” على البحر الوافر” هو عنوان مسرحية من تأليف عزالدين المدني وإخراج الفنان محمد كوكة جرى تقديمها من قبل فرقة مدينة تونس للتمثيل على ركح المسرح البلدي بالعاصمة في ثلاث مناسبات متتالية خلال نهاية الأسبوع المنقضي .وتتميز هذه المسرحية الناطقة بالعربية الفصحى وأحيانا بالدراجة المهذبة بتناولها لمسيرة العلامة الفذ عبد الرحمان بن خلدون لاسيما فيما يتعلق بصراعه الفكري مع مجايليه ودوره في ترسيخ الفكر العقلاني والاجتماعي وحظيت هذه المسرحية في مستوى تقمص الأدوار والإخراج والسينوغرافيا بإسهام فاعل لثلاثة من الفنانين التونسيين الذين يعدون من أقطاب الحركة المسرحية في بلادنا في الوقت الحاضر وهم محمد كوكة والمنصف السويسي وهشام رستم الى جانب عدد آخر من الممثلين والممثلات الشبان. ولئن كانت هذه المسرحية مرتبطة أساسا بابن خلدون من حيث مضمون الخطاب المسرحي فان عزالدين المدني ظل كالعادة وفيا لأسلوبه في التعامل مع التراث بكثير من الجرأة وربما بتصرف حمل النص أحيانا ما لايمكن تحميله بحيث طغت نبرة حداثوية مفرطة على الخطاب الخلدوني كان بالإمكان تفاديها احتراما ل “تاريخية” المرحلة الخلدونية وربما عذره في ذلك تقريب الإشكاليات من المشاهد ومنها مواضيع الاضطهاد الفكري و العلاقة بين العقل والنقل والصراع الفكري بين ابن خلدون وابن عرفة والذي هو في الحقيقة صراع بين قوى التجديد والاجتهاد من جهة وقوى الفكر المحافظ والمتزمت من جهة أخرى. وجاء الإخراج بدوره مساندا للرؤية العصرانية للكاتب فبرزت السلالم والخنادق وأثير الدخان الحاجب واستعملت الأضواء والموسيقى الصاخبة في توظيف يراد به إضفاء مناخ يوحي بقتامة الكوابيس التي رافقت مسيرة ابن خلدون الفكرية والحياتية في حله وترحاله بين الأندلس والمشرق العربي مرورا بشمال إفريقيا . وإذا كانت المسرحية قد نجحت إلى حد ما في تصوير ما كان يعتمل في نفس ابن خلدون من مشاعر وأفكار ونجاحات وخيبات ضمن قراءة دراماترجية تسحب الماضي على الحاضر بل وتعيد صياغة مصطلحات ابن خلدون في ثوب معاصر فان هذا “الإسقاط ” بدا أحيانا مرهقا للسياق التاريخي إلى حدود السذاجة فاستخدام مفاهيم حقوق الإنسان في سياق فلسفة ابن خلدون بدل الحديث عن العدل والعمران وسلطان العقل يجعل المتفرج يفقد السند المرجعي الملائم بما يجعل من النص السردي لعبة في يد الكاتب ولكن يبدو أن هذه اللعبة مقصودة في أكثر من موقع بل إنها مقصودة أيضا حتى في طريقة الإخراج التي تذكرنا بلعبة “الكوميديا دى لارتي” الايطالية التي تتوسل السخرية والتهكم والحركات البهلوانية . فهل كان هذا الاختيار صائبا . الجواب يختلف من مشاهد إلى آخر ومن مدرسة مسرحية إلى أخرى.