لا يزال وقع نتائج جلسة التصويت لوزير الداخلية هشام الفوراتي تحت قبة باردو ،مدويا ، لاسيما وقد أحرز على الأغلبية الساحقة من أصوات نواب الشعب، مما جعل الكفة ترجح لصالح يوسف الشاهد الذي دخل البرلمان من بابه الكبير طالبا منح الثقة في وزير الداخلية شكلا و كسب الثقة في حكومته مضمونا و قد تحصل مرشح يوسف الشاهد لاعتلاء حقيبة الداخلية على موافقة 148 نائبا، ورفض 13 وتحفظ 8 آخرين، ليصبح بذلك وزيرا للداخلية بشكل رسمي، بعد سلسلة من الخلافات والتجاذبات والجلسات بين الكتل والأحزاب، في مجلس نواب الشعب وخارجه خلال اليومين الأخيرين. و بفوز الشاهد في ما وصفه متابعو الشأن السياسي ب"المعركة الصغيرة" ، قد أحرز هدفا غير مسبوق في مرمى المدير التنفيذي لنداء تونس الذي بدا في حلة "السياسي المبتدئ " وفق ما وصفه به محللون لاسيما وأنه قد عمد إلى تغيير موقفه في ظرف سويعات معدودة إثر اجتماعين متتالين مع نواب كتلة نداء تونس. وفي خضم هذا الشأن، نشر النائب عن كتلة الحرة الصحبي بن فرج، الأحد 29 جويلية تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك ، كشف فيها ما أسماه "كواليس مجلس النواب" . و تحدث بن فرج في تدوينته التي عنونها ب"من حيث لا يدرون… حوّلوا التصويت على وزير الداخلية الى تزكية ليوسف الشاهد" عن محاولة حشر يوسف الشاهد في الزاوية من قبل نداء تونس، لينقلب السحر على الساحر فيما بعد و يقلب الشاهد الطاولة على مريدي اسقاطه بضرب عصفورين بحجر واحد من خلال تزكية وزير الداخلية بدرجة اولى وكسب الثقة في حكومته بدرجة أهم. وفيما يلي نص تدوينة النائب الصحبي بن فرج: " من حيث لا يدرون… حوّلوا التصويت على وزير الداخلية الى تزكية ليوسف الشاهد ترددت كثيرا قبل كتابة هذا المقال، فالجوّ السياسي مشحون بما فيه الكفاية، والشعب تقيّأ المشهد برمته، والموضوع حساس بما فيه الكفاية ولكن أعتقد أن من واجبي أن أطلع الراي العام على ما جرى ويجري بقطع النظر عن موقفه السلبي من الجميع: رئيسا وحكومة ونوابا من يريد حشر نفسه في زاوية ضيقة عنوانها "النهضة" فهو حرّ ومن يرتضي ألا يفهم الاحداث ويصنّف الناس إلاّ باستعمال "التڤمير" وترجمة كل ما يقع فقط وحصريا بقاموس الصراع مع الاسلام السياسي فهو أيضا حرّ وربما معذور لان الحملة شرسة والمغالطات عظيمة وعمليات توجيه الراي العام والمؤثرات الصوتية والبصرية فوق التصوُّر وفوق طاقة الانسان على التمييز وفوق طاقة السياسي على التفسير كان من المفروض سدّ الشغور في وزارة الداخلية منذ أسبوعين ضمن تعديل حكومي تم الاتفاق عليه مبدئيا بين الفاعلين الكبار على الساحة وذلك في مسار جدي للخروج من الازمة المفتعلة منذ أشهر من أجل إخراج يوسف الشاهد من القصبة ، فشلت حملة الإسقاط بجميع موجاتها القرطاجية2 والسياسية والإعلامية والأمنية ولَم يبق سوى الموجة "الشارعية" المبرمجة لشهر أكتوبر القادم، وانتبه العقلاء أن الاستمرار في كسر العظام قد يؤدي الى كسر الدولة فكان الاتفاق على تعديل الحكومة في مرحلة أولى ثم بعد ذلك نقاش موقع يوسف الشاهد في إطار أوسع ومناخ أكثر هدوء تدخلت قناة-العايلة وأفسدت الحل المنتظر وعدنا بفظلها الى المربع الاول، بعد أن طالب الرئيس علنا وعلى شاشة التلفزة من رئيس الحكومة الاستقالة أو طلب الثقة من المجلس. سقط إذًا التعديل الحكومي وبقي منصب وزير الداخلية شاغرا الكلفة السياسية والأمنية العالية لهذا الفراغ على رأس الوزارة دفعت يوسف الشاهد إلى حسم أمره بتعيين وزير جديد جاء به من قلب الجهاز الإداري للداخلية مع ضمان