بعد أن كان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي قد إقترح في إجتماع الجمعة الفارط تأجيل النقاش حول "وثيقة قرطاج 2" إلى ما بعد شهر رمضان بحثا عن مزيد من التوافقات، أعلنت الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش اليوم الاثنين 28 ماي 2018 انه تم رسميا تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2 دون أن تكشف عن سبب اتخاذ هذا القرار الذي جاء خلال اجتماع منعقد اليوم باشراف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي برؤساء الاحزاب والمنظمات قبل تحوّله إلى العاصمة الفرنسية باريس في زيارة رسمية بيومين. . جلسات الحوار حول "وثيقة قرطاج 2" تأجلت بشكل مستمر في الفترة الأخيرة خاصّة بسبب التناقض الواضح في المواقف بشأن النقطة الأخيرة رقم 64 من مضمون الوثيقة والمتعلّقة بمغادرة رئيس الحكومة يوسف الشاهد في التحوير الوزاري المرتقب رغم أن أغلب المشاركين في الحوار يرفضون هذا المقترح الذي يصرّعليه الإتحاد العام التونسي للشغل وحركة نداء تونس بشكل خاص. مباشرة إثر الإعلان عن تعليق الحوار إتّجهت الأنظار إلى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي والأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبّوبي الذين إلتقيا منتصف الأسبوع الفارط للتداول بشأن الوضع العام بالبلاد في علاقة بمضامين "وثيقة قرطاج 2″،وفيما يصر الإتحاد على تنحية رئيس الحكومة تدعو النهضة لمزيد من الإستقرار في هذاالظرف الحساس. الإتحادالعام التونسي للشغل سارع إلى التنصّل من مسؤوليته في إفشال الحوار وأعلن على لسان أمينه العام نور الدين الطبوبي أن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي هو من إتخذ القرار وأنّ الإتحاد "غير ملزم بشيء"وهو الذي كان ولا يزال الشريك الأبرز منذ تزعمه الحوار الوطني سنة 2013. على عكس محاولة الإتحاد رمي الكرة بعيدا عن ساحته فإنّ زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي شدّد في أوّل تعليق له إثر تعليق حوار قرطاج أنّ هذه الحكومة ليست مثالية ولكن لا يمكن تغييرها في ظل غياب بديل واضح ،وفق تعبيره، مضيفا أن الجميع تعودوا على تقديم حركة النهضة تنازلات، مؤكدا ان الحركة لا تقوم بتنازلات الا ان " كانت تخدم مصلحة تونس". الغنوشي نبّه في تصريحاته إلى ان المصلحة الوطنية اليوم في خطر وأن ذلك دفع بالحركة الى السعي الى التوافق، متسائلا "لماذا يقع تغيير الحكومة في هذا الوضع المتأزم الذي تعيشه المالية العمومية؟" مجدّدا مساندة حركته لتحوير جزئي مضيفا "على من يريد تغيير الحكومة التوجه إلى البرلمان". موقفان متباعدان تماما، يستمدّ الإتحادالعام التونسي للشغل الذي يعقد هيئة إدارية بعد المتغيرات الأخيرة، من أزمة سابقة وشائكة بين الحكومة والمنظمة الشغيلة على خلفية أزمة وزارة التربية ونقابات التعليم الثانوي وتشير بعض التسريبات إلى موقف رافض لبعض النقاط الواردة ضمن الإصلاحات الكبرى التي تقترحها حكومة يوسف الشاهد. من جانبها تعلي حركة النهضة في موقفها الصادرعلى لسان زعيمها راشد الغنوشي الأهداف الكبرى وشروط تحقيق النجاعة و على رأسها الإستقرار من جهة وصلاحيات البرلمان بما يخدم توازن السلطالثلاث من جهة ثانية في إشارة واضحة إلى أن تغييرا أو تحويرا وزاريا لمجرّد التحوير أو لإرضاء هذا الطرف أو ذاك لا علاقة له إطلاقا بالمصلحة الوطنيّة التي تقتضي إمّا تحويرا يقدّم دفعا للإصلاحات وللإستقرار أو إبقاءا على الحالي مع تغيير في الآليات والبرامج. حشر الإتحاد العام التونسي للشغل نفسه في مربّع سجالات الأحزاب السياسيّة وهو المنظمة الوطنية العريقة التيكان ولازال يفترض أن تكون بعيدة عن بعض النقاشات التي لا تخدم المصلحة الوطنيّة في الوقت الذي باتت فيه حركة النهضة الأكثر قدرة على التفاعل مع محيطها بالحوار والبحث عن التوافقات من جهة والأكثر قدرة على تقدير الموقف في علاقة بما تقتضيه شروط النجاعة وإستمرار مسار الإنتقال الديمقراطي والشروع في الإصلاحات من جهة أخرى أمّا من جهة ثالثة فهي الأكثر إعادة للتوازن وحرصا عليه بين السلطات من جهة وداخل المشهد العام من جهة أخرى.