مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والرئاسية المزمع تنظيمهما موفّى 2019، تتعزّز المخاوف من توجّه التّونسيين نحو العزوف عن التصويت ومقاطعة الانتخابات القادمة، في ظلّ فقدان شريحة هامة من التونسيين ثقتهم في الفاعلين السياسيين بعد خيبات أمل متتالية من مردودية أصحاب القرار. غير أنّه في المقابل تسجّل البلاد نشأة أحزاب وليدة وبروز ملامح تحالفات جديدة في الأفق من جهة، وتراكم الصراعات والنزاعات السياسية من جهة أخرى. طفرة الأحزاب: ظاهرة صحية أم “لعنة” سياسية؟ مع الإعلان مؤخرا عن دخول حزب حركة “تحيا تونس” أو ما يعرف ب”حزب الحكومة” معترك الحياة السياسية في تونس، أصبح عدد الأحزاب في تونس 216 حزبا، بينما كان لا يتعدّى عتبة ال7 أحزاب قبل ثورة 14 جانفي 2011. وفي حين ينظر البعض إلى كثرة الأحزاب على أنها حالة صحية تعكس التنوع الحزبي، إلا أن بعض المتابعين يرون أن تزايد عدد الأحزاب من شأنه تعميق الأزمة السياسية خاصة وأن بعض الأحزاب جاءت فقط للتشويش على أحزاب أخرى. وفي هذا الإطار، اعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن وفرة الأحزاب تعتبر عملية طبيعية تعيشها مختلف الدول التي تشهد مراحل انتقال ديمقراطي. ويشاطر الناشط السياسي، هشام العجبوني هذا الرأي موضّحا أنه “يمكن اعتبار الأمر ظاهرة صحية خاصة بعد ثورة 14 جانفي ، الأمر الذي حدث في البلدان التي تنتهي فيها الأنظمة القمعية ويفتح فيها المجال للديمقراطية”. في المقابل، اعتبر العجبوني أنه “في الوقت الراهن لا يمكن أن ننظر إلى المسألة على أنها دعم للديمقراطية، إذ تسهم كثرة الأحزاب في تشتيت انتباه الناخب و قد تعمق أزمة العزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع”. جدير بالإشارة إلى أن إنشاء الأحزاب في تونس يخضع إلى المرسوم الصادر في 2011 بعد فترة قصيرة من سقوط النظام السابق، الذي يضمن، وفقا لفصله الأول، “حرية تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها والنشاط في إطارها ويهدف إلى تكريس حرية التنظيم السياسي ودعم التعددية السياسية وتطويرها وإلى ترسيخ مبدأ الشفافية في تسيير الأحزاب”. الصراعات السياسية تخلق أزمة ثقة ومن الثابت أن تونس باتت تشهد خلال السنوات الأخيرة أزمة ثقة تخيّم على المشهد العام تجاه المكونات السياسية ومؤسسات الدولة. ولعلّ عدم تمكن الدولة من تغيير الأوضاع نحو الأفضل على امتداد الثماني سنوات التي تلت الثورة، يعدّ العامل الرئيسي في انحدار منسوب الثقة لدى عموم التونسيين. وفضلا عن ذلك، فإن من أبرز العوامل التي خلقت قطيعة بين التونسي والسياسة، ما تشهده الساحة السياسية من هشاشة المشهد الحزبي بالبلاد، في ظلّ ما تعيشه المكونات الحزبية في تونس من حالة تشظّ وانقسامات وصراعات داخلية، ما كشف عن ضعف الثقافة الحزبية الديمقراطية في إدارة الخلافات الدّاخلية. وتضع الانقسامات والتفككات السياسيةُ تونسَ أمام أزمة نخبة بامتياز في ظلّ كثرة القيادات السياسية، ليجد المواطن نفسه تائها أمام خطابات سياسية متداعية وغير متزنة. ويشتكي التونسيون، عموما، من رتابة المشهد السياسي حيث تسوّق المكونات الحزبية خلال السنوات الأخيرة الخطاب ذاته وتقدم ذات الوعود المتعلقة بالتشغيل والتنمية دون أن تفي بها فيما بعد. وعجزت الأحزاب عامّة عن تقديم حلول للمشاكل التي تمر بها البلاد وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية التي انعكست على الوضع الاجتماعي، واقتصرت أدوارها على الصراع فيما بينها. وساهمت هذه العوامل في بروز حالة من اللامبالاة تجاه الأحزاب السياسية الجديدة، وتحوّلت إلى يأس عند التونسيين الذين باتوا لا يعيرون الأوضاع السياسية أي اهتمام. هل يفضي انعدام الثقة إلى العزوف عن الانتخابات؟ وأمام اتّساع هوّة أزمة الثقة بين المواطنين والسياسيين في تونس، برزت مخاوف من إمكانية مقاطعة شريحة هامة من التونسيين للانتخابات التشريعية والرئاسية التي لم يعد يفصلنا عنها سوى بعض أشهر، الأمر الذي من شأنه أن يمثّل كبوة في المسار الديمقراطي الذي تحذو حذوه البلاد. ولعلّ الانتخابات البلدية التي أجريت في 6 ماي 2018 ترجمت نسبيّا حالة العزوف عن الشأن السياسي، والشأن الانتخابي بشكل خاص، حيث لم يصوّت سوى ثلث المسجلين بنسبة 33.7 %، مقابل 67 % نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية ل2014، وأكثر من 60% في الانتخابات الرئاسية للعام ذاته. وقد أظهرت نتائج سبر الآراء نسبة عزوف هامة متوقعة في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة ، وأكدت مؤسسة سيغما كونساي أن توقعات نسب المشاركة ستكون في الانتخابات التشريعية بين 30%و35% الرئاسية قرابة 40%، مرجعة العزوف إلى 3 أسباب وهي وجود قرابة 50% من التونسيين غير معنيين بالشأن السياسي بصفة عامة، فيما تعود أسباب عزوف البقية إلى غياب النتائج وعدم استجابة العرض السياسي لتطلعاتهم. أما حسب نتائج سبر الآراء لمؤسسة إمرود كونسلتيغ فإن 39% من المستجوبين عبروا على نيتهم المشاركة في الانتخابات التشريعية و45% سيشاركون في عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية.