تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثائق «الشروق» (3): البحث عن الزعامة...كيف «ترث» أمريكا الأرض ومن عليها؟
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

في هذا الجزء الأخير من كتابه «الاختيار بين الهيمنة على العالم وقيادته» يمضي بريجنسكي في طروحاته محاولا ايجاد السبل التي تمكن بلاده من أن «ترث» الأرض ومن عليها على أن تضمن في الوقت سياستها وتفردها بقيادة العالم.
ويرى بريجنسكي أن قوة أمريكا وسيادتها على العالم تكون ناقصة ومهددة في غياب اجماع دولي حول هذه السيادة أو قل في غياب التسليم بالهيمنة الأمريكية.
الهيمنة الامريكية الكونية اليوم، حقيقة من حقائق الحياة. ولا أحد، بما في ذلك امريكا ذاتها، له خيار في ذلك. وفي الحقيقة فإن امريكا ستعرض وجودها للخطر إذا قررت على نحو ما الانسحاب من العالم فجأة، مثلما فعلت الصين قبل نصف قرن. وعلى خلاف الصين، لن تكون امريكا قادرة على عزل نفسها عن الفوضى العالمية التي سرعان ما ستأتي. ولكن، مثلما في الحياة، كذلك في الشؤون السياسية: كل شيء سيذبل ويتلاشى ذات يوم. فالهيمنة مرحلة تاريخية عابرة. وفي نهاية المطاف، ان لم يكن في القريب العاجل، سوف تضمحل هيمنة امريكا على العالم. ولذلك فإنه ليس من المبكر جداً ان يسعى الامريكيون لتقرير شكل ميراث هيمنتهم النهائي. وتتعلق الخيارات الحقيقية بالطريقة التي ينبغي على امريكا ان تمارس بها هيمنتها، وكيف ومع من تشترك في تلك الهيمنة، ولأية اهداف نهائية ينبغي تكريسها. فما هو الغرض المركزي من سلطة امريكا الكونية غير المسبوقة؟ الجواب سوف يقرر في نهاية الامر ما اذا كان الاجماع الدولي يبيح الزعامة الامريكية ويعززها، أو ما اذا كان التفوق الامريكي يعتمد بدرجة كبيرة على الهيمنة القائمة على القوة والمنعة. ولا شك في ان الزعامة المدعومة بالإجماع تعزز وضع امريكا باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم، وسوف تتطلب الهيمنة المزيد من استهلاك القوة الامريكية، حتى وان تركت امريكا في وضع هيمنة كلية فريدة. وبكلمات اخرى، مع وجود الإجماع، ستكون امريكا قوة عظمى زائدة، ومن دونه، ستكون قوة عظمى ناقصة.
ولا داعي الى القول ان أمن امريكا الخاص ينبغي ان يكون الغرض الاول والأهم من ممارسة السلطة القومية. وفي البيئة الامنية الدولية التي تزداد مراوغة يوما بعد يوم، وبخاصة مع تنامي المقدرة على بث الفتك الشديد ليس لدى الدول فحسب، بل ولدى المنظمات السرية كذلك، فإن امن الشعب الامريكي يجب ان يكون الهدف المبدئي من سياسة امريكا العالمية. ولكن في عصرنا، فإن الأمن القومي المنفرد وهم. ويجب ان يشتمل السعي الى الأمن على جهود لكسب وجمع المزيد من الدعم العالمي. وإلا، فإن الاستياء الدولي والحسد لامريكا قد يتحولان الى خطر أمني متزايد.
