في هذا الجزء يواصل بريجنسكي تقديم التبريرات لطروحاته ويقدم البدائل الاستراتيجية على خلفية الهواجس الامنية الأمريكية. ولكن صاحب كتاب «الاختيار بين الهيمنة على العالم وقيادته «يعرض في هذا الفصل الى أسباب تنامي موجة الكراهية للولايات المتحدة. ويرى بريجنسكي أن انحياز بلاده السافر للقمع الصهيوني للشعب الفلسطيني السبب الرئيسي في الهجمات التي تتعرض او تعرضت لها الولاياتالمتحدة. ويوضح ان العالم تعاطف مع واشنطن بعد هجمات 9/11 ولكن هذا التعاطف لم يستمر طويلا وبدأ التشكيك في البيانات الأمريكية حول «حربها على الارهاب» لينتهي الى ان التعاطف لا يعنيالتوافق مع الخطاب السياسي الأمريكي. **البدائل الاستراتيجية يعود المؤلف بعد ذلك الى تفصيل ما ألمح اليه سابقا، فيما يتعلق بدور أمريكا في حفظ الأمن في العالم، ويعود الى طرح السؤال الافتراضي: ماذا سيحدث لو ان الكونجرس الامريكي اصدر تفويضا بالانسحاب الفوري للقوة العسكرية الأمريكية من مناطق انتشارها الحرجة الثلاث اوروبا، والشرق الاقصى، ومنطقة الخليج العربي؟ ويسارع بريجنسكي الى الاجابة قائلا: ان اي انسحاب امريكي من هذا النوع سوف يغرق العالم بلا ريب، وعلى الفور في أزمة فوضوية سياسية.. في اوروبا، ستتدافع الدول في فوضى عارمة نحو اعادة التسلح، وفي الشرق الاقصى قد تندلع الحرب في شبه الجزيرة الكورية، وتندفع اليابان لتنفيذ برنامج كاسح لإعادة التسلح، بما في ذلك الاسلحة النووية، وفي منطقة الخليج، ستصبح ايران مهيمنة، وسوف تمارس التخويف على الدول المجاورة. وبناء على ذلك، فإن البدائل الاستراتيجية البعيدة المدى، امام أمريكا هي إما الانخراط بالتدريج وبحذر في تحويل تفوقها الى نظام دولي قادر ذاتياً على البقاء، واما الاعتماد في الاساس على قوتها الوطنية لعزل نفسها عن الفوضى العالمية التي ستعقب فك ارتباطها. والاستجابة الغريزية لمعظم الامريكيين على هذين الخيارين هي إيثار خليط من النزعة الاحادية والنزعة الدولية. ومن الواضح ان التركيز على حفظ التفوق الامريكي هو الخيار المفضل لدى معظم الفئات المحافظة في المجتمع الامريكي ونخبه، التي تعكس بصورة اساسية مصالح السلطة التقليدية وقطاعات الاقتصاد الامريكي الموجهة من قبل الدفاع، وثمة رغبة في التنازل عن بعض السلطة للشركاء الذين يفكرون بطريقة مشابهة، في بناء نظام أمن كوني، وتميل هذه الرغبة الى ان تكون مفضلة لدى تلك العناصر في المجتمع الامريكي التي تتعاطف في العادة مع القضايا اللبرالية، والتي يمكن لديها اسقاط النزعة الى العدالة الاجتماعية المحلية على معاِدلاتها الدولية. ولكن الكفة الراجحة ليست لمؤيدي امتلاك القدرة الكلية ومهما تكن الصيغة المفضلة، فإنه لا يزال يتعين على أمريكا ان تدرس بعناية، ما هي مناطق العالم التي تعتبرها مركزية بالنسبة الى أمنها، وكيف يمكن تعريف وتحديد مصالحها على نحو أمثل، والسعي الى تحقيقها بفاعلية، وما هي درجة الفوضى العالمية التي تستطيع تحملها. يناقش المؤلف بعد ذلك المخاطر الاساسية على الأمن الدولي، التي حددها سابقا، واحدة واحدة. فيقول عن أولها، وهو نشوب حرب استراتيجية مركزية واحدة، انه لا يزال يشكل خطرا شديدا، ولكنه لم يعد الاكثر احتمالا لأن يحدث. والاخطار الاخرى على السلام الحروب الاقليمية الكبرى، والحروب العرقية الانفصالية، والثورات من أسفل لا تشكل بالضرورة خطراً