منذ الثورة ظلت الجهات الداخلية محل استقطاب واهتمام السياسيين ومعها ظل حلم المواطنين وقاطني الجهات الداخلية في تحقيق رؤية تنموية اقتصادية واجتماعية بديلة تقطع مع الماضي قطعا جذريا مع مركزية القرار السياسي وإعطاء هامش من الاستقلالية في طرح المشاكل والحلول بالجهات الداخلية تقوم علي تعبئة الموارد و الطاقات المحلية من اجل ترسيخ الديمقراطية وتطوير البناء الجهوي ما دفعنا الي طرح فكرة بعث مراصد جهوية للتنمية في المناطق الداخلية هو حالة التخبط التي تعيش فيها الحكومات المتعاقبة منذ الثورة التي ظلت تراوح حول نفسها متشبثة بحب التسلط في مركزية القرار وكأنها المقدس ودون ذلك فهو الهامش ابداع الحكومتين المتعاقبتين للسبسي وحكومتي الترويكا لا حدود له فمن كتاب ابيض لتنمية الجهات للسبسي رأى فيه بعض المحللين مخططا لتقسيم البلد الي فدراليات ..الي حكومتي الترويكا من الجبالي الي العريض فالأولى لم تقدم اي تصور لتنمية المناطق الداخلية ولم يكلف الجبالي نفسه عناء التنقل والتواصل مع المواطنين عن قرب ..و حكومة الترويكا الثانية مع علي العريض فقد فاجأت الجميع بقرارات وزارية تعلقت اهمها بإحداث كليات ومستشفيات للطب احدثت حراكا وعودة للعنف في المناطق الداخلية في كل من قفصة وقابس. قرارات احادية ومركزية تنم عن غياب اية استراتيجية حقيقية لتنمية الجهات الداخلية و تطوير البناء الجهوي فالحكومة في هاته المناطق لها كم هائل من المشاريع وان اختلف التقدير في اهميته فانها علي الاقل علي مستوي البنية التحتية تعتبر هامة جدا غير انها تبقي عاجزة عن تنفيذ هاته المشاريع اما لروتين و بطء و اهمال اداري واما نتيجة عزوف المقاولين عن التقدم الي اية صفقة بهاته المناطق غيران الاهم علي الاطلاق يبقي عدم تشريك اطارات الجهة من مجتمع مدني وفاعلين في الشأن المحلي و الجهوي في التصور وبناء الافكار وتقديم الاوليات حسب خصوصية كل جهة فالدول المتقدمة في مجال تنمية الجهات و الحوكمة الرشيدة و الممارسة الديمقراطية تقتضي لزاما التخفيف من حدة البيروقراطية و المركزية التي تعتبر من اكبر معوقات التنمية المستديمة والمتوازنة محليا ووطنيا اضافة الي ان الطابع العمودي الذي يطبع مقاربة التنمية لدي بعض السياسيين عائق من عوائق اللانطلاق والتعبئة هذا بالإضافة الي ان المشاركة في بلورة رؤية تشاركية للتنمية يمنع من الاستمرار في اهدار جزء هام من الطاقات البشرية و المادية ويمكن من التسريع في تعبئة سكان المنطقة او الجهة المعنية و في حماسهم للعمل لجهتهم ولبلدهم بسبب توسيع مشاركتهم في تدبير شؤونهم فتكون مسؤولة عن قراراتها وخياراتها سياسيا و اخلاقيا امام مجتمعها المحلي وبذلك تنبع التنمية من القاعدة وتتحول الجهة الي شريك كامل فيها وتجدر الاشارة الي ان طرح فكرة بعث مراصد جهوية للتنمية في المناطق الداخلية سيتيح للجهات التمتع بثمار جهودها التنموية بدل ان يتم تحويل خيراتها بسبب اليات جذب المناطق القوية الي جهات اخري فبقدر ما تكون الفوراق الجهوية كبيرة بقدر ما تزداد الحاجة الي تمتيع الجهات وخصوصا منها الضعيفة باستقلالية واختصاصات واسعة لإبداع الحلول الخاصة وتعبئة الطاقات البشرية و المادية ويمكن ان نضرب مثالا علي ذلك شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي والتي اصبحت مهددة بالإفلاس ليس نقصا في الانتاج او تعطيلا له من قبل بعض المعتصمين مثلما يتم التسويق الي ذلك وإنما من خلال غياب اية رؤية تشاركية تجمع الجميع من احزاب حاكمة ومعارضة ومنظمات نقابية ومجتمع مدني للخروج بتصور جماعي يقضي بإيجاد حلول نهائية بدل الحلول التلفيقية التي ظل بعض المديرين والوزراء يراوحون حولها دون اي تقدم او انجاز فلو ان هذه الشركة انفتحت علي محيطها وانخرطت في تمويل مشاريع تمس المواطن بصفة مباشرة .. لكان المواطن اول المدافعين ضد اية عملية تعطيل لسير الانتاج فمعه ستتعطل عملية التنمية ..هكذا فقط تتغير نظرة المواطن نحو الشركة ونحو عملية التنمية ومعها تتغير عملية الوعي لدي العنصر البشري والتي هي علي اهمية بالغة داخل هاته الجهات .. فالتنمية المحلية يجب ان تستهدف الانسان ولا معني لهذا الاستهداف اذا لم يكن مقصده الاساسي والجوهري هو رفع المستوي المعيشي بالقدر الذي يمكن الانسان من الانتفاع العادل من ثروات وخيرات اقليمه او جهته ووطنه عموما فلا وجود لتنمية حقيقية في وقت لازال فيه المركز يقرر في كل شئ ومن دون وجود ادارة محلية تظطلع بالتخطيط و التفكير للتنمية الجهوية والمحلية وتكون هي المسؤولة عن تنفيذها كما ان الحاجة تبدو ملحة اكثر من اي وقت مضي الي احداث مراصد جهوية للتنمية تمكن من التعرف علي معدلات الشغل و التنمية مع التنصيص قانونا علي المعطيات التي تتوصل اليها لما في ذلك من اهمية بالغة سواء في وضع خطط التنمية الجهوية او في اغناء البحث العلمي. هذا زيادة علي انفتاح المراصد الجهوية للتنمية علي مختلف مكونات المجتمع المدني مما ييسر بلورة مخطط اقتصادي واجتماعي للجهة من خلال منظور توافقي تشاركي بعث مراصد جهوية للتنمية تبدو ملحة ورهانا وخيارا استراتيجيا يمكن تفعيله والسير به قدما عله يساعد في مواجهة تحديات العولمة والتحدي التنموي بما يساعد من مواجهة عقبة مشكل التخلف الذي يحد من التطور واندماج فئات واسعة من المجتمع في سيرورة مجتمع متحرك ذو قابلية للتغير و التحول.. ولعمري تلك هي روح الثورة …