صادق مجلس المستشارين خلال جلسة عامة عقدها يوم الثلاثاء برئاسة السيد عبد الله القلال رئيس المجلس وبحضور وزير العدل وحقوق الإنسان على مشروع القانون المتعلق بإتمام أحكام الفصل 61 مكرر من المجلة الجزائية. ويندرج مشروع هذا القانون في إطار تعزيز مقومات الأمن الاقتصادي في ظل التحولات التي يشهدها العالم وما يقتضيه من حفاظ على المصالح الحيوية للبلاد من كل انتهاك على غرار ما كرسته بعض التشريعات المقارنة في المجال. ويهدف إلى استكمال أحكام الفصل 61 مكرر من المجلة الجزائية بتجريم تعمد ربط اتصالات بصفة مباشرة أو غير مباشرة تهدف إلى النيل من الأمن الاقتصادي للبلاد. ويتمثل الركن المادي للجريمة وفق ما جاء في مشروع القانون في النيل من المصالح الحيوية للبلاد بإقامة اتصالات وربط علاقات مع جهات أجنبية لتحريضها على الإضرار بتلك المصالح. أما الركن المعنوي للجريمة فيتمثل في قصد الإضرار من خلال ربط اتصالات وعلاقات تهدف إلى النيل من المصالح الحيوية للبلاد. وأكد المستشارون من مختلف الحساسيات السياسية والانتماءات المهنية والفكرية لدى مناقشتهم مشروع القانون، دعمهم لتوجهات الدولة من أجل تعزيز مقومات الأمن الاقتصادي باعتبارها من دعامات التنمية والاستقرار ومساندتهم لكل ما يتخذه الرئيس زين العابدين بن علي من تدابير لحماية المصالح الحيوية للشعب التونسي. كما أكبروا ما يبذله سيادته من جهود مثابرة للرفع من شأن تونس وتعزيز أركان مناعتها. وأبرزوا النجاحات التنموية التي ما فتئت تحققها تونس وتوفقها إلى مجابهة تقلبات الفضاء الاقتصادي العالمي بفضل القيادة الحكيمة لرئيس الدولة بما جعل منها مثالا يحتذى بشهادة مختلف المؤسسات والهيئات الدولية المتخصصة وهيأ الظروف الملائمة لمزيد ترسيخ انتماءاتها الإقليمية والدولية وللارتقاء بعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي إلى مراتب أعلى. وبينوا أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية لشهر أكتوبر 2009 قد أكدت سلامة الخيارات وتمسك الشعب التونسي بمختلف مكوناته وفئاته بالرئيس زين العابدين بن علي قائدا للمسيرة المظفرة التي تقلد مسؤوليتها منذ أكثر من عشرين سنة. ونوه المستشارون بمشروع القانون الذي يجرم النيل من الأمن الاقتصادي لتونس والتورط في تحركات مع جهات أجنبية يمكن أن تلحق ضررا بمصالح المجموعة الوطنية وتؤثر سلبا على فرص الاستثمار والتشغيل والتنمية مبينين أنه سيمكن من تلافي ما ظهر من فراغ تشريعي في القانون الجزائي التونسي الذي ينص فقط على تجريم الإضرار بمصالح البلاد العسكرية والديبلوماسية. وشددوا على أهمية الأمن الاقتصادي باعتباره ضرورة ملحة على غرار الأمن البيئي والثقافي والمائي في ظل عالم يتسم بتنامي وتنوع أشكال الاعتداءات على أمن الشعوب وسيادة الدول ومقومات استقرارها ونمائها. ولاحظوا أن مشروع القانون لا يحد كما يروج له البعض من حرية الرأي والتعبير المكفولة في الدستور التونسي مؤكدين أن تونس التي انتصرت دوما لقيم الحوار والتسامح والتضامن عاقدة العزم على مزيد ترسيخ الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان بمختلف أبعادها باعتبارها خيارا استراتيجيا لا رجعة فيه تعكسه تعددية الهيئات المنتخبة وتنامي الفضاءات الإعلامية والفكرية المفتوحة على جميع الحساسيات السياسية والتيارات الفكرية. وأوضحوا أن هذا القانون الذي يكتسي أهمية وطنية قصوى جاء ليؤكد أن المصلحة العليا للوطن هي فوق كل اعتبار وأن تونس بماضيها وحاضرها ومستقبلها ليست للمقايضة وأن أمنها وتنميتها مسؤولية منوطة بعهدة جميع أبنائها مشددين على ضرورة وقوف جميع التونسيين ضد الممارسات التي من شأنها أن تضر بالمصالح الحيوية للوطن. ولاحظ أحد المستشارين أن التباين بين أبناء الوطن الواحد حول أي قضية من القضايا يعد ظاهرة صحية تعكس مدى الحراك الفكري والسياسي الذي تشهده البلاد باعتباره مقوما من مقومات الحداثة والرقي الإنساني، إلا أنه يخرج عن قوانين اللعبة السياسية ويدخل في خانة انتهاك حرمة الوطن وسيادته حين يتحول إلى عمل وتعبئة هدفهما إحباط المسيرة التنموية. وأشار مستشار آخر إلى أن انتخاب تونس خلال الأسبوع المنقضي بالإجماع لرئاسة مجلس إدارة المكتب الدولي للشغل يمثل اعترافا دوليا متجددا وتقديرا لصواب المقاربة التونسية القائمة على تلازم البعدين الاقتصادي والاجتماعي وعلى سلامة المناخ الاجتماعي بالبلاد. وأكدت إحدى المستشارات التفاف أبناء تونس في الخارج حول خيارات التغيير الصائبة وتمسكهم بهويتهم الوطنية ووعيهم بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم في التصدي للمغالطات والمزايدات ومزيد التعريف بمكاسب تونس ونجاحاتها. وشدد آخر على دور المعارضة الوطنية والديبلوماسية البرلمانية في التصدي للسلوكات المضرة بالمصالح الحيوية للشعب التونسي. وفي رده على تدخلات المستشارين أكد السيد السيد لزهر بوعونى وزير العدل وحقوق الإنسان أن لكل مواطن الحق في إبداء الرأي وتقديم ملاحظاته بخصوص منوال التنمية المعتمد في تونس وهو حق يكفله الدستور وتترجمه فضاءات الحوار والتفكير المتعددة والمتنوعة التي تزخر بها تونس موضحا أنه خلافا لما يسعى البعض الى إشاعته فإنه لا يمكن بأية صورة ربط أية علاقة بين التجريم الوارد في مشروع القانون المعروض والحريات التي تكفلها التشريعات الوطنية. وبين أن حرية التعبير والرأي ولو كانت نتيجتها الضرر لا يشملها التجريم وفق القانون الجديد بل إن الفعل المستهدف بالتجريم في صورة الحال يتمثل في أعمال تحريض جهات أجنبية من قبل تونسي القصد منه الإضرار بالمصالح الحيوية للبلاد مشددا على ضرورة تجاوز الجدل العقيم الرامي إلى الربط بين التجريم الوارد في مشروع القانون والحريات وحقوق الإنسان والتي هي ليست محل مزايدة أو مقايضة. وأضاف أن كل الدول تعتمد نصوصا زجرية لحماية أمنها الداخلي والخارجي مما قد تتعرض إليه من انتهاكات تهدد أمنها ومصالحها مذكرا بأن تونس أدرجت منذ الاستقلال ضمن تشريعها الجزائي أحكاما تجرم هذه الأفعال المتعلقة بالأمن العسكري والدبلوماسي وتنص على عقابها. وأضاف أن على كل دولة واجب حماية أمنها وخاصة اذا كان المستهدف هو وجودها وكيانها