزويد بسبب مستحقاتها المتراكمة، واصفا الوضع بالخطير. وأضاف بن عمار في تصريح للعربي الجديد أنه من المفترض أن يكون لدى الصيدلية المركزية مخزون استراتيجي من الدواء قادر على تغطية احتياجات البلاد لمدة ثلاثة أشهر، لكن احتياطي بعض الأصناف لا يغطي أسبوعا واحدا. ومن جانبه، اعتبر الكاتب العام لنقابة الصحة عثمان الجلولي، أن " لوبي الدواء يدفع عبر المخابر العالمية والمحلية إلى إحكام السيطرة على قطاع توريد الدواء وإنهاء الاحتكار الحكومي لهذا القطاع عبر الصيدلية المركزية" وأضاف الجلولي أن الأقسام الاستشفائية في القطاع الحكومي ترجئ تدخلات جراحية عاجلة للمرضى بسبب نقص أدوية حياتية ومواد التخدير.