والى حد ما، فإن هذا الاتجاه المشؤوم قد بدأ بالفعل. لقد خرجت امريكا ظافرة في نهاية الحرب الباردة، وأصبحت قوة عظمى زائدة فعلا. وبعد ذلك بعقد من الزمان، تجازف بأن تصبح قوة عظمى ناقصة. وفي خلال سنتين بعد 9/11 تحول التضامن المبدئي العالمي مع امريكا شيئاً فشيئاً الى عزلة امريكية، بينما أفسح التعاطف الدولي مكانه لشك على نطاق واسع في دوافع ممارسة السلطة الامريكية. وبوجه خاص، خلّف غزو العراق الناجح من الناحية العسكرية، والمثير للجدل على الصعيد الدولي مفارقة متناقضة: لم يسبق للجدارة العسكرية الدولية الامريكية ان كانت أعلى مما هي عليه الآن، رغم ان جدارتها السياسية العالمية لم يسبق لها ان كانت ادنى مما هي عليه. ومن المعترف به دوليا ان الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على شن وكسب عملية عسكرية في اي مكان في العالم. ولكن تبرير الحرب على العراق - وهو ان العراق كان مسلحاً بأسلحة الدمار الشامل، التهمة التي كانت تُذكر على انها حقيقة من قبل الرئيس الامريكي وكبار موظفيه - تبين انه غير صحيح. وقد ألحق ذلك الأذى بموقف امريكا الدولي، لا في صفوف اليسار المناوئ لأمريكا في العادة، بل وفي صفوف اليمين. ولما كانت الشرعية الدولية تُشتق بدرجة كبيرة من الثقة، فإنه لا يجوز اعتبار التكاليف التي لحقت بموقف امريكا الدولي أمراً يمكن إهماله. وعلى ذلك فإن من الاهمية بمكان، الكيفية التي تحدد بها امريكا لنفسها - وللعالم كذلك - الأغراض المركزية من هيمنتها. وعلى ذلك التحديد ان يتضمن ويعبر بوضوح عن التحدي الاستراتيجي الجوهري الذي تواجهه امريكا، والذي تسعى امريكا الى حشد وتعبئة العالم ضده. والكيفية التي تفعل بها ذلك - بأي قدر من الوضوح والقوة والمعنويات، وبأي درجة من استيعاب حاجات الآخرين وطموحاتهم - سوف تحدد الى درجة كبيرة المدى الفعال لممارسة سلطة امريكا، والأعباء المترتبة عن ذلك وباختصار، سوف تحدد ما اذا كانت امريكا ستكون قوة عظمى زائدة أم قوة عظمى ناقصة.
**نتائج ومقترحات
يقول المؤلف: منذ 9/11 يبدو لمعظم العالم ان التشديد الساحق لسياسة الولايات المتحدة الأمنية، على الصعيدين المحلي والدولي، منصبٌّ على الحرب ضد الارهاب الذي يعمل على نطاق عالمي . وقد ظلت جهود تركيز أنظار الجماهير على تلك الظاهرة الهم العام الاساسي لإدارة بوش. ومن المفروض ان تجري محاربة الارهاب - المعرّف على نحو مبهم، والذي توجه اليه الشتائم واللعنات بعبارات دينية أو أخلاقية، وينتقد على انه غير مرتبط بأي لغز اقليمي رغم ربطه بالاسلام بوجه عام - يحارب من خلال تحالفات بشركاء ذوي عقلية متشابهة وتتشارك في هاجس فحواه ان الإرهاب هو التحدي المركزي في عصرنا الحاضر. ومن ثم فإن استئصال ذلك البلاء، يُعرض باعتباره مهمة امريكا الأكثر إلحاحاً، الذي يتوقع ان يؤدي النجاح فيه الى دعم الأمن العالمي