الحديث عن وضع الحزب الحاكم وما بات يطوّقه من عدم استقرار و فوران صلب بيته الدّاخلي، أضحى من أبرز المواضيع التي تتصدر الواجهة، سيّما وأن ماشهده الحزب من ارتجاج ألقى بظلاله على الوضع العام للبلاد، و تحول من شأن حزبي داخلي إلى شأن وطني، وهو ما سلط عليه الضوء رئيس الحكومة، المنتمي إلى حزب نداء تونس، يوسف الشاهد. جدلية الفرقعة التي يعيشها الحزب، والتي لا تعدّ بالمسألة المستجدّة طالما أنه يعيش حالة انشقاق و تفرّع منذ منتصف عام 2015، جعلت مسألة إعادة لملمة شتات الحزب ضرورة حتمية لابدّ منها اليوم قبل الغد، لا سيّما وأنه لم يعد يفصلنا عن المعركة الانتخابية التشريعية ل2019 سوى سنة ونيف. الحديث عن مساعي حزبية ندائية لإعادة لمّ شمل الندائيين المتفرّقين من جديد انطلق منذ فترة تحت إشراف المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي بيد أن هناك إجماعا على الساحة السياسية بأن الشخص الوحيد القادر على ترتيب البيت الداخلي لنداء تونس وإنهاء الأزمة التي يعايشها هو رئيس الجمهورية والرئيس المؤسس للحزب الباجي قائد السبسي. ولعلّ حتمية دخول الباجي قايد السبسي على الخط تفرضها مقتضيات المرحلة، لا سيما وأن الأيام التي عقبت الصراع الذي طفا إلى السطح بين الشاهد والسبسي الإبن كشفت اتساع الهوة صلب النداء وانقسامه إلى شقين، أحدهما يتمسك باستمرار الشاهد على رأس الحكومة ويندد بتفرد السبسي الإبن بالقرار ومستغلا منصبه كمدير تنفيذي للحزب وصفته كنجل رئيس الجمهورية وإبن الرئيس المؤسس، للحزب. وقوف عدد لا بأس به من الندائيين في صف يوسف الشاهد كشفته مواقف عدد من الفروع المحلية للنداء بالجهات التي جاءت مخالفة تماما لما ورد في مخرجات اجتماع المنسقين المحليين للحزب السبت المنقضي ، إذ أكدت قيادات محلية من نداء تونس أنها تساند رئيس الحكومة يوسف الشاهد وتطالب باستمراره في منصبه. وكان فرع نداء تونس بالقصرين ، قد نظم مساء الأحد، وقفة مساندة ليوسف الشاهد، شارك فيها سياسيون ونشطاء من المجتمع المدني، مطالبين باستمراره على رأس الحكومة وهو ما اعتبروه "انتصارا للدولة وضمانة لتحقيق برامجها". وشدد المشاركون في الوقفة على رفضهم للتغيير الكامل للحكومة، وهو موقف يعارض تماما مخرجات اجتماع لمنسقي نداء تونس المحليين المنعقد السبت والذي أكد على تمسكهم بإقالة الحكومة ورئيسها. وأكد اجتماع المنسقين المحليين لنداء تونس، المجتمعين السبت بحضور المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي، على التمسك بتغيير الحكومة. كما اقترح المنسقون المحليون تجميد عضوية من خالف الخط السياسي للحزب. ودعا الاجتماع أعضاء نداء تونس إلى "المزيد من الالتفاف حول قيادته الشرعية"، إلى جانب استنكار حملات التشويه التي طالت الحزب وعلى رأسه المدير التنفيذي من رئيس الحكومة ومن المحيطين به. وعلى غرار فرع الحزب بالقصرين، كان قد مضى على نفس المنهج كل من فرع النداء بصفاقس وبالوردية، حيث أعلن أعضاء الفرعين عن مقاطعتهم لاجتماع المنسقين. و أوضح بيان صادر عن المقاطعين بالوردية إن السبب من اتخاذهم هذا الموقف يعود إلى "ما آلت إليه الأوضاع من تدهور وتفرّد بالرأي في تناول القضايا المصيرية للحزب"، كما أكدوا "عدم ثقتهم" في القيادة الحالية. واستنكر المنسقون المحليون لحركة نداء تونس بالوردية الطريقة المعتمدة في انتداب منتمين جدد إلى الحزب، داعين إلى تفعيل هياكل نداء تونس خاصة الهيئة السياسية لتسيير الحركة إلى حين عقد مؤتمرها. وأمام ما بات يعايشه النداء من أحداث ومستجدات أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على استقرار الحزب الذي بات مهددا بالانهيار، أضحى من الضروري تنظيم مؤتمر للحزب من أجل وضع النقاط على الحروف وتسطير مخطط للمرحلة القادمة على مستوى الطاقم والأولويات. وفي خضم هذا الشأن، قرر نواب من كتلة نداء تونس في اجتماع عقد الثلاثاء 5 جوان 2018، تشكيل لجنة مؤقتة عُهدت اليها مهام إعداد تصور حول مؤتمر الحزب. وأكد النائب محمد الناصر جبيرة يوم الإربعاء في تصريح ل"الشارع المغاربي" ، وهو من بين المشاركين في الاجتماع ،أن اللجنة ستجتمع اليوم مجددا لتعيين منسق عام ومقرر وتحديد آليات عملها وتاريخ إنهائه . وأوضح أن اللجنة ستضم في الوقت الراهن نوابا من الحزب على ان يتم الإنفتاح على بقية هياكل الحركة لاحقا. وأبرز أن اللجنة ستحيل أعمالها إلى المكتب التنفيذي للحزب وانها مع ألا يتجاوز تاريخ انجاز المؤتمر نهاية السنة. وتضم اللجنة رئيس الكتلة سفيان طوبال ومنجي الحرباوي ومحمد الناصر جبيرة وسماح بوحوال وفاطمة المسدي ومحمد الراشدي واسماعيل بن محمود ووفاء مخلوف وانس الحطاب. وكانت كتلة النداء قد دعت إلى الشروع في تجديد الهياكل المحلية والجهوية مباشرة بعد تنصيب المجالس البلدية المنتخبة واختتام ذلك بمؤتمر وطني للحزب. من زاوية أخرى، يرى متابعون أن الحل الوحيد لخروج الحزب من أزمته هو دخول الباجي قايد السبسي على الخط باعتباره الشخصية الوحيدة القادرة على ترتيب البيت الداخلي لنداء تونس وإنهاء حالة الفوضى والخلافات التي يعيشها. بيد أنه شرعيا ليس بإمكان رئيس الجمهورية التدخل بشكل مباشر في مسائل تهم الشأن الداخلي للحزب باعتباره لم يعد يملك الصفة الحزبية، و منصبه الحالي يفرض عليه التعامل بحياد مع كل الأحزاب الناشطة في تونس بما فيها حزب نداء تونس، الأمر الذي يجعله في وضع حرج لاسيّما وأن عددا من القيادات المؤسسة والمستقيلة من النداء كان قد طرح عليه مبادرة تخص عودتهم للحزب من أجل انتشاله من أزمته وإعادة ترميمه، وكان قد أبدى تفاعله مع هذه المبادرة.