تحتلُّ تونس المرتبة الثانية عربيا بعد سوريا، في هجرة الكفاءات العلمية وصفوة النخبة الأكاديمية والعلمية الوطنية من ذوي الاختصاصات المهمّة كالطبّ والصيدلة والهندسة الذين يفضّلون العمل بالخارج بعد أن تكوّنوا في تونس. ومن جانفي إلى أوت 2018، هاجر من تونس : 8200 إطار سام و2300 أستاذ جامعي باحث و2300 مهندس و630 طبيبا و370 صيدليا و450 مهندس إعلامية. ويعزو مراقبون هجرة الأدمغة إلى تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتراجع الدينار التونسي أمام العملات الاجنبية، فضلا عن ضعف مستوى العيش وتدهور مناخ الاستثمار وعدم الاستقرار الأمني . ويُلقّب البعض البلدان العربية بالبلدان “الطاردة للأدمغة” بسبب الصعوبات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها هذه البلدان وبسبب صعوبات الشغل والبيروقراطية والفساد، ناهيك عن ضعف الميزانيات المخصصة للبحث العلمي وندرة المراكز البحثية، فالجامعات ومؤسسات التعليم العالي ومراكز البحوث في العديد من البلدان “الطاردة للكفاءات” عانت ولا زالت تعاني من غياب الحريات الأكاديمية وندرة في عدد المراكز البحثية، وفي الوطن العربي، نجد أنه من المحيط إلى الخليج يوجد حوالي 600 مركز بحثي فقط ومعظمها يوجد داخل الجامعات. بينما في فرنسا وحدها 1500 مركز. وفي تصريح سابق، لفتت عضو مجلس نواب الشعب والباحثة حياة العمري، إلى أن التفاوت في الأجور بين تونس والدول الأخرى يدفع الكفاءات إلى قبول عروض شغل مغرية في الدول الأوروبية ودول الخليج خاصة، مشيرة إلى أن “أجر الطبيب أو الباحث في تونس لا يمثل سوى عُشر أجره في دول الأخرى”. كما أكدت العمري أن أكبر “صادرات تونس” عبر التاريخ هي كفاءاتها بسبب عدم إعطاء مؤسسات الدولة أي قيمة لها وعدم تمكين أصحابها من فرصة لإثبات براعتهم، في حين ترحب دول أخرى باحتضانهم. وقالت العمري: “من خلال تجربة عشتها، فإن هناك مشاكل كبيرة تعاني منها الإدارة التونسية، وللأسف لا يتم إعطاء فرصة للكفاءات من أجل تمكين تونس من استقلال حقيقي يغنيها عن استيراد عديد المواد والتكنولوجيات” وكشفت منظّمة التعاون والتنمية الاقتصادية في تقرير صدر أواخر سنة 2017 أن أكثر من 94 ألف كفاءة غادرت تونس منذ سنة 2011، 84٪ منها نحو أوروبا. وهم في الغالب باحثون ورجال أعمال وأطباء وأكاديميون. وتعد تونس أكبر الخاسرين في كل هذا، حيث أن تكلفة تعليم طالب الطب، يكلف البلد ما يقرب من 100 ألف دينار سنويا. وبالإضافة إلى ميدان الطب هنالك أيضا 8000 إداريين، و1200 رجل أعمال، 1464 بين معلمين وأساتذة، قد غادروا البلاد بين 2014.2015. وتعتبر أسباب هجرة الأدمغة مادية أساسا. ويتقاضى هؤلاء 5 إلى 10 مرات قيمة رواتبهم بتونس.