بعد هلوسات ترشيش والآخرون ووداعا روزلي أصدر حسونة المصباحي مؤخرا روايته الرابعة «نوّارة الدفلى» عن الوكالة المتوسطية للصحافة وهي الرواية التي أسندت لها لجنة تحكيم «كومار» الجائزة الخاصة. حسونة المصباحي هذا الروائي والقصاص الذي اكتشفه القرّاء منذ عشرين عاما في مجموعته القصصية الاولى: حكاية جنون بنت عمي هنية ثم في السلحفاة وليلة الغرباء وكتاب التيه يمثل تجربة خاصة ومختلفة في المتن السردي في تونس. كاتب تشمّ في نصوصه رائحة المدن ودفء الناس وقسوة الحياة... لم يكتب المصباحي خارج حياته ويومياته فهو روائي يجيد الانصات للناس فيكتب حكاياتهم معيدا للذاكرة لذّة القص فهو «حكواتي» بامتياز كما قال عنه الدكتور الهادي خليل. و»نوّارة الدفلى» أحدث رواياته تؤكد القدرة الفائقة على القص. ففي هذه الرواية يقدم لنا المصباحي سيرة نساء تونسيات في الغربة من خلال حكايات نادية التي تسرد علينا حكايتها في محاولة لتأجيل الموت فهي المريضة بالسرطان التي تلوذ بالقص حتى تنسى الموت الذي يسري في جسدها، امرأة في الاربعين تقيم في ألمانيا وتحنّ الى صفاقس مسقط رأسها وتستعيد حكايات طفولتها مع شقيقاتها الاربع ومغامرات المراهقة عندما كانت شابة تحب الغناء وتكره الدراسة تستعيد علاقة حبها مع عادل الطالب اليتيم الذي تجمعها به علاقة حب مجنونة فتفقد بكارتها وتضطر للزواج من لطفي المهاجر في ألمانيا الذي يتنازل عن شرقيته ويتزوجها لكنه لا يستطيع أن ينسى أنه تزوجها بلا بكارة... فيتمادى في تعذيبها في برد ألمانيا وقسوتها. ومن خلال العلاقة المتوترة بين نادية ولطفي نكتشف حكايات أخرى منها حكاية سارة التي كانت شاهدة على خيانة أمها وموتها مقتولة وفطيمة المغربية وحليمة والجازية وسنية ومريم وكلثوم والاخضر والازهر وما يجمع بين حكايات النساء هو الالم في الهجرة ومعاناة العقلية التقليدية التي لا تغفر للمرأة عواطفها ومغامراتها. إن حسونة المصباحي كتب في هذه الرواية سيرة خمس نساء في الغربة وكأنه يفتح نافذة أخرى على أوروبا في الرواية العربية التي اكتفت دائما بتصوير معاناة المهاجرين الرجال... فحسونة المصباحي في روايته «نوّارة الدفلى» حطّم البنية التقليدية للرواية التي غابت عنها الفصول والمكان والزمان لتكون حكاية واحدة بما فيها من لذّة وعذاب. فنادية ليست أكثر من نموذج لآلاف النساء اللاتي أنهين حياتهن في دفع ثمن مغامرة حب مجنونة وكأن الشرق لا يستطيع أن يغفر للمرأة حبها ومن خلال هذا النموذج نكتشف الاعاقة في مستوى الذهنية العربية التي لا تعترف بالحرية ولا تؤمن بالفرد. رواية «نوّارة الدفلى» رواية جديدة في مسيرة حسونة المصباحي الذي صفّى حساباته مع جيله ومع تجاربه السياسية والايديولوجية ومع إرثه الفكري. فهي رواية أخرى مختلفة تماما عن أعماله السابقة مثل الآخرون وهلوسات ترشيش ووداعا روزلي التي كانت أقرب الى السيرة الذاتية في حين قدم لنا في نوّارة الدفلى عملا جديدا مختلفا تماما عن أعماله السابقة.