الأشمل. ويشير بريجيسنكي الى ان التركيز المبدئي على الارهاب أخاذ سياسياً على المدى القريب. وله ميزة السهولة، حيث يمكن له من خلال وصم عدو مجهول بالشر، واستغلال مخاوف مبهمة، ان يحشد الدعم الشعبي. ولكنه باعتباره استراتيجية بعيدة المدى، يفتقر الى قوة البقاء، ويمكن ان يكون مصدر فرقة على الصعيد الدولي، وربما يولّد التعصب ازاء الآخرين (من ليس معنا فهو ضدنا) ويطلق عواطف شوفينية، ويمكن ان يكون نقطة انطلاق لاعتبار امريكا العشوائي الدول الاخرى خارجة على القانون وفي النتيجة، فإنه يحمل خطر اعتبار امريكا في الخارج مستغرقة في ذاتها، وخطر اكتساب العقائديين المناوئين لأمريكا جدارة دولية بوصم الولايات المتحدة بأنها الحارس الأمني الذي نصّب نفسه بنفسه. ويذهب المؤلف الى ان النتائج الاستراتيجية الثلاث التي استخلصت من تعريف الارهاب بأنه التهديد المركزي الذي يواجه الأمن الامريكي، قد أثارت قلقاً واسع النطاق في الخارج. وهذه النتائج هي: ان من ليس معنا فهو ضدنا ، وان العمل الوقائي والمنْعّي مبرران بالقدر ذاته، وانه يمكن استخدام أحدهما حيث ينبغي استخدام الآخر، وان التحالفات الدائمة يمكن الاستعاضة عنها بتحالفات تقام لغرض معين. وتعتبر النتيجة الاولى مولّدة للأقطاب على نحو خطير، والثانية تجرّ الى حالة من عدم القابلية للتوقع على الصعيد الاستراتيجي، أما الثالثة فتؤدي الى عدم الاستقرار السياسي. وقد اسهمت بتضافرها معاً في رسم صورة لامريكا بوصفها قوة عظمى عشوائية بصورة متزايدة. وينقل المؤلف عن مراقب اوروبي خبير مقارنته لامريكا المعاصرة بروما القديمة، حيث يلاحظ ببصيرة نافذة ان القوى العالمية التي لا منافس لها، تشكّل فئة قائمة بذاتها. فهي لا تتقبل أحداً باعتباره نظيراً مساويا، وتسارع الى نعت الاتباع المخلصين بوصف الأصدقاء. ولا تعود تعرف اي خصوم، بل هم متمردون، وارهابيون، ودول مارقة. ولا تعود تقاتل، بل تعاقب ولا تعود تشن حرباً، بل تصنع سلاماً. وهي تغضب غضباً أصيلاً حين يمتنع الأتباع والخدم عن التصرف كأتباع وخدم ويضيف المؤلف صفة من عنده الى هذه الصفات، وهي ان هذه الدول لا تغزو الدول الاخرى، وانما تحررها . ثم يطرح المؤلف نهجاً بديلاً لتحديد التحدي الاستراتيجي المركزي الذي يواجه امريكا، وهو ان تركز بصورة أشمل على الفوضى العالمية في تجلياتها الاقليمية والاجتماعية العديدة - التي يعتبر الارهاب أحد اغراضها الخطيرة - من اجل ان تقود تحالفاً دائماً متعاظماً من الديمقراطيات المتشابهة ذهنياً في حملة شاملة ضد الظروف التي تخلق تلك الفوضى. ويتابع بريجيسنكي قائلاً: ان نجاح الديمقراطية الامريكية الجذاب، وانعكاساته على الخارج من خلال تعريف انساني للعولمة سوف يعزز فاعلية وشرعية السلطة الامريكية، ويدعم مقدرة الولايات المتحدة على التغلب - مع الآخرين - على نتائج وأسباب الفوضى العالمية.
