بعد سنوات من الانتظار وعملا على ان لا تكون الادارة عائقا أمام أصحاب المبادرات وانجاز المشاريع المشغّلة وتيسير بعث موارد الرزق وازالة العراقيل أمام الاستثمار الوطني والخارجي واستنادا الى مبدإ دعم المبادرة الحرّة على أساس أن الحرية هي المبدأ والترخيص هو الاستثناء، جاءت الاجراءات الادارية الجديدة التي انبثقت عن المجلس الوزاري المنعقد يوم الاربعاء الفارط والمتعلقة بإلغاء التراخيص التي تشمل بعض الانشطة التجارية والترفيهية والتي تم تعويضها بكرّاس شروط. وعدّت القرارات في الغرض المتصلة بالمقاهي وببيع المشروبات باختلاف أنواعها في المؤسسات المصنفة سياحيا من أوثق القرارات صلة بحياة المواطنين اليومية مما تطلب درسها واعادة النظر فيها من جميع جوانبها قبل الاعلان الرسمي عن النسخة النهائية لكراس الشروط التي ستنهي العمل بالتراخيص المعتمدة عند اسناد اعتماد فتح المقاهي واعتبار الموافقة على بعث المشروع السياحي موافقة آلية على كافة التراخيص الأخرى الخاصة ببيع المشروبات المختلفة في كامل نقاط البيع المرخص في احداثها ضمن مؤسسة سياحية. «الشروق» فتحت حوارا مع ممثلي أصحاب المقاهي بجميع أصنافها 1 و2 و3 والمقاهي السياحية وبحثت معهم تفاعلهم مع «جديدهم المهني» وتوقعاتهم حول السبل الكفيلة بإنجاح الاجراءات الجديدة. واستدعت للغرض : ** السيد : عبد الرزاق براهم (رئيس الغرفة الوطنية للمقاهي صنف 2 و3 والمقاهي السياحية). ** السيد : عمر الكبيسي (رئيس الغرفة الوطنية للمقاهي صنف 1). اعداد : خالد الحدّاد ثمّن السيدان عبد الرزاق براهم وعمر الكبيسي الاجراء الرئاسي الاخير والقاضي بحذف جملة من التراخيص التي كانت تعيق أصحاب المهنة بما ان الحصول عليها كان يتطلب وقتا طويلا وعناءً كبيرا، يقول السيد عبد الرزاق براهم : «الترخيص المتعلق بفتح المحل مثلا كان يتطلب ملفات عديدة ومختلفة واجراءات تطول سنوات وأحيانا بعد المتاعب والمصاريف والأشغال يُمنع صاحب المحل من فتح مشروعه ويُرفض مطلبه دون تعليل واضح...» وألح المتحدثان على أهمية ضرورة ان يتم تشريك أهل المهنة وممثليهم عند اعداد تصورات ومضامين «كراس الشروط» بما يضمن ان تحقق الاجراءات الجديدة الغاية المرجوة منها من حيث تبسيط الاجراءات وانجاح المشاريع الجديدة وحماية مواطن الشغل المحدثة. يقول السيد عمر الكبيسي : «نطالب بتشريكنا عند انجاز الكراس حتى نساهم برأينا ونضمن ان لا تترك بها بعض الثغرات التي يمكن ان تُستغل من البعض على الوجه الخاطئ ويتحول الاجراء من ثم الى نقمة عوضا عن ان يكون نعمة كما أراد له رئيس الدولة ذلك استشعارا منه لمشاغل أصحاب المقاهي التي كثيرا ما عبّروا عنها وطالبوا بها...» وأكد رئيس الغرفة الوطنية للمقاهي السياحية ان أصحاب المهنة كانوا يسعون منذ أكثر من 30 سنة لتحقيق مطلب حرية الفتح والغلق وتحرير البيع وبرغم الوعود وبعض التنقيحات المحتشمة فقد بقيت الاجراءات القديمة قاصرة عن ان تؤدي وظيفتها على أفضل وجه بل على العكس من ذلك ساهمت تلك الاجراءات والتعقيدات الادارية في الضرر البالغ بالقطاع وبمواطن الشغل. وأشار المتحدث الى ان عدد التراخيص للمقاهي السياحية كان سنة 1975 في حدود 4 آلاف موزعة على كامل تراب