مباشراً على الولاياتالمتحدة، حتى الحرب النووية، مثلا، بين الهند وباكستان او ايران واسرائيل، مهما تكن رهيبة، لا يتوقع ان تخلق خطرا جديا على الوطن الامريكي، وفي جميع الاحوال، يفترض ان تستعمل الولاياتالمتحدة نفوذها السياسي وحتى العسكري لمنع او احتواء مثل هذه الصراعات. والاخطار الامنية التي تواجه الولاياتالمتحدة داخل أراضٍ اقل وضوحا واكثر تعقيدا. ويتابع المؤلف قائلا: قبل 9/11 كان الاهتمام الوطني منصبا على امكانية شن احدى الدول المارقة مثل ايران او كوريا الشمالية، هجوما صاروخيا على الولاياتالمتحدة ، او التهديد بشنه. وكانت ادارة كلينتون، وادارة بوش، من بعدها تستجيبان لقلق شعبي أصيل من ان تمتلك احدى الدول المعادية اسلحة دمار شامل ووسائل اطلاقها.. ولكن الحماقة لن تبلغ بإحدى الدول «المارقة» حدا يجعلها تضرب الولاياتالمتحدة بطريقة سافرة تكشف هويتها، مثل ان تطلق عليها الصواريخ فالهجوم الصاروخي من المؤكد ان يجر انتقاما امريكيا ماحقا. وفي المقابل، فإن انفجاراً نووياً مباغتاً في احد الموانئ الأمريكية، يجري على متن زورق غامض، يمكن ان يبيد المدينة المجاورة من دون وجود من يدعي المسؤولية عن الامر، او من يلام على وقوعه، وسيكون مثل هذا الفعل اقل تعقيدا من انشاء رأس حربي يحمله صاورخ بالستي عابر للقارات، وسوف بشكل خطرا اشد بكثير على المعنويات الأمريكية، ولن يكون اختيار هدف للانتقام امرا سهلا، بينما سيخلف الخوف من تكرار العملية ذعرا في كل مدينة امريكية. ويمكن قول الشيء ذاته عن عمل ارهابي تقوم به جماعة مصممة على ايذاء المجتمع الامريكي او ترويعه وزرع الفوضى في صفوفه. يقول المؤلف: جميع هذه الاخطار بدءاً من الاخطار المألوفة استراتيجيا، وانتهاء بأكثرها بعداً عن التقليدية يجب أن تكون أهدافاً لتخطيط طارئ مكثف، بل حتى اغراضا لعمل وقائي استباقي، ويجب ان تكون جاهزية الأمن القومي شاملة، وتشمل التعزيزات الامنية اللازمة بإلحاح، تطوير استعدادات الطوارئ المحلية لتتلاءم مع هجوم ضخم على مركز مديني، واجراء تحسينات على فاعلية الضوابط على الحدود للحيلولة دون دخول مكونات اسلحة الدمار الشامل الى الولاياتالمتحدة وتعزيز أمن انظمة الدولة الحاسوبية الحيوية من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية. ويجب ان تمنح الاولوية القصوى للحصول على معلومات استخباراتية فعالة، ولكن من المستحيل في نهاية المطاف، جعل كل مرفق وطني. وكل ملعب لكرة القدم، وكل متجر كبير، محصنا ضد عمل ارهابي.. وينبغي ان يركز تعزيز المخابرات القومية على تحديث الوسائل التكنولوجية للاستطلاع والمراقبة، والمتابعة الفورية للانشطة المشبوهة، وعلى المزيد من الاستخدام الفعال واسع النطاق للعنصر البشري وتجنيد الافراد من اجل اختراق الحكومات، والمنظمات الارهابية. الاجنبية المعادية، وعلى الانشطة السرية الهجومية التي تهدف الى ارباك وافساد المؤامرات التي تستهدف أمريكا، في مرحلة مبكرة. ويرى بريجينسكي ان الاستعداد الأمني الاصيل يتضمن تعزيز إدراك الشعب بأن وجود درجة ما من الهشاشة، هو حقيقة واقعة تتسم بها الحياة الحديثة، وان نشر الاشاعات المقلقة من قبل الفئات المحلية المستفيدة، من شن حملات اعلامية دورية تستهدف دولاً مارقة معينة باعتبارها عدو العالم لأمريكا مثل ليبيا، او العراق، او ايران او كوريا الشمالية، بل حتى الصين