نقول مقاومة، ونؤكد على المقاومة مفهوما وممارسة حتى نتجنّب خلطا نظريا وعمليا بين المقاومة من جهة وتأويلات او تفسيرات لل «مقاومة ذاتها» من جهة أخرى. تلك التأويلات التي من شأنها ان تضفي على المقاومة مرونة معيّنة وبالتالي تراجعا في المواقع والمواقف تجاه اهم القضايا التي تشكل مرتكزات اساسية في سياق الصراع العربي الصهيوني ههنا بالذات تتحول المقاومة تعسفا وزيفا، الى جملة من الذرائع تترجمها سلوكات فردية شخصية تعكس نظاما سياسيا معرفيا يُفصح عن نفسه بقوة من خلال الحوار مع العدوّ الصهيوني الذي وجد ويوجد لنفسه الشرعية التاريخية اولا وقبل كل شيء (حلم الصهيونية) ولا يهمه البعد المعرفي ان كان زائفا او مشروعا وهو اي الكيان الصهيوني يعرف سلفا بژأنه زائف معرفي لأجل ذلك لا يعير اهتماما لهذا الجانب. لاحظ جيدا، كيف وُلد الكيان الصهيوني في المنطقة العربية عبر التلاقح «الجنسي» بين الصهيونية العالمية من جهة وبين ذلك النظام السياسي المعرفي الفردي، من جهة اخرى الذي مثّل في حينه تصدّعا وشرخا في جسم المقاومة العربية والتي اصبحت بموجب ذينك التصدّع والشرخ مطالبة، بل مجبرة على التوزّع على جبهتين في القتال، جبهة الداخل وجبهة الخارج وهما في الحقيقة جبهة واحدة لها مصالح واحدة هي جبهة الصهيونية ومصالح الصهيونية. ان تأكيدنا واصرارنا باستمرار على الامساك بالصهيونية تفكيكا وسلخا وتشريحا ومقاومة الا حرصا منا على كشف هذه الظاهرة الخطيرة على امتنا العربية وعلى الشعوب الحرة في العالم وتعرية اهدافها القصوى من جهة ثم دفاعا عن فكرنا القومي العربي واستراتيجيته السياسية والمعرفية والتاريخية التي لخّصت نفسها في مقاومة الصهيونية بالسلاح من جهة أخرى مع التأكيد على ان هذه المقاومة هي العمود الفقري لارثنا الحضاري في صيغته الشمولية، هذا الإرث الذي يتفجّر منه «مشروع الرؤية العربية» وهذا ما اكدنا عليه صراحة في مناسبات أخرى عديدة على ان مرجعية الفعل والبراكسيس السياسية تؤكد يوميا وفي كل لحظة من لحظات المواجهة مع الكيان الصهيوني بأن الاعتداء على سوريا هو اعتداء على الأمة العربية اذن فالفلسفة الذرائعية وما يتمخض عنها من تراجع في المواجهة والمواقف لا تجد مكانا لنفسها داخل استراتجية الفكر القومي العربي. قد يأتينا سؤال من الضفة الاخرى يتهم تلك «الاستراتيجية» بالعجز عن حسم الصراع العربي الصهيوني لصالح العرب؟ نقول بأن العجز ليس في الاستراتيجية هنا ولا في الفكر القومي العربي ولا في حامل ذلك الفكر ولا في مرجعية الفعل السياسي اليومي، بل العجز متجذر في الحامل لذلك السؤال نفسه. فمن يطرح مثل هذا السؤال فقد أختار لنفسه سلفا موقعا خاصا به يعكس طموحه النازل في الهروب من المواجهة لأبسط التحديات اليومية المعيشية الى اقصى اشكال المواجهة مع العدوّ ههنا بالذات نكشف اولا وبعمق عن واقع المقاومة العربية الآنية بأنها في حرب استنزاف مع الصهيونية. ثانيا ان الصهيونية ك «عصابة مسلحة» ظهرت في صيغتها الفعلية في اوائل القرن 19 عكست منذ حينه، نظرة اقتصادية رأسمالية امبريالية مشبعة بنزعة اعتدائية عدائية ارتكزت اساسا على عنصري الجغرافيا والديمغرافيا في الوطن العربي. ههنا بالذات تبدو حقيقة