تونس غير جاهزة اقتصاديا وسياسيا لحماية نفسها من الاضطرابات التعايش بين القوى العلمانية وحزب إسلامي يريد أن يتطوّر
ينتقد باتريس بيرغاميني سفير الاتحاد الأوروبي في تونس، في حوار مع جريدة لوموند الفرنسية نشرته يوم 9 جويلية 2019، الاتفاقات والاحتكارات التي تعوق الانتقال الاقتصادي اليوم المتخلف عن الركب الانتقال السياسي في تونس . تم تعيين باتريس بيرغاميني في سبتمبر 2016 سفير الاتحاد الأوروبي في تونس وكانت اتفاقية التجارة الحرة المثيرة للجدل من أكثر القضايا الساخنة التي كان يتعين عليه التعامل معها، في الوقت الذي تحاط فيه تونس الديمقراطية الصغيرة بتحديات أمنية إقليمية. وفي ما يلي ترجمة الحوار كاملا كما ورد على موقع صحيفة لوموند الفرنسية: -هل يقلقك تشتّت المشهد السياسي في تونس تأثّرا بالانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر إجراؤها في الخريف المقبل؟ لا بالعكس، أنا قلق أكثر من رفض النظام للتطور الاقتصادي، مهما كانت نتيجة الانتخابات، من المحبّذ أن نرى في سنة 2020 رئيس حكومة يضع أولويات واستراتيجية واقتصادية واضحة، ويكون له أغلبيّة مستقرة وقوية من أجل تنفيذها. لم يكن هذا هو الحال مع الأسف في السنوات الثلاث الماضية، وهو ما يفسر عدم جاهزية تونس اقتصاديا وسياسيا لحماية نفسها من الاضطرابات التي من الممكن ان تحدث في ليبيا او ربّما الجزائر. سنة 2020 ، سيكون أمام القيادة السياسية في هذا البلد خيارات أقل ووقت أقل من سنتي 2014 و2016. ومهما كانت النتائج، فسيواجه الفائزون في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة خيارين : إما أنهم أدركوا أنّنا بحاجة إلى تطوير نموذج اقتصادي جيد جدًا بالنسبة للمواقع الاحتكارية، أو أنهم لا يفهمون ذلك، وفي الحالة الأخيرة، نعم، سيكون هناك قلق. -تتحدث عن الاضطرابات الإقليمية، كيف يمكنك تحليلها؟ إذا دخلت ليبيا في صراع طويل الأجل، سواء كان دمويّا ام لا، فإن على التونسيين العثور على متنفس اقتصادي بديل حيث أن استمرار الفوضى في هذا البلد يعني ضرورة البحث عن عمق اقتصادي، أما فيما يتعلق بالجزائر، فإن الجميع يحبس أنفاسه في الوقت الحالي، حيث من الممكن أن نعتبر مظاهرة الجزائريين سلميّة ومثيرة للإعجاب ، ومع ذلك يجب أن نظل يقظين، فإذا واجهت الجزائر صعوبات ، لسوء الحظ سيكون ذلك تعقيدًا إضافيًا بالنسبة لاقتصاد تونس وبالتالي على استقرارها السياسي. -وهل تعتقد أن الاتحاد الأوروبي له دور يلعبه في حماية تونس؟ إن رهان الاتحاد الأوروبي ، وخاصة في هذه السنة من الانتخابات، هو التأكد من أن تونس جاهزة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، أمّا في حالة استمرار تدهور الوضع الإقليمي، فإنّ الاتحاد الاوروبي وضع الكثير من الأموال على الطاولة، اي ما يقدّر ب 300 مليون يورو سنويًا، موزعة بين تبرعات وإعانات خلال الفترة 2016-2020، وهو مبلغ ضخم ويؤكد أن تونس تحظى بأكبر دعم في العالم من قبل الأوروبيين. كما أنّ هناك عرض ما يسمّى باتفاقية التجارة الحرة العميقة (الأليكا)، التي يتم التفاوض عليها حاليًا. -هناك الكثير من الجدل حول هذا الموضوع، البعض في تونس يعتبر أنّ هذه الاتفاقية ستقوض السيادة الاقتصادية للبلاد هذه الاتفاقية أصبحت كبش فداء في هذا المناخ الانتخابي الذي تعيشه تونس وبحجج لا أساس لها من الصحة وربما مدفوعة ببعض النوايا السيئة، والواقع أنّ هذه الاتفاقية الهدف منها هو المساعدة في دعم النمو وتنمية فرص العمل ورفع مستوى الاقتصاد التونسي. -كيف ذلك؟ خلصت دراسة أجرتها مؤسسة بحثية ، هي المؤسسة النمساوية للبحوث في مجال التنمية (ÖFSE) ، مؤخرًا إلى أن اتفاقية الاليكا ستساهم في زيادة تونس ما يصل إلى 1.5 نقطة مئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي في حالة التحرير الفوري للتجارة، وبالتالي فان الاتفاقية اذا تم التوقيع عليها ، ستكون لصالح تونس ، وتقدمية. لن يتم فرض أي شيء على تونس، ستختار على الفور القطاعات المعنية في (الزراعة ، والخدمات، إلخ..) وبأي معدل، الأمر متروك حقًا لتونس لتقرر “متى وماذا” ، لكن “متى وماذا” وفقًا لمعايير عقلانية واقتصادية، ستجنبها التداين من الجهات الدولية المانحة. – ما هي فوائد هذه الاتفاقية على التونسيين أنفسهم ؟ عندما نتحدث عن المنافسة الحرة النزيهة والشفافة ، فهي أولاً بين المشغلين التونسيين. إذا كان علينا أن نساعد في الانتقال الاقتصادي ، وإجباره ، ودفعه ، فذلك لأن هناك مواقف اتفاق، ولهذا السبب فإن بعض المجموعات العائلية لا تهتم بالشركات التونسية الشابة التي تعبر عن نفسها وتخترقها. -بالنسبة إليك، هل من الممكن أن تقاوم اتفاقية الأليكا الاحتكار ؟ لسوء الحظّ، هناك هذه الخشونة، هذه الفظائع، والتي ترجع إلى العصور القديمة/ كما كان النظام في عهد الإمبراطورية العثمانية ، فمع الترخيص الممنوح للاحتكارات، لا تزال هناك تلك الشركات التي تقف في طريق الشفافية والمنافسة العادلة، ولهذا السبب يتم استهداف الأليكا. المجموعات الاحتكارية تشكل عائقًا أمام ظهور مشغلين اقتصاديين جدد، كما أنّها تتركُ أيضا الباب مفتوحا أمام الفساد والهيمنة والسوق السوداء. كل هذا له تأثير في تقدّم النّموذج الدّيمقراطي، إذ من الصعب تحريك الخطوط الاقتصادية في تونس والأكثر صعوبة هو جعلها تتحرك اجتماعيا. -تحدثت عن الاحتكارات.. هل يمكنك إعطاء مثال؟ على مستوى إنتاج زيت الزيتون مثلا ،سنة 2018 قررت المفوضية الاوروبية منح حصة إضافية قدرها 30000 طن من زيت الزيتون المعلب، و لم نتلق إجابة من الجهات الرسمية التونسية و هذا يعود لرفض المضاربين و كبار المنتجين الذين يخشون ظهور شركات تونسية شابة في مجال تعليب زيت الزيتون وهو ما قد يقلل من مرابيحهم في صورة وجود منافسين جدد. -فيما يتعلق بالجيل الجديد والشباب ، ألا يوجد خطر من تشجيعهم على مغادرة تونس ؟ في سياق ضغوط الهجرة ، كان هناك الكثير من الحديث عن هجرة العقول، هجرة المديرين التنفيذيين الشباب التونسيين إلى أوروبا: علماء الكمبيوتر وغيرهم. ولكن يجب أن نتحدث عن “تنفير العقول” بدلاً من “هجرة العقول”، فعلى سبيل المثال سيُمنح مهندس كمبيوتر تونسي شاب مثل أفضل المهندسين الأوروبيين لدينا في فرانكفورت أو باريس أو لندن أو روما، راتباً أكبر بخمس إلى ست مرات مما هو عليه في تونس. -قلت إن الاتفاق سيكون غير متكافئ لصالح تونس. في ماذا؟ هذا يعني أننا سنرفع من جانب واحد الحواجز الجمركية للمنتجات الزراعية التونسية، التي قررها التونسيون أنفسهم. ستعود المنتجات التونسية إلى أوروبا دون صعوبات ، في حين أن المنتجات الأوروبية ستخضع دائمًا للرسوم الجمركية . -هل هذا يعني أن تونس لديها مكاسب أكثر من أوروبا؟ لا أكثر ولا أقل. لن نطرح أبدًا على الطاولة عرضًا ، سواء كان اقتصاديًا أو تجاريًا أمنيًا أو اجتماعيًا أو ثقافيًا، وما إلى ذلك ، يمكن أن يهدد هذا التوازن الخفي ، وهذا الاستثناء الذي تمكن التونسيون أنفسهم من تنفيذه في سنتي 2013 و2014، هذا التعايش بين القوى العلمانية وحزب إسلامي يريد أن يتطوّر. لا توجد إلا نوايا طيبة للغاية من جانب أوروبا بشأن القضية التونسي، لأننا نعلم أن هذا التحول لن ينجح إلا إذا كان هناك تحول اقتصادي ، وتوزيع للثورة الوطنية، مع ذلك لا يجب أن ننسى متغيرات البيئة الاقليمية ولهذا لا نريد أن نخسر تونس وهي في طريقها للإصلاح. -رغم هذا، فإن الاتفاق لا يزال يثير الكثير من التحفظات، لماذا تستعجلونه؟ القرار بيد التونسيين ، رغم انني ضدّ فكرة أن الوقت يحتاج للوقت وأميل أكثر إلى الاعتقاد بأن الوقت لا ينتظر، لست متأكدًا من أن شابًا من سيدي بوزيد مستعد لانتظار خمسة أجيال ليكون سعيدًا في الديمقراطية التونسية. قيل لي: يجب أن نكون حذرين ، يجب ألا نتصارع ، وان لا نغيّر، أن لا نغير ماذا ، المناصب الثابتة؟ المواقف المهيمنة؟ لا أحد يحب التغيير ، ولكن عكس التغيير هو التّراجع.