تتواصل أزمة التعليم التي خيّمت على السنة الدراسية الجارية منذ انطلاقها، في ظل إصرار الطرف النقابي وتمسكه بسقف مطالبه الذي يقابله تعنت وزارة التربية التي أبدت استعدادها للاستجابة لجزء من المطالب، الأمر الذي جعل الأزمة لا تبارح مكانها وتظلّ عالقة ليلوح شبح السنة البيضاء في الأفق، الأمر الذي أثار حفيظة أولياء التلاميذ الذين انخرطوا في حملة ضدّ الطرفين الحكومي والنقابي وأعلنوا عزمهم التوجه نحو تدويل القضية. أولياء غاضبون! رافعين شعار “ديغاج” في وجه الكاتب العام لجامعة التعليم الثانوي لسعد اليعقوبي، نفذ مئات من أولياء التلاميذ وقفة احتجاجية أمام المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة، تحت إشراف تنسيقية “أولياء غاضبون” التي دعت للتظاهر أوّل أمس الجمعة، احتجاجاً على تواصل إضراب أساتذة التعليم الثانوي في ظلّ عدم التوصّل إلى حلّ بين النقابة ووزارة التربية ما قد يفضي إلى سنة بيضاء. واتهم المتظاهرون نقابة التعليم الثانوي بتخريب التعليم وهدر السنة الدراسية من أجل تحسين شروطها في التفاوض مع الوزارة حول الزيادة في الأجور. وحاولوا بعد تجمهرهم أمام المسرح البلدي، التوجّه إلى ساحة محمد علي حيث مقرّ الاتحاد العام التونسي للشغل، لكن ردعتهم القوات الأمنية بوضع حواجز حديدية، لتتحول الأحداث إلى تشابك بالأيدي والاحتقان بين الأمنيين والأولياء. كما استنكر الأولياء الغاضبون حشر التلاميذ في معركة لا تعنيهم، مندّدين بضعف دور وزير التربية حاتم بن سالم في إدارة الأزمة بين الطرفين من جهة وبالمطالب التعجيزية التي تفرضها نقابة التعليم الثانوي بقيادة لسعد اليعقوبي من جهة أخرى. وكانت تنسيقية “أولياء غاضبون” قد نشرت الخميس بيانا دعت فيه رئيس الحكومة، ووزير العدل ووزير التربية، بممارسة صلاحياتهم في تطبيق القانون وإثارة التتبعات الضرورية ضد الأساتذة المقاطعين للامتحانات، مطالبة “السلطة القضائية بالالتزام بالاستقلالية والحياد واحترام المساواة بين الجميع والحزم في تطبيق القانون بما يقطع مع عقلية الافلات من العقاب”. وطالبت “الاتحاد العام التونسي للشغل إلى التصدي لنقابة التعليم الثانوي التابعة له وممارسة صلاحياته في تأديب أعضائها الذين لم يسيئوا فقط لتاريخه بل لمسيرة العمل النقابي ككل”، وفق نص البيان، منوهة ب”حرص الأولياء على متابعة مآلات الشكايات المرفوعة من قبلهم لدى مختلف وكلاء الجمهورية” مشيرة إلى أنها “ستتقدم بمطلب الى السيد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس في حل جامعة التعليم الثانوي اعتبارا لجملة الخروقات التي أتتها ولخروجها عن أسس العمل النقابي الاصيل”. وأضافت، أنها تعتزم “تدويل قضية التلاميذ بتقديم شكايات إلى منظمة العمل الدولية واتحاد النقابات الدولي ومنظمة الأممالمتحدة للطفولة ضد الجامعة العامة للتعليم الثانوي من أجل ما اقترفته في حق الطفولة في تونس”. النقابة تتهم “أطرافا” بالتحريض تحركات الأولياء دفعت نقابة التعليم الثانوي إلى التفاعل معهم، إذ أصدرت السبت 2 فيفري 2019، بيانا أكدت فيه أنها “بقدر تفهّمها لقلق الأولياء على مصير السنة الدراسية، فإنّها تنبّههم إلى سعي بعض الأطراف إلى استثمار غيرة الأولياء على أبنائهم لتجييشهم ضدّ الاتحاد العام التونسي للشّغل وضدّ الأساتذة”، وفق نص البيان. كما أدانت النقابة ما وصفته ب”الشعارات العدوانية