ينطوي على خطر نشر صورة لأمريكا في العالم تتسم بجنون الاضطهاد، بدلا من تعزيز الاستراتيجية القومية التي ترمي الى توجيه الكفاح العالمي نحو وجهة اكثر استقراراً وقابلية للتحكم والسيطرة. **من ليس معنا فهو ضدّنا يقول المؤلف، ان من القضايا الأساسية التي تتعلق بالنقاش حول الأمن القومي الامريكي، كيفية تعريف الخطر. وليس ذلك ممارسة ثقافية اكاديمية، بل هو اجراء مهم على الصعيد الاستراتيجي، له أبعاد متعددة. وينبغي ان يوفر تعريف الخطر منطلقاً نحو التعبئة الوطنية، وان يكون هذا التعريف سهل الفهم من قبل العامة، بحيث يدعم التضحيات المادية المطلوبة من أجل مواجهة التهديد. ويوضح بريجينسكي أن رد الفعل العام، بعد احداث 9/11 كما يتضح ذلك من خطب كبار الساسة، ومن افتتاحيات الصحف الكبرى، تركز على الارهاب، مؤكداً شخصيته الشريرة، والاهتمام بما هو شائع عن شخصية اسامة بن لادن. وكان الرئيس بوش ميالاً الى التعامل مع الخطر على أسس لاهوتية (ربما بسبب ميوله الدينية)، حيث صوّر الامر صداماً بين الخير والشر بل تبنى صيغة من ليس معنا فهو ضدنا التي تتلاءم مع المزاج الشعبي الذي يتسم بالإثارة والاهتياج. وعلى الصعيد الفكري والثقافي اشارت التحليلات الأعلى شأناً لأحداث 9/11. وبطريقة عامة مبهمة، الى العقلية الاسلامية، التي اعتُبرت معادية على الصعيدين الديني والثقافي لأفكار الديمقراطية الغربية. وصحيح ان الادارة الامريكية تجنبت بحكمة، مساواة الاسلام بالارهاب، وحرصت على توكيد ان الاسلام ليس خاطئاً. ولكن بعض أنصارها لم يحافظوا على هذا التمييز بين الاسلام والارهاب. وقد سارعوا الى اطلاق حملة توحي ان الثقافة الاسلامية ككل شديدة العداء للغرب بحيث خلقت أرضاً خصبة للعنف الارهابي ضد امريكا، وقد تجنبت هذه الحجة بحذر، تحديد اي دوافع سياسية تقوم وراء ظاهرة الارهاب. وكان لنهح الرئيس بوش اللاهوتي الى حد بعيد، فائدة تكتيكية اضافية الى جانب أثره التعبوي على الصعيد السياسي وهي مزج مصادر متعددة للخطر في صيغة واحدة بسيطة، بصرف النظر عن وجود علاقة بينها أو عدم وجودها. وبالنسبة الى الشعب الامريكي، قد يكفي تعبير محور الشر، تعريفاً، جمالياً للتهديد، لبرهة من الزمن. ولكن المشكلة التي تنشأ هنا مزدوجة: أولاً، حيث ان أمن امريكا يرتبط الآن بالأمن الدولي، وان الحملة ضد الارهاب تتطلب مساندة عالمية، فإن من المهم ان يقتنع الآخرون خارج امريكا بهذا التعريف، فهل يفعلون؟ ثانياً، هل مثل هذا التعريف ملائم في تشخيصه، وهل يوفر قاعدة فعالة لرد فعل استراتيجي طويل الأمد، وناجح، على الخطر الذي يشكله الارهاب، ونشر أسلحة الدمار الشامل، منفردين أو الاثنين معا؟ تكمن الصعوبة في تعريف الادارة لمن أو ما يُطلب من الامريكيين قتاله في الحرب على الارهاب، انه قد جرى التعبير عن ذلك بأسلوب مبهم على نحو بارز. ولم تزدد الأمور وضوحاً حين اختزل الرئيس تعريف الارهابيين بأنهم فاعلو الشر الذين يقال ان دوافعهم شيطانية وكفى. ويعترف المؤلف بأن للارهاب دوافع سياسية، وان كل عمل ارهابي يخفي وراءه مشكلة سياسية، ولذلك فإن التعامل مع الارهاب يتطلب حملة مدروسة، لا لاستئصال الارهابيين فقط، بل ولتحديدهم، وبعد ذلك معالجة الدوافع السياسية التي تبطن أفعالهم، وتوكيد ذلك لا يعني ايجاد الأعذار للارهاب ولا الحث على استرضائه. وحيث ان كل نشاط ارهابي ينبع تقريباً من