**شروط القيادة
يحدد المؤلف الطرق التي يتجلى بها الاضطراب العالمي. ويقول انه يتعزز بالفقر الجماعي والظلم الاجتماعي. وينطوي في بعض المناطق على القهر العرقي، وفي مناطق اخرى على النزاعات القبلية، وفي سواها على الأصولية الدينية. ويعبّر عن نفسه من خلال حالات انفجار العنف واختلال النظام، في الضلع الجنوبية من يوراسيا، والشرق الأوسط ومعظم افريقيا، وبعض اجزاء امريكا اللاتينية. ويضيف المؤلف ان الاعتراف بأن الفوضى العالمية هي التحدي الاساسي في زماننا، يتطلب مواجهة التعقيد.. وهذه هي نقطة الضعف في المشهد السياسي الامريكي حتى الآن. حيث ان ذلك الاعتراف لا يخضع للشعارات أو إثارة مشاعر الشعب الامريكي كما يفعل الارهاب. ومن الصعب الصاقه بشخص شيطاني مثل أسامة بن لادن. وتتطلب مواجهة هذه الفوضى العالمية في نظر المؤلف قيام مجتمع عالمي مشترك المصالح. وقيامه ليس ممكناً فحسب، بل انه في طور التحقق فعلاً. فهو في جزء منه ثمرة لعملية تلقائية تنطوي عليها ديناميات العولمة، ونتيجة للجهود المتعمدة، التي تبذلها بخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. ويرى المؤلف ان هذه العملية يجب تشجيعها وتوسيعها، وتكريسها من خلال المؤسسات، بحيث تعزز الادراك المتنامي للمصير المشترك للجنس البشري. وتتطلب المصالح المشتركة وجود توازن بين الفوائد والمسؤوليات، والتمكين لا الإملاء. ويقرر المؤلف ان امريكا تتمتع بوضع فريد يخولها قيادة هذه العملية، لأنها آمنة في قوتها وديمقراطية في ادارتها. ثم يحدد المؤلف شروط القيادة الحكيمة في مجال الشؤون الدولية، فهي أولاً تتطلب سياسة عقلانية توازن بين حماية الذات وبين عدم اثارة الاحساس بانعدام الأمن القومي بصورة مَرَضيّة. وثانياً، تتطلب جهودا دؤوبة ومطولة من أجل تهدئة المناطق الاكثر تفجرآً في العالم.. وثالثاً، تتطلب جهداً مثابراً لإشراك اكثر اجزاء العالم حيوية وأكثرها مسالمة ضمن اطار مشترك لاحتواء واستئصال اشد الأخطار المحتملة في العالم. ورابعاً، تتطلب الاعتراف بأن العولمة اكثر من مجرد فرصة لتعزيز التجارة والربح، بل هي ظاهرة ذات بعد اخلاقي أعمق. وخامساً، تتطلب ثقافة سياسية محلية تدرك بصورة فاعلة المسؤوليات المعقدة التي ينطوي عليها الاعتماد المتبادل بين دول العالم. ثم يضع المؤلف الشروط التي يجب توافرها في الرئيس الامريكي، رئيس الدولة التي تقود العالم. فيقول: يجب على الرئيس ان يفعل ما هو اكثر من تحريض الشعب الامريكي، ويجب عليه ان يثقف هذا الشعب. ولا يمكن ممارسة التثقيف السياسي لدولة ديمقراطية ضخمة، بوساطة الشعارات الوطنية، او اثارة الخوف، أو العجرفة التي يرى صاحبها انه على حق.. كل سياسي يواجه ذلك الإغراء، واستخدامه يأتي بمردود طيب على الصعيد السياسي. ولكن العزف على وتر الارهاب يشوه صورة العالم في ذهن الامة. وهو يولد خطر العزلة الذاتية الدفاعية، ويخفق في اعطاء الجمهور فهماً واقعياً لتعقيدات العالم، ويفاقم تفكك الترابط الاستراتيجي للدولة. ولن تكون امريكا قادرة على ممارسة قيادة العالم في المرحلة القادمة الا اذا كان هنالك فهم عام أكبر، لتبادل الاعتماد بين الأمن القومي الامريكي والأمن الدولي، وبين أعباء التفوق العالمي، من جهة، وبين الحاجة الناشئة الى تحالفات ديمقراطية دائمة للتغلب على تحدي الفوضى العالمية. وبعد ذلك، يبحث المؤلف عن شريك للولايات المتحدة في هذا الدور العالمي، فيرى ان اوروبا هي خير شريك. ويرى ان اوروبا لا يمكن ان تكون آمنة من دون امريكا، وانها لا تستطيع ان تتوحد ضد امريكا، وانها لن تستطيع التأثير في امريكا بفاعلية من دون ان تكون راغبة في العمل مع امريكا.
