تعيش تونس على وقع ضغوطات سياسيّة وتجاذبات حزبيّة, منذ فترة نتيجة صراع رئيس الحكومة وحزبه برئاسة نجل رئيس الجمهوريّة. صراع أنتج نسقا سلبيّا في بداية آخر سنة سياسيّة قبل الإنتخابات الرّئاسيّة 2019. إستباق الحملة الإنتخابيّة, والبحث عن موطىء قدم لكلّ الطّامحين في التّرشّح, فتح باب الفوضى السياسيّة على مصرعيه, مع غياب مبادرة سياسيّة تخرج بنا من عنق الزّجاجة, إزداد الوضع توتّرا. رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السّبسي, يرفض التّعليق والتّدخّل في الشّأن الدّاخلي لنداء تونس بالرّغم من تعدّد الدّعوات من داخل الحزب وخارجه للباجي للتدخّل وإيقاف المهزلة الواقعة بقيادة نجله حافظ السّبسي, خاصّة بعد أن إنفضّ من كانوا بالأمس, يتحدثون عن أحقيته بقيادة نداء تونس من المركب ملتحقين بركب يوسف الشاهد. لكنّ هذا الرّفض للتدخّل لن يدوم طويلا, لن يترك السّبسي إبنه وسط هذا التّخبّط. حركة النّهضة, الطّرف الأقوى والرّقم الصّعب في المعادلة السّياسيّة, تبدو الأكثر ترتيبا لورقاتها و خطواتها المستقبليّة, فبالرّغم من محاولة بعض القيادات الموالية للسبسي الإبن, الزّجّ بها صلب المعركة بين رئيس الحكومة وحزبه, رفضت التّدخّل في الشّأن الداخلي للنّداء وإكتفت بدعم الإستقرار الحكومي في ظلّ الظروف الإقتصاديّة والإجتماعيّة الصّعبة التي تمرّ بها البلاد. رئيس الحكومة, بعد قرار تجميد عضويّته من نداء تونس, لم يحرّك ساكنا وإكتفى بتجاهل الأمر. لعلّ الشّاهد لم يعد ينتظر الدّعم من النّداء, خاصّة بعد تكوين كتلة الإئتلاف الوطني الدّاعمة له, وتراجع الحديث عن الجبهة السّياسيّة بين كتلة الحرّة وكتلة النّداء. توجّه الشّاهد نحو القضايا الكبرى والإنصراف إلى الصّالح العام سيُكسبه دعما شعبيّا مشروط بمواصلة المسار وعدم التّراجع. السّبسي الإبن, لا يملك أفقا سياسيّا واسعا, فقد أثبت فشله في إدارة الحزب بدليل موجة الإستقالات التي لم تنقطع منذ أن تولّى منصب رئاسة المكتب التّنفيذي. المقرّبون منه لا يثقون في خطواته المستقبليّة ولهذا السّبب تراجع محسن مرزوق عن الحديث عن التّحالف بين كتلة الحرّة وكتلة نداء تونس, فهو لا يريد خوض حرب خاسرة. إتّحاد الشّغل, لا يملك حس المبادرة لحلّ الأزمات, لكنّه بإصطفافه خلف السّبسي الإبن, وإستمراره في سياسة الضّغط على الحكومة عبر الإضرابات و تعطيل الخدمات العموميّة والخاصّة, سيخسر الدّعم الشعبي التي بدأ يتآكل لتعارض مصالح المنظمة ومصالح الطّبقة الشّغّيلة. في الأخير, يبدو أنّ الفعاليات السياسيّة ترفض أن تكون طرفا في صراع يُسوّق له أنّه شخصي, بين الشّاهد والسبسي الإبن, لكنّ الإشكال والصّراع الحقيقي حول بقاء الشّاهد وحكومته حتّى الإنتخابات الرّئاسيّة من عدمه. هذا ما عبّر عنه ضمنيّا حافظ السّبسي حين تراجع عن طرد يوسف الشّاهد من الحزب, فالغاية من الضّغط هي إقالة الحكومة لوضع موطىء قدم نحو المرحلة القادمة.