الصهيونية ك «ظاهرة» اوجدت لنفسها موقعا خاصا بها في الوطن العربي من خلال استغلال ظروف دولية وعربية خاصة بها. وبالتالي فهي ليست نظاما اجتماعيا اقتصاديا منتجا (يميّزها نمط انتاجي معين ومحدد) اي نظاما سياسيا له هياكله وعمقه الثقافي والحضاري فالصهيونية ليست هذا او ذاك انها مجرد «ظاهرة» انغرزت في الجسم القومي العربي مثلها مثل اية ظاهرة أخرى متفشية في العالم، واذا كنا نستطيع مواجهة ظاهرة الانتحار مثلا او الادمان او الجريمة او الخيانة او الغدر او التراجع في المواقع وفي المواقف فإننا نستطيع ان نواجه ظاهرة الصهيونية والقضاء عليها. قد تأتينا ملاحظة من الضفة الاخرى ركون الصهيونية ليست مجرد ظاهرة بل هي حقيقة دولة عبرية لها شرعيتها الدولية والعربية ايضا. نقول اولا ان تلك الدول التي منحت الشرعية للصهيونية وحوّلتها الى دولة عبرية؟ في المشرق العربي وهي نفسها الدول التي غرست الصهيونية في فلسطين وبالتالي فأية شرعية هنا هي شرعية زائفة شرعية تحتاج الى سند معرفي وثقافي وحضاري، واذا كانت الشرعية بهذا الشكل هل تستحق ان نطلق عليها شرعية؟؟!! اذا كانت الصهيونية قد استطاعت ان تبني لنفسها دولة عبرية وان تفتك الشرعية وان تقود العالم نحو الهلاك المفزع فهل تستطيع وهل تتجرأ على القول بأنها تمتلك ثقافة وان لها حضارة؟ اذا كانت الصهيونية قد وجدت نفسها عاجزة على محاورة الآخر خارج منطق الارهاب والاعتداء والاغتصاب فإنها بالتأكيد ستجد نفسها في قطيعة معرفية واخلاقية وتاريخية مع كل ما هو ثقافي وحضاري انساني. ومنه فإن الصهيونية سوف لن تتجرأ على الاقتراب من القطاع الثقافي والحضاري الانساني، اي وفي النهاية فإن الصهيونية سوف لن تستطيع التعامل مع السلام العادل مفهوما وممارسة لانها تعرف جيدا بأنه يلغي وجودها. ههنا بالذات يبدو حديثنا مشروعا عندما ذهبنا في اتجاه اعتبار الصهيونية مجرد «ظاهرة» قابلة للزوال في اية لحظة امام المقاومة العربية التي تشكل استراتيجية سياسية ومعرفية وتاريخية للوعي وللعقل وللفكر القومي العربي من هنا أي من هذه النتيجة المنطقية التي اوصلنا اليها تحليلنا تستطيع اية ذات اكتشفت في داخلها رعبا وخوفا من الصهيونية ان تختبر ذاتها من الآن فصاعدا وتقول «لا» للصهيونية «نعم» للمقاومة. ههنا ستكتشف تلك «الذات» قوتها وقدرها على قول «أنا» في مطلق وجوده القومي العربي، وستكتشف تلك الذات في الضفة الاخرى مدى قوة الهشاشة والتهافت التي تشد بقوة عمق الداخل الصهيوني المنخور قبل ان يُنخر والمسحوق قبل ان يُسحق. ههنا بالذات ستدرك تلك «الذات» مرجعيتها القومية فكرا وممارسة في مواجهة ومجابهة الصهيونية. ستدرك تلك الذات ان الصهيونية قد فقدت توازنها في العراق وهي الآن تبحث عن مخرج يخفف عنها ضغط المقاومة كما فقدت توازنها في لبنان تحت ضربات وحدة المقاومة العربية السورية واللبنانية والفلسطينية. وكما فقدت توازنها في فلسطين تحت العمليات الاستشهادية واطفال الحجارة. لكن سؤالنا الآن هو الآتي: متى ستكون المقاومة الفلسطينية قادرة على اسقاط المروحية وتفجير الدبابة وتدمير الآليات التي يتخفى وراءها الجندي «الاسرائىلي»؟؟!! وهي المقاومة التي لها تاريخ عريق في العمل الفدائي.