وفي الوقت ذاته يجب على امريكا، كما يقول المؤلف، ان تقاوم اغراء تقسيم أهم شريك استراتيجي لها. فليس هنالك وجود لاوروبا قديمة أو جديدة . بعد ذلك يناقش المؤلف نسبة التشارك في هذه الشراكة التي ستقود العالم. وهو يرى انه ليس من العدل ان تكون بين امريكا وأوروبا بنسبة متساوية.. بل يجب ان تكون الغلبة لأمريكا وعلى ذلك فإن الخيار الحقيقي الوحيد، ليس وجود شريك اوروبي ذي وزن مساو، بل شريك اوروبي ذي تأثير كبير في صياغة وتطبيق سياسة عالمية مشتركة (شريك تابع) ومنفذ.
**اتفاقية
عبر اطلسية يناقش المؤلف أحد أهم تجليات هذه الشراكة، وهو حلف الناتو، فيقول انه ليس حلفاً بين ست وعشرين دولة (لأن إحدى دوله - وهي امريكا - أقوى من دوله الخمس والعشرين الباقية مجتمعة)، بل هو حلف يقوم على دعامتين: امريكية وأوروبية. ويقول ان الوقت ملائم الآن لوجود اتفاقية عبر أطلسية لمناقشة هذا الواقع الآخذ في البروز. وينبغي لها ألا تأخذ في الحسبان فقط الأجندة الاستراتيجية البعيدة المدى المتعلقة بإعادة تحديد وربما اعادة بناء التحالف، بل والآثار الأولية الواسعة المترتبة على كون امريكا وأوروبا معاً يشكلان كياناً كليّ القدرة. وتنطوي تلك الحقيقة على التزام اوروبا بأن تصبح اكثر انخراطاً في تعزيز الأمن العالمي. ولا يمكن بعدُ اقتصار منظور الأمن الاوروبي على القارة الاوروبية وأطرافها. فمع وجود الناتو الآن في افغانستان، وبصورة غير مباشرة في العراق، وربما في القريب العاجل على طول الحدود الفلسطينية - الاسرائيلية ، فإن المدى الاستراتيجي للتحالف الأطلسي لا بد ان يشتمل في النهاية على يوراسيا. ويضيف المؤلف: يجب ان يُستمد التحالف الامريكي الاوروبي الاصيل عبر الاطلسي، والقائم على نظرة مشتركة للعالم، من فهم استراتيجي مشترك لطبيعة عصرنا، وللتهديد المركزي الذي يواجهه العالم، ولدور ومهمة الغرب ككل. وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الاوسط، يقول المؤلف: ان هذه المنطقة ذات اهمية كبرى لأمريكا كما انها ذات اهتمام ملحّ بالنسبة الى اوروبا. ولا يمكن الفصل بين خريطة طريق للسلام الاسرائيلي - الفلسطيني - الذي يعتمد في جزء كبير منه على الجهود الامريكية والاوروبية - وبين خريطة طريق لإعادة تأهيل العراق ليصبح دولة مستقرة، مستقلة، وديمقراطية. ومن دون هاتين يستحيل السلام في المنطقة. كما ان الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، يستطيعان بالعمل معاً ان يكونا اكثر فاعلية في تجنب صدام مباشر بين الغرب والاسلام، وتعزيز الاتجاهات الأكثر ايجابية ضمن عالم الاسلام الذي يؤثر اندماجه في النهاية ضمن العالم الحديث والديمقراطي. ويضيف المؤلف: ولكن السعي المشترك لتحقيق ذلك الهدف يتطلب كذلك إدراكاً عميقاً للقوى المتنافسة داخل الاسلام، وتملك اوروبا ميزة على امريكا في هذا الخصوص. والتعاطف الامريكي مع امن اسرائيل يوازنه التعاطف الاوروبي مع محنة الفلسطينيين. ولا يمكن الحصول على نتيجة سلمية للصراع الاسرائيلي الفلسطيني من دون أخذ اهتمامات الطرفين بعين الاعتبار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.