صراع سياسي، فإن ذلك ينطبق على الجيش الجمهوري الايرلندي في شمال ايرلندا، وعلى الباسك في اسبانيا، والفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، والشيشان في روسيا، وجميع الجماعات الاخرى. يحاول المؤلف ان يبحث عن سبب لأحداث 9/11 فيقول: من الواضح ان التاريخ السياسي للشرق الاوسط له علاقة كبيرة باعتداء الارهابيين، وبتركيز اعتدائهم على امريكا بوجه خاص. ولا حاجة الى التفصيل الدقيق للتاريخ السياسي، لأنه لا يفترض ان الارهابيين يغوصون في بطون الكتب التاريخية قبل ان يشرعوا في عمل عنيف. وبدلاً من ذلك، فإن السياق العاطفي لما يشعرون به أو يلاحظونه أو يسمعونه عن المظالم السياسية، هو الذي يشكّل أحقادهم، وأعمالهم في النهاية. ويمضي المؤلف قائلاً: ان العاطفة السياسية العربية تشكلت في الشرق الاوسط بفعل مواجهة المنطقة مع الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وبفعل هزيمة الجهد العربي لمنع ظهور اسرائيل، وبفعل ما تلا ذلك من معاملتها للفلسطينيين، وبفعل عرض امريكا قوتها في المنطقة على نحو مباشر وغير مباشر. وقد اعتُبر آخر هذه العوامل، من قبل العناصر الأكثر تطرفاً من الناحيتين السياسية والدينية في المنطقة، تدنيساً لطهارة الاماكن الاسلامية المقدسة (أولاً في العربية السعودية، والآن في العراق)، كما انه يلحق الضرر برفاه الشعب العربي، اضافة الى انه انحياز الى جانب اسرائيل ضد الفلسطينيين. وقد ازداد الحماس السياسي لدى المتطرفين اشتعالاً بفعل الحماسة الدينية، ولكن مما له مغزاه، ان بعض ارهابيي 9/11 كانوا يعيشون نمطاً من الحياة غير ديني. ولذلك فإن هجومهم على مركز التجارة العالمي، وهو الثاني خلال خمس سنوات، كان يحمل صبغة سياسية واضحة. ولا مناص من الواقع التاريخي الذي يقول ان التدخل الامريكي في الشرق الاوسط هو السبب الرئيسي في توجيه الإرهاب نحو امريكا مثلما ان التورط الانقليزي، على سبيل المثال، قد جر استهداف الجيش الجمهوري الايرلندي المتكرر لمدينة لندن، بل للعائلة الملكية ذاتها، وقد اعترف البريطانيون بتلك الحقيقة الاساسية وحاولوا الرد عليها على الصعيدين العسكري والسياسي. وفي المقابل، أبدت امريكا نفوراً بارزاً من مواجهة الأبعاد السياسية للارهاب، ومضاهاة الارهاب مع سياقه السياسي. ويتابع المؤلف قائلاً: «لكي يتم كسب الحرب ضد ارهابيي الشرق الأوسط، يجب تطبيق البعدين الرئيسيين للجهد: حيث يجب استئصال الارهابيين، ولكن في الوقت نفسه، يجب تعزيز عملية سياسية تواجه الظروف التي تؤدي الى ظهور الارهابيين. وهذا بالتحديد ما فعله البريطانيون في ايرلندا الشمالية، والاسبان في الباسك. وهو ما حثّ الروس على فعله في الشيشان. ولا يعتبر تناول هذه الظروف السياسية بالبحث والمعالجة تنازلاً للارهابيين، بل هو عنصر لازم في استراتيجية لاستئصال وعزل عالم الارهاب السّفلي». من هنا فإن النفور الامريكي من الاعتراف بوجود علاقة بين أحداث 9/11 والتاريخ السياسي الحديث للشرق الاوسط - بعواطفه السياسية المشبوبة، التي ترعرعت في كنف التعصب الديني والغيرة القومية، والتي تتعايش باضطراب مع الضعف السياسي هو شكل خطير من اشكال الإنكار. وان ميل الولاياتالمتحدة، في ربيع ،2002 نحو تبني أعتى اشكال القمع الاسرائيلي ضد الفلسطينيين، كجزء من النضال ضد الارهاب مثال على ذلك كما ان عدم الرغبة في الاعتراف بوجود رابطة تاريخية بين نشوء الارهاب المناوئ لامريكا وتورط امريكا في الشرق الأوسط يجعل تشكيل رد استراتيجي فعال على الارهاب أمراً صعباً. لقد كانت المؤازرة العالمية الاولية لامريكا بعد اعتداء9/11 تعبيراً عن التعاطف الاصيل، وتوكيد الولاء. ولكنها لم تكن موافقة على التفسير الامريكي لطبيعة الخطر. ومع تشكّل ذلك التفسير على الصعيد الخطابي، والتعبير عنه بلغة متزايدة الحدة، بلغت ذروتها في صيغة محور الشر، اصبح المنظور الامريكي للارهاب، يُعتبر منقطعاً عن السياق السياسي له (للإرهاب). **تشكيك ومما لا يثير العجب، خلال ستة اشهر من وقوع أحداث 9/11 ان المساندة العالمية الاجماعية تقريباً لامريكا، قد أفسحت مكانها لتشكك متزايد يتعلق بالبيانات الرسمية الامريكية التي تتحدث عن الخطر المشترك. ويبين ذلك ان امريكا قد تجد نفسها شيئاً فشيئاً منعزلة في التعامل مع الأبعاد السياسية للاخطار التي تواجهها. وفي هذه الاثناء قد يتفاقم الخطر، حيث تتعاظم فرص الحصول على الوسائل المختلفة لإحداث فتك هائل، لا أمام الدول وحسب، بل امام المنظمات السرية كذلك. ويرى بريجينسكي ان الرابطة بين الإرهاب وانتشار الأسلحة امر يُنذر بالخطر فعلاً. ولكنها في الوقت ذاته، لا يمكن تناولها على اساس صياغات جاهزة مجردة، عن الشر، أو بالقوة الامريكية وحدها. ومما يعقد الامور ان سجل الولاياتالمتحدة في مجال نشر الأسلحة النووية ليس نقياً الى ذلك الحد الكبير. فقد ساعدت الولاياتالمتحدة مساعي بريطانيا العظمى للحصول على الاسلحة النووية، كما أعانت المساعي الفرنسية سراً، وغضت الطرف عن المساعي الاسرائيلية، بل ان الامر قد يتجاوز غض الطرف، ورضخت لمساعي الصين، والهند وباكستان، كما كانت مهملة على نحو مثير للحيرة والبلبلة في ما يتعلق بأسرارها النووية. وعندما يتهم المنتقدون الولاياتالمتحدة بأن مخاوفها الاخيرة بشأن انتشار الأسلحة جاءت متأخرة، يكون لديهم بعض الحق في ذلك. وتواجه دوافع امريكا بالشك على نطاق واسع في الخارج، وبخاصة في اوروبا الغربية، وبالاعتقاد بأن اهتمام امريكا المفاجئ والشديد بانتشار الأسلحة يعود في جزء منه الى صدمة 9/11 وانشغال امريكا بهاجس احتمال حصول ايران والعراق على أسلحة الدمار الشامل التي يمكن اطلاقها، بالمقارنة مع لا مبالاتها بامتلاك اسرائيل هذه الاسلحة، يعزى في جانب منه الى اهتمام اسرائيل بنزع أسلحة هاتين الدولتين وإبقائهما منزوعتي السلاح. وقد فُسّر على نطاق واسع، تضمين كوريا الشمالية في محور الشر بأنه ذر للرماد في العيون، ومحاولة متعمدة للتغطية على الهاجس الامريكي المتحيز لجانب واحد، في ما يخص نشر الأسلحة في منطقة الشرق الاوسط. وكذلك أسهمت جهود الدول الاجنبية الرامية الى ربط مساعيها الخاصة بها، بحرب امريكا على الارهاب، في زيادة غموض تعريف الخطر، مما أوجد احتمالاً اضافيا بأن تُستغل الحرب الامريكية على الارهاب، سياسياً، من قبل القوى الاجنبية. ومما يلفت النظر ان ارييل شارون، رئيس وزراء اسرائيل، وفلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، وجيانج زمين، رئيس الوزراء الصيني السابق، قد استغلوا جميعاً كلمة ارهاب لتنفيذ مخططاتهم الخاصة بهم. وبالنسبة الى كل منهم، كان التعريف الامريكي المبهم لتعبير الإرهاب الدولي ملائما ومريحاً لجهودهم في قمع الفلسطينيين والشيشان والايجوريين، على التوالي.