النأي به عن كل انتماء سياسي (ومن يعرفون سي هشام الفراتي بإمكانهم تأكيد ذلك) في نفس الوقت، قامر يوسف الشاهد بوضع نفسه على محكّ التصويت وميزان البرلمان في رد ضمني على كل من تحداه بأن يتوجه للبرلمان من أجل نيل الثقة، أما خصومه فقد وجدوا الفرصة التي حلموا بها منذ شهرين لإسقاطه سياسيًّا عبر إفشال التصويت على وزير الداخلية عمليًّا تحوّل التصويت التقني الى لحظة مصيرية لكل من ساهم في خلق واستمرار الازمة، وأضحت نتيجة التصويت عنصرا حاسما في الحياة السياسية ليوسف الشاهد كرئيس حكومة وكفاعل في المشهد المستقبلي وطبعا إلتقطت حركة النهضة فرصة إحتدام المعركة الانتحارية الدائرة من أشهر في صفوف خصومها، لتستثمرها سياسيا لفائدتها وتعزز مكاسبها وتضع في رصيدها السياسي على حساب الجميع بلا إستثناء أما جهابذة السياسة والاعلام والسلطة عندنا فقد إشتغلوا بدهاء خلال هذه الفترة على حشر يوسف الشاهد في صورة "فتى النهضة " ورئيس الحكومة "المدعومة فقط من النهضة" وذلك طبعا بعد أن قاموا طيلة خمسة أشهر بالتخلي عنه وعزله تماما عن محيطه السياسي الطبيعي وسحبوا منه كل دعم، وجيوشوا عليه المنظمات وقاطعوه تمهيدا فقط لإقالته وتعيين من يشاؤون ولا يعنيهم أبدا أن تهتز الدولة، ولا أن ينتكس الاقتصاد ولا أن يسحب الممولون دعمهم للميزانية ولا أن تنقطع رواتب الموظفين وجرايات المتقاعدين ……كل ذلك يهون من أجل عيون السلطة والنفوذ ثم وبعد ذلك، وكما نعلم وكما يعلمون، سيعيدون الاستدارة من جديد نحو حركة النهضة لإعادة إحياء التوافق معها من أجل تشكيل الحكومة الجديدة (التوافق المغشوش الذي كانوا ايضا جهابذة صنعه والدفاع عنه طيلة أربع سنوات) وكما نعلم وكما يعلمون(ولا يهمهم ذلك أبدا) سيكون ثمن التوافق الجديد مع النهضة، الحزب المنتصر في آخر انتخابات، وصاحب الكتلة الاولى، سيكون ثمنا أكبر وأعلى وأفدح على مستوى النفوذ وعدد الوزاراتٍ وقيمة التعيينات والمكاسب السياسية، مع خطوة عملاقة نحو الفوز بانتخابات 2019 وحكم تونس لسنوات …… لا يهمهم ذلك، ولا يقلقهم ذلك ولا يفكرون لحظة في ذلك، المهم أنهم يعاقبون من خرج عن الطاعة ويتخلصون فقط من "الابن الضال" منذ صباح الاربعاء إتضح للجميع أن أنصار الشاهد داخل النداء وبعض الكتلة الاخرى قادرون عدديا على تمرير الوزير بسهولة رغم أن رئيس الدولة نأى بنفسه عن الدعم العلني لعملية سدّ الشغور في وزارة الامن الداخلي تمسكا منه "بالحياد" و"عدم التدخل في الشأن الحكومي والبرلماني" طبقا للدستور طيلة ثلاث أيام عشنا حربا حقيقية في كواليس المجلس ودهاليز الاحزاب ومجموعات الظغط ، حرب فيها المناورة، والتمترس والحرب النفسية وحرب الاعصاب والرسائل المشفّرة المتبادلة ومعارك المواقع، والتراجع التكتيكي والصبر الاستراتيجي والقصف المتبادل والكر والفرّ والثبات والصمود والخيانة ونقض العهود والتخابر مع الخصوم والفرار من ارض المعركة ……. على الساعة الثانية بعد الزوال، وعندما تأكد أن النتيجة أصبحت لفائدة يوسف الشاهد، "نزلت" التعليمات بتغيير مواقف من كانوا في المعارضة في نداء تونس حتى لا تُسجّل النتيجة في ميزان الخسائر التي تتراكم عليهم يوما بعد يوم وبدأ بالتسلسل الزمني الطبيعي مؤشر عدد النواب والكتل "المتوافقة" والمتعانقة والمهنّئة والمُجمعة في الارتفاع ليستقر في حدود أكثر من 150 نائب لصالح الثقة على وزير الداخلية……..وليوسف الشاهد، 150 صوتًا منهم 66 نائب من النهضة و84 نائب من خارج النهضة هل كنا في حاجة لكل هذا؟ لنصل الى مثل هذا؟ ألم يكن بيننا رجل رشيد؟"