المحرّضة ضدّ النقابيين والداعية إلى الاعتداء عليهم”، حسب تقديرها، محمّلة السلط مسؤوليتها في وقف التحريض على العنف والدعوة إلى التباغض”، منبهة “الجهات التي تقف وراء هذه الأطراف وتموّلها إلى أنّ النقابة لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه التهديدات وستذود على حرمة الاتحاد وعن كرامة النقابيين بكلّ ما أوتيت من قوّة”. وفي سياق متصل، اعتبر البيان “الحكومةَ المسؤولة رئيسيا على تردّي الوضع في التعليم”، داعيا إياها إلى “الإسراع بحلّ الأزمة والكفّ عن استخدام عواطف الأولياء وسيلة للهروب من المشكل والتوقّف عن لعبة دفع الصراع بين الأولياء والمدرّسين والاختباء وراءها”. ودعت منظوريها إلى “الاستعداد الجيّد لإنجاح محطّتهم النضالية القادمة، إضراب يومي 20 و21 فيفري 2019 في الوظيفة العمومية والقطاع العام”، وفق نص البيان. سنة بيضاء أم.. سوداء؟ وفي خضم التصريحات والتصريحات المضادة بين الطرفين النقابي والحكومي، يخيّم هاجس السنة البيضاء على معاهد التعليم الثانوي في تونس. وكان المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، قد أكد الأربعاء تمسكه بإنقاذ السنة الدراسية تجنباً لسنة بيضاء، داعياً الحكومة إلى وجوب التعجيل بحلّ مشكلة التعليم الثانوي واستئناف التفاوض لإيجاد الحلول الضرورية. ومن جهته، كان وزير التربية قد شدّد على أنّه من المستحيل الوصول إلى سنة بيضاء في تونس، مؤكّدا ضرورة التوصل إلى حلول لاستئناف الدروس وإجراء الامتحانات في الفترة المتبقية من السنة الدراسية. كما أشار بن سالم إلى أن الوزارة قد استجابت إلى جملة من المطالب التي وضعتها نقابة التعليم الثانوي على طاولة التفاوض على غرار مضاعفة منحة العودة المدرسيّة ومنحة مراقبة الامتحانات، وتنظير المدراء والمدراء العامّين مع زملائهم في الوظيفة العموميّة.. إلخ. وأشار الوزير إلى أن الخلاف بين وزارة التربية ونقابة التعليم الثانوي يتعلق بسنّ التقاعد والمنحة الخصوصيّة، منوها بأن موقف الحكومة يرفض التقاعد المبكّر في سنّ 55 سنة بعد أن تمّ تحديده في 62 سنة لأنه سيكلّف الدولة 10 آلاف مليون دينار، أي بحساب ألف مليون دينار كلّ سنة. جدير بالذكر أن مجلس الوزراء الذي انعقد مؤخرا قد دعا إلى “ضرورة تطبيق القانون في شأن مختلف الأعمال غير المُنجزة والتجاوزات المُسجلة، وضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لإرجاع الأمور إلى نصابها بالمعاهد الثانوية والمدارس الإعدادية في أسرع الآجال، وإنجاح السنة الدراسية والامتحانات الوطنية”، وهو ما رفضته النقابة معتبرة مخرجات المجلس الوزاري تهديدا. التلاميذ على الخط وكان التلاميذ قد ضاقوا ذرعا بالحرب الضروس بين وزارة التربية والنقابة التي وضعتهم بين المطرقة والسندان، ليعمدوا أخيرا إلى الخروج في مسيرات وطنية غاضبة، في 21 جانفي 2019، في كافة الجهات رافعين شعار “لوقتاش؟”. وقد انطلقت الحملة بعد الدعوة إليها على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، احتجاجا على إصرار النقابة على مقاطعة الامتحانات في ظلّ عدم التوصل إلى اتفاق بينها ووزارة التعليم، معبرين عن رفضهم القاطع لفرضية السنة البيضاء. وفي انتظار ما ستفضي إليه المفاوضات بين الطرفين الحكومي والنقابي، يظلّ مستقبل التلاميذ تحت التهديد في ظلّ شبح السنة البيضاء المخيم والذي أضحى جدّ وشيك اليوم.