الجمهورية ليتراجع حاليا الى أقل من 500 محل فقط وهو أمر «مفزع جدا» خاصة اذا ما علمنا انه الى جانب الاضرار بأصحاب المشاريع بصفة بالغة ومؤلمة أحيانا (افلاس...) قد أدى الى فقدان أزيد من 30 ألف عامل لمواطن عملهم على اعتبار ان القطاع لا يشغّل حاليا الا الاف عامل فقط (!) وأكد السيد عبد الرزاق براهم الى قدرة قطاع المقاهي السياحية على مضاعفة القدرة التشغيلية 4 مرات عما هي عليه الآن عندما يتم تحرير المحلات، مؤكدا ان تقليص عدد المحلات التي يُسمح لها ببيع المشروبات الكحولية وتحديد توقيت العمل الفعلي الذي كان دائما في حدود 6 ساعات يوميا قد أضرّ بميدان الخدمات السياحية بالاضافة الى ضرره بالعلاقات البشرية بين الحرفاء وتردي السلوكات والاخلاق نظرا لكثرة الازدحام ببعض المحلات مما ساهم في بروز عدة مظاهر مشينة الى جانب الشجار والخصومات وحتى العنف والاجرام. وأضاف : «الاجراءات الادارية السابقة كانت سببا في غلق العديد من المحلات والمقاهي وتكبيل العديد منها بمصاريف وأداءات اضافية على خلفية البيع خارج الاوقات المسموح بها قانونيا (!)» وقال : «الضيق وقصر الوقت أضر بالحركة السياحية نظرا لأن بعض السياح قد أجبروا على التهرب وأصبحوا يقصرون حركتهم داخل النزل التي يقيمون بها. **ضرب للمحاباة والتجاوزات وأشاد السيد عمر الكبيسي رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المقاهي (صنف ) بفاعلية «كراس الشروط» في الحد من بعض التجاوزات التي كانت تجري في السابق عند منح التراخيص. وقال : «القرار الجديد جريء ونأمل ان يكون فرصة لانهاء كل مظاهر المحاباة والتجاوزات بحيث يكون لكل مستثمر تونسي تتوفر لديه الامكانيات اللازمة و يلتزم بتطبيق الشروط الواجب توفرها الحق في العمل والاستثمار وتشغيل عدد من العملة دون نظر الى اي اعتبارات أخرى وقال : «اسناد الرخص من قبل الادارة كان يعتمد على عدة اعتبارات شخصية وعوامل غير قانونية... وكراس الشروط ستُنهي ذلك الى الأبد وستفرض على الجميع التقيد بالضوابط المهنية الصرفة للنشاط الفعلي..». وتدخّل السيد عبد الرزاق براهم ليؤكد ان قرار تحرير أوقات الفتح والغلق وانهاء «الحصار» حول توقيت العمل سيمكّن من اعطاء حركية جديدة وروح متجددة على خدمات ونشاط المقاهي على اعتبار انها ستكون فرصة لتشغيل أكثر من فريق واحد عند العمل وطالب بضرورة ان تتواجد أكثر مرونة في تطبيق مجلة الشغل الجاري بها العمل حتى يتمكن المهنيون من تشغيل الكفاءات والقدرات المهنية المتوفرة على ذمة القطاع. وعن المضامين الرئيسية التي يجب ان تتوفر عليها «كراس الشروط» أشار المتحدثان الى ضرورة ايلاء «شرط المسافة» الأولوية المطلقة خاصة في الاحياء والارياف حتى لا تعود هذه الاجراءات بالسلب وحتى تضمن المردود المناسب لكل محل وقال : «المقاهي صنف 1 والمشارب يبلغ عددها أزيد من 13 ألفا وهي تشغّل حاليا أزيد من 70 ألف عامل وهي تمثّل نسبة 90 من المقاهي الموجودة مما يجعل من ملف «المسافات الفاصلة بين المقهى والاخرى مسألة في غاية الاهمية حتى لا يتم الضرر بمواطن الشغل...» ويواصل المتحدث مؤكدا انه في صورة احترام القانون وتطبيق الاجراءات والتراتيب على افضل الوجوه فإن المقاهي الشعبية