وتنميتها. وأوضح السيد لزهر بوعوني ان تطور أشكال الاعتداء على أمن الدولة قد فرض استكمال هذه الأحكام مثلما قامت به عديد البلدان التي جرمت المظاهر الجديدة للمساس بالأمن الوطني مشيرا إلى أن القانون المتعلق بإتمام أحكام الفصل 61 مكرر من المجلة الجزائية التونسية يندرج ضمن واجب الدولة في الحفاظ على المصالح الحيوية لمواطنيها والتي من بينها الأمن الاقتصادي. وبين أن الفصل 61 مكرر يتعلق ببعض الجرائم التي تمس أمن الدولة الخارجي وأن التنقيح يتعلق بتجريم تحريض جهات أجنبية على الإضرار بالمصالح الحيوية للبلاد التونسية من حيث أمنها الاقتصادي إذ ينص على معاقبة كل من يتعمد بصفة مباشرة او غير مباشرة ربط اتصالات مع أعوان دولة او مؤسسة او منظمة اجنبية بغاية التحريض على الإضرار بالمصالح الحيوية للبلاد. أما في ما يتعلق بأركان الجريمة واحتراما لضرورة الدقة التي يقتضيها مبدا شرعية الجرائم والعقوبات في المادة الجزائية بين السيد وزير العدل وحقوق الإنسان انه تم الحرص على ان تكون أحكام النص القانوني دقيقة وذلك بتحديد الركن المادي والمعنوي للجرائم بما يجعل هذه الأحكام مانعة لأي تأويل غير مقصود وبما لا يترك المجال لاى اجتهاد قد يؤدى الى التوسع في التجريم. وأضاف أن ثبوت الجرم يقتضي تعمد الجاني ربط اتصالات مع جهات أجنبية سواء بصفة مباشرة عبر لقاءات مع ممثلى الجهات المذكورة او غير مباشرة بالمراسلة بمختلف أشكالها او بالاتصال بوسطاء وذلك للتحريض على الاضرار بالمصالح الحيوية للبلاد التي تكون حصرا في صورة الحال أمن الدولة الاقتصادي. وبين أن من أوجه الإضرار بهذه المصالح التحريض على عدم إسناد قروض للدولة التونسية او التحريض على عدم الاستثمار في البلاد او كذلك التحريض على مقاطعة السياحة وعرقلة سعي تونس إلى الحصول على مرتبة الشريك المتقدم لدى الاتحاد الاوروبي مع ما لذلك من أثر على سياسة التشغيل وجهود التصدير وتنمية البلاد الاقتصادية. ولاحظ أن المجلس الدستورى الذي يراقب احترام هذه الضوابط قد صرح بعد النظر في مشروع هذا القانون بتلاؤمه مع الدستور بما يؤكد خلو هذا القانون من أية شائبة فضلا عن تلاؤمه كذلك مع التشريعات والصكوك الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان. وقال الوزير إن التشريع الجديد المتسم بالدقة والموضوعية جاء ليؤكد حقيقة هامة مؤداها أن “الوطن ليس للمقايضة وأن الرهان على الأجنبي لا طائل من ورائه سوى محاسبة من يأتي الأفعال الضارة بمصالح الوطن والتي تحاول إعاقة مسيرة نمائه وتقدمه”. وبين السيد لزهر بوعوني في ختام تعقيبه أن ما حققته تونس من مكاسب وانجازات منذ التحول بفضل القيادة الحكيمة للرئيس زين العابدين بن علي واضح وجلي ويشهد به القاصي والداني كما هو محل تقدير المنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة والشخصيات العالمية المرموقة مؤكدا أن هذه النجاحات هي التي تزيد من عزم الشعب التونسي بمختلف حساسياته وفئاته على المضي قدما في تنفيذ الأهداف الطموحة التي رسمها رئيس الدولة في برنامجه الانتخابي “معا لرفع التحديات”.