“العرف الدستوري” مصطلح تكرّر كثيرا في خطابات نداء تونس والمقرّبين من رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السّبسي، في محاولة إلزام رئيس الحكومة يوسف الشّاهد بالدّستور والعرف، في حين أنّه لا الزام قانوني في الأمر. ولا يخفى على أحد أنّه منذ قرّر الشّاهد اعتماد صلاحيّاته الدستوريّة حتى بدأ الحديث عن أزمة عميقة بين قصري قرطاج والقصبة، أزمة ما لبثت أن خرجت إلى العلن بعد أشهر من بقائها حبيسة أروقة الحكم لا نسمع عنها إلا قليلاً، خاصة بعد أن بدأ اسم الشاهد في الصعود محققًا نسبة ثقة كبيرة لدى عديد التونسيين بعد إعلانه الحرب على الفساد. وللتذكير فإنّ مايحدث مع الشّاهد اليوم، حدث مع الحبيب الصيد رئيس الحكومة السّابق، لكن بدرجة أقل، لأنّه انسحب بعد تصاعد وتيرة المشاحنات. وقد تمّت تنحية الحبيب الصيد من منصبه، بعد ممارسته صلاحيّاته كرئيس للحكومة وفقًا للنظام السياسي الجديد، لا كوزير أول وفقًا للنظام السياسي القديم المعمول به في البلاد قبل الثورة، الذي يسعى الرئيس الباجي قائد السبسي إلى إعادته وفرضه على البلاد. في المقابل، الشاهد كان يعلم جيّدا سعي السبسي إلى سحب صلاحيّات القصبة وتحويل قصر قرطاج إلى مركز قوّة وحيد في تونس، لذلك عمل الشّاهد على الاستناد بمجموعة من المنظمات والأحزاب والشخصيات التي كانت في وقت قريب إلى جانب الباجي قائد السبسي. وتعتبر خطوة الشّاهد نحو التحوير الوزاري، تحدّيا كبيرا لاثبات قدرته على تجاوز سيطرة قصر قرطاج وتثبيت رئاسة الحكومة مؤسّسةً أكثر استقلاليّة من ذي قبل، فمنذ 1956 تعوّدت تونس على حسم الأمور واتّخاذ القرارات من قبل رئيس الجمهوريّة، وبعد تغيّر الحكم من رئاسي إلى برلماني أصبح المتروك قانونيا عُرفا، أي أنّه أصبحت استشارة رئيس الجمهوريّة والأخذ برأيه وعدم الخروج عن أمره، عُرفا دستوريا كما يُسميه أهل السياسة وينفيه أهل القانون. فقد أصبح ظاهرا للعموم حنين قصر قرطاج لعودة النظام الرّئاسي، بعد محاولات عديدة لتحويل رئاسة الحكومة إلى وزارة أولى، والفرق بين التّسميتين كبير، بحجم الصلاحيات الفاصلة بينهما، فهل ينجح الشّاهد في نقل رئاسة الحكومة إلى مكانتها الطبيعيّة وسط حنين الباجي ومناصريه إلى نظام رئاسي؟