بإمكانها ان تؤدي دورها الاجتماعي على أفضل وجه وان ترفّع في طاقتها التشغيلية الى حوالي 10 عما هي عليه الآن...» وتساءل السيد عمر الكبيسي ما اذا كانت كراس الشروط الجديدة ستشمل كل أصناف المحلات من صنف 1 بما فيها المشارب، مؤكدا ان كراس الشروط المتبعة حاليا بالنسبة للمشارب (Buvettes) والتي لم يقع استشارة المهنيين عند وضعها منذ أزيد من سنتين تتضمن عدة سلبيات وثغرات ومضامين غير مطبّقة بصفة جلية وأضرّت بعدة محلات. وأضاف السيد عبد الرزاق براهم ان احتساب المسافات والمقدّر في القانون ب500 متر غير مطبّق وهو ما نلاحظه من تلاصق للمقاهي وانتج المقولة الشعبية المعروفة «بين مقهى ومقهى توجد مقهى» وأضاف : «وهي بالرغم من ذلك مسافة قليلة وغير مجدية بالنظر الى التوسع العمراني في البلاد وانتشار الاحياء السكنية». **صرامة وتطبيق للقانون وشدد المتحدثان على أهمية السعي الى التطبيق الصارم للقانون واحترامه اذا أردنا انجاح الاجراءات وحتى لا تستغل في غير مقاصدها. وألمح السيد عبد الرزاق براهم الى انه في صورة لم يقع احترام الشروط التي سيقع الاتفاق عليها وجوبا مع أهل المهنة فإننا نتخوف من ان تنعكس الآية بالسلب على أصحاب المهنة القدامى والجدد وخاصة أصحاب المشاريع الصغرى في القطاع والذين يمثلون الأغلبية المطلقة لأن تطبيق القوانين بصفة عادلة وشاملة سيمنع من ان تكون «كرّاس الشروط» حجة واهية سيمنع من ان تكون «كراس الشروط» حجة واهية وكاذبة في أيدي «أصحاب المشاريع الكبرى» وأصحاب رؤوس الاموال المرتفعة على حساب صغار المهنيين. وأكد رئيس الغرفة الوطنية للمقاهي السياحية على ان تقليص عدد الرخص وتضييق الخناق على توقيت بيع المشروبات الكحولية جعل المواطن يتحايل على القانون وهو ما انجر عنه استهلاك المشروبات الكحولية بكميات كبيرة واقتناؤها بكثافة لتناولها في المنازل وفي الاحياء ووسط الغابات والحدائق في اطار مجموعات وهو ما كان سببا في حدوث العديد من المشاكل والقضايا وأحيانا حتى الجرائم وهو ما تؤكده التقارير اليومية لمراكز الشرطة، ويعتقد المتحدث ان الاجراءات الجديدة ستساهم في انهاء العديد من المعضلات وخاصة منها ظاهرة النزوح الى وسط العاصمة والاكتظاظ في المحلات والذي عادة ما تنجر عنه السرقات والسلب والضرر بوسائل النقل. وقال المتحدث : «بفضل توسيع أوقات العمل والرفع من عدد نقاط البيع يُمكن ان يتم ترشيد سلوك المواطن وتهذيبه في ما يخص تناول هذا النوع من المشروبات وبالتالي الحد من انتشار عدة مظاهر مزرية ناجمة عن الوضعيات السابقة». وأكد السيدان عمر الكبيسي وعبد الرزاق براهم في خاتمة لقاء «الشروق» معهما عن أملهما في ان تتم استشارة موسعة لانجاز «كراس الشروط» وان يُتبع ذلك بتطبيق صارم لنصوصها ومضامينها وألحا على أهمية ان تتم تسوية المسائل القانونية بأسرع الاوقات وذلك عبر الغاء القانون عدد 147 لسنة 1959 الخاص بإسناد رخص بيع المشروبات وتعويضه بنص قانوني جديد ومراجعة جملة الاوامر المنقحة والقرارات الادارية المتعلقة بالموضوع والغاء المنشور الوزاري المتعلق بتحديد أوقات العمل، وحرص الاثنان على ابراز استعداد كل المهنيين لانجاح التوجهات الجديدة للدولة في هذا القطاع الهام والحسّاس.