جدل وضجة واسعان طفحا على المشهد السياسي، منذ الإعلان المفاجئ لمحمد المنصري التليلي من رئاسة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعد سويعات قليلة من لقائه برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، والحال أنه كان متمسكا بمنصبه رغم ارتفاع حدة التوتر صلب الهيئة بسبب خلافات مع أعضائها، مما أعاد إلى الأذهان الإستقالة المفاجئة لرئيس هيئة الانتخابات السابق شفيق صرصار رغم نجاحه الذي يشهد له به في انجاح أكثر من محطة انتخابية. و أعلن رئيس هيئة الانتخابات، محمد التليلي المنصري، استقالته من رئاسة الهيئة مع المحافظة على العضوية، داعيا مجلس نواب الشعب إلى البدء في إجراءات سد شغور منصب رئيس الهيئة، وفق بيان صادر عن المنصري نشرته وكالة "تونس أفريقيا" للأنباء، الخميس. وكان من المفترض أن ينظر البرلمان الثلاثاء في طلب إعفاء المنصري من مهامه كرئيس تقدم به أعضاء من الهيئة نفسها، ولكن تم تأجيل الجلسة إلى موعد لاحق. ومع ذلك، تعتبر استقالة المنصري مفاجئة، لأنه صرح أكثر من مرة بأنه سيدافع عن حقه في البقاء في المنصب، وسيدحض تهم زملائه بعدم الكفاءة وتعطيل الهيئة. وقد أكد المنصري ، في تصريحات إعلامية الخميس، أن استقالته جاءت بعد وقوفه على تواصل تعطل أشغال مجلس الهيئة المنوط بعهدته أعمال كثيرة كالاعداد للميزانية وملف الانتدابات ونظرا لحجم التحديات، مبينا أنه في ظل عدم وجود حلّ في الأفق ارتأى كمسؤول اوّل في الهيئة الاستقالة. وفي سؤاله إن كان لرئيس الجمهورية دخل في الاستقالة، قال المنصري" لقائي برئيس الجمهورية أمس كان فقط لإعلامه بقرار الاستقالة". وشدّد المنصري، على أنه خيّر أن يتحلى بالمسؤولية ونكران الذات وأنه بعد التشاور مع زملائه بالهيئة تمّ الاتفاق على الاستقالة وسيتم ترشيح عضو أو عضوين من الهيئة ليصوت مجلس نواب الشعب على أحدهما لرئاسة الهيئة، داعيا إيّاه للاسراع بسدّ الشغور في أقرب وقت. وعن سبب عدم انتظاره جلسة منح الثقة في البرلمان، قال المنصري:" المجلس لا يملك الحلّ فالاعفاء اشكال وعدم الاعفاء اشكال وأنا خيرت الاستقالة على أن أبقى عضوا في الهيئة للخروج من الأزمة." وكان المنصري التقى برئيس الجمهورية الثلاثاء ، و تطرّق اللقاء إلى الأزمة الحالية صلب مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتأكيد على ضرورة التسريع بايجاد حل توافقي يغلّب المصلحة العليا للبلاد. كما اطلع الباجي قايد السبسي على المحطّات الانتخابية القادمة خلال سنة 2019 والتحضيرات الجارية لإنجاحها. وفي تعليقه على استقالة المنصري المفاجئة ، اعرب المحلل السياسي والديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي استغرابه . و قال العبيدي في تصريح ل"الشاهد" الخميس 5 جويلية 2018 " إنّ استقالة التليلي تبعث على الريبة خاصّة و أنه أعلن في أكثر من منبر عن تمسكه بمنصبه وموقفه، كما أنه ابدى تفاؤله بعد أن قابل رئيس الجمهورية ، ما يجعل الامور تبدو غريبة، على حدّ قوله. و لم يستبعد العبيدي أن يكون التليلي قد اختار الاستقالة ليُجنّب الهيئة التجاذبات السياسية و المشاكل الداخلية التي من الممكن أن تؤثر على مسار انتخابات 2019 ، على حد قوله ومن جانبه، أكد عضو مكتب البرلمان حسونة الناصفي أنّ مكتب البرلمان سيُقرّر إلغاء الجلسة العامة التي كانت مبرمجة للاستماع إلى المنصري وأعضاء مجلس الهيئة باعتبار أن الوضعية تغيّرت بعد الاستقالة. وأشار الناصفي إلى أن البرلمان ينتظر قرار الهيئة لإعلامه بالاستقالة لتتم معاينتها ثم احالة الملف الى اللجنة الانتخابية لفتح باب الترشحات للرئاسة باعتبار أن الرئيس استقال من خطته كرئيس وليس من الهيئة، مبرزا أن مجلس الهيئة طلب اعفاء المنصري تماما من عضوية الهيئة. ووصف الناصفي ما يحدث داخل هيئة الانتخابات ب"الكارثة في البلاد" واستقالة المنصري ب "لعب ذري"، قائلا "يتم تقديم تقرير مفسر في ارتكاب أخطاء جسيمة قام بها المنصري ويرد الأخير بمجلّد يتضمن معطيات خطيرة واتهامات لأعضاء الهيئة بارتكاب اخطاء أفدح من التي تم اتهامه بها واليوم يخرج علينا ليقول انه استقال وسيواصل عمله كعضو وكأن شيئا لم يكن؟". ولفت إلى أن مسار الانتخابات أصبح مهددا وأن الهيئة ظلت رهينة التجاذبات السياسية وتجردت من الحياد والاستقلالية. وتحدث الناصفي عن وجود ضغوطات أدت إلى تغيّر الموقف منذ 5 جوان بطريقة مفاجئة، مؤكدا ممارسة اطراف سياسية فاعلة ضغوطات وإعطاء توجيهات، معتبرا ذلك خطرا على المسار الانتخابي. وقال "لو كانت للمنصري وأعضاء مجلس الهيئة مخاوف على مصلحة البلاد لاستقالوا". وأوضح أن القانون ينص على أن "الرئيس يواصل مهامه على رأس الهيئة الى حين انتخاب رئيس جديد وأنه في صورة فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد يواصل المنصري رئاسة الهيئة إلى حين انتخاب رئيس"، مرجحا أن يكون المنصري قد لجأ إلى هذا الحل للحفاظ على رئاسته للهيئة. وشدد على أن فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد أو انتخاب 3 أعضاء من الهيئة يهدد المسار الانتخابي. وعموما، تؤكد استقالة المنصري المفاجئة من رئاسة هيئة الانتخابات مع البقاء في العضوية أن الهيئة ستشهد أياما قادمة صعبة جدا وقد تتعطل أشغالها أكثر وتزيد خلافاتها، هذا إذا تم التوافق حول رئيس جديد بين الأحزاب المتنازعة بقوة في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد.