* بقلم الأستاذ محمد رؤوف بلحسن إذا كان التاريخ علما يبحث عن الحقيقة كان لا بدّ له من أن ينوّع مصادر صياغته للأحداث. فالحقيقة ليس لها موطن واحد بل لها عدة مظان وجب الذهاب إليها وتقصيها حتى نكتب تاريخا يقترب من الموضوعية. إن كتابة التاريخ ليست أمرا هينا البتة ولا هي مقصورة على التاريخ الرسمي المتداول في البرامج المدرسية وفي كتب التاريخ المتعارفة بل التاريخ هو الإخبار عن حركة المجتمع بكل مكوناته الرسمية وغير الرسمية والغوص في تفاصيلها ومقارنة الأحداث والتروي في تدوينها. ولئن اقتصرنا في تونس في فترة ما على هذا التاريخ الرسمي ولم تفرز التجربة شيئا بل ظلت كتابة التاريخ جامدة محصورة في منهج واحد لا يفيد المجتمع في شيء فإن هذه المبادرات التي بدأت في التكاثر خلال السنين الأخيرة والمتمثلة في كسر هذا الطوق الجامد وفتح كتابة تاريخ البلاد على مصادر متنوعة لهي مبادرات جديرة بالدعم وجب تشجيعها واستغلال ما توفره من فرص للوقوف على تاريخ تونس في شموليته. لقد لاحظنا أن عددا من الباحثين مؤرخين كانوا أم غير المؤرخين قد وجهوا عنايتهم كل من موقعه الى الكتابة عن التاريخ الاجتماعي وأعطوا الكلمة للذاكرة الشعبية حتى تدلي بدلائها في صياغة التاريخ وهو أمر محمود لما يمثله من إضافة وإثراء لمدونة التاريخ لأنه عندما يتكلم أحد أفراد المقاومة في تونس عن تجربته مثلا أو مساهمة جهته في تحرير البلاد فإنما يضيف معلومات جديدة أو يصحح البعض الآخر منها مما يسمح بالمقارنة واستخلاص النتائج الأقرب الى الموضوعية. وبالاضافة الى هذه المجهودات الفردية التي أقدم عليها هؤلاء الباحثون نذكر جهود المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية لنشكره على ما يذل من تسجيل شهادات من بقي على قيد الحياة لإثراء مضمون تاريخ الحركة الوطنية ونتمنى أن يتسع هذا المسعى ليشمل مختلف أنحاء البلاد حتى يتم جمع أكثر ما يمكن من الشهادات ليتم وضعها في ما بعد على ذمة الباحثين ليستفيدوا منها في إنجاز دراساتهم وبحوثهم. * المقاومة الشعبية في تونس في الخمسينات انتفاضة المدن الفلاقة اليوسفية * د. عميرة علية الصغير (صفاقس 2004) كتاب حاول أن يجمع فيه المؤلف شتات المقاومة الشعبية في مقاومة الاستعمار في تونس ويقصد بالمقاومة الشعبية كما ذكر في تمهيد الكتاب «مقاومة العامة من الناس الذين أهملهم التاريخ الرسمي أو التاريخ المتداول أو اعتبر فعلهم في خانة المقاومة من الدرجة الثانية..». استهل الباحث كتابه بمدخل تحدث فيه عن الخطوط العامة للمقاومة الشعبية في الخمسينات سواء كان ذلك في المدن أو في الأرياف لينتهي في هذا المدخل الى المقاومة المسلحة أو ما سمّاه الفصل الأخير أو الثورة الهادئة. أما المبحث الأول فقد خصصه صاحب الكتاب الى يوميات النضال الوطني في ستين يوما من 14 جانفي الى 15 مارس 1952 استعرض خلالها أهم الأحداث التي جدّت في تلك الفترة يوما بيوم في مختلف أنحاء البلاد التونسية وقد صنف في آخر هذا المبحث في جدول إحصائي أشكال التحركات من مظاهرات واضرابات وعمليات مسلحة وأحصى عدد القتلى والجرحى خلال هذه الفترة. المبحث الثاني خصصه الباحث الى ضحايا الجانب الفرنسي نتيجة أعمال المقاومة في تونس في الفترة الممتدة بين جانفي 1952 وجوان 1953 والتي اعتبرها المؤلف مرحلة حاسمة في تاريخ الحركة الوطنية وقد جاء هذا المبحث في أربعة محاور: حجم وتطور الضحايا في الجانب الفرنسي. توزع الضحايا حسب الجنسية ومسألة التعاون مع المستعمر. توزع الضحايا حسب المهنة. عمليات المقاومة حسب نوعها وتوزعها الجغرافي وما أسفرت عنه هذه العمليات من قتلى وجرحى في صفوف العدو في مختلف جهات البلاد. المبحث الثالث تحدث فيه صاحب الكتاب عن أوروبيي تونس والمقاومة المسلحة في تونس وقد تمحور حول الوجود الأوروبي في تونس ودواعي مقاومته وكيف شكل هذا الوجود هدفا للمقاومة المسلحة؟ وما هي انعكاسات ذلك على حياة الأوروبيين؟ وماذا كانت ردود فعلهم؟ واهتم المبحث الرابع بظروف وملابسات اغتيال النقابي فرحات حشاد وتحدث المبحث الخامس عن المقاومة في جهة نفزاوة في الخمسينات وتعرض المبحث السادس والأخير الى «جيش التحرير الوطني التونسي» وقد أثار نقاطا عديدة تتعلق بحقيقة هذا الجيش تنظيما وتمويلا وعلى ميدان القتال وبمآله ومصير أبطاله. ذيّل الباحث كتابه ببليوغرافيا وبكشّاف المنظمات المذكورة في متن الكتاب وبكشاف الاعلام والبلدان والمواقع. يمتاز هذا الكتاب عن الكتب الشبيهة به بأن صاحبه حاول أن يتبع فيه منهجا يلتصق بالانضباط العلمي في التأريخ للأحداث التي تناولها مؤلفه بالدرس. * محمد علي الحامي وفرنسا ولادة الكنفدرالية العامة للشغالين التونسيين 1924 1925 * خميس العابد (مركز النشر الجامعي 2004) اعتمد المؤلف على فيض من الوثائق المختلفة الذي كان جمعها من هنا وهناك ليتحدث عن نقابي تونسي يرجع له الفضل في إنشاء أول نقابة تونسية في منتصف العشرينات والبلاد ترزح تحت الاستعمار. كتاب محمد علي الحامي يعني كتابا عن بدايات الحركة النقابية في تونس وهو يعدّ في حدّ ذاته اسهاما في كتابة تاريخ تونس الاجتماعي يوضع على ذمة الباحثين في هذا المجال ليستفيدوا منه كلما اقتضى الأمر ذلك. اشتمل على مقدمة استغرقت ثلاثا وسبعين صفحة تعرض فيها الكاتب أساسا الى أوضاع تونس قبل الحماية وإلى الظروف الاقتصادية والمالية التي أدت الى الاحتلال وتوقيع معاهدة باردو سنة 1881 ويتدرج في هذه المقدمة ليستعرض نتائج توقيع هذه المعاهدة والى بروز حركة الشباب التونسي الى انشاء الحزب الدستوري سنة 1920 بقيادة عبد العزيز الثعالبي حتى ينتهي به المطاف الى موضوع كتابه هذا الكتاب الذي جاء بالاضافة الى المقدمة في جزأين كبيرين : تحدث المؤلف في الجزء الأول إجمالا عن سيرة حياة محمد علي الحامي وعن مشروعه الاقتصادي وبداية الحركة النقابية التونسية في أواسط العشرينات معتمدا في عرضه للأحداث على اضراب عمال المواني بتونس وعن اضرابات بنزرت وأحوازها وعن إنشاء النقابات المستقلة واستعرض المؤلف في هذا الجزء الظروف التي نشأت فيها جامعة عموم العملة وانتشار الحركة النقابية في ما بعد وحاول الوقوف على موقف السلطات الاستعمارية من هذه النقابة الجديدة فأشار هنا الى تجمع ساحة الحلفاوين واجتماع مختلف النقابات بزنقة طرنجة في تونس الذي التأم في 11 جانفي 1925 وسرعان ما تفرق عندما دعت سلطات الأمن العمومي محمد علي وحاول أن يستعرض الكتاب ما آلت إليه الأحداث بعد هذا التجمع. في الجزء الثاني الكبير تحدث المؤلف عن جامعة عموم العملة ومحاكمة 1925 مستندا على أحداث كثيرة جدّت في تلك الفترة منها اضراب حمام الأنف واضراب برج السدرية وما جرى قبل إيقاف محمد علي الحامي وبعض من رفاقه ثم انتقل مباشرة بعد ذلك الى وصف عملية الإيقاف ومؤامرة التكتل الذي تشكل آنذاك من بعض الأطراف على الساحة التونسية ضد محمد علي الحامي. وفي استعراض لأطوار المحاكمة تحدث المؤلف عن احالةمحمد علي على المحكمة بتهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي وأورد وثيقة الاتهام واستنطاق المتهمين والشاهدين مع وضد محمد علي ومرافعة النيابة العمومية ومرافعات الدفاع والحكم الذي صدر. ثم في فصل أخير من هذا الجزء تحدث الكاتب عن النفي الاجباري لمحمد علي ونهايته الأليمة وأسباب موته وأشار في نهاية هذا الجزء الى عودة جثمان محمد علي الى الوطن سنة 1968وإلى بناء النصب التذكاري له بمسقط رأسه حامة قابس سنة 2001. ذيّل الباحث كتابه ببليوغرافيا وبعض الوثائق عن فترة محمد علي وبكشاف الصور وكشاف الأشخاص وكشاف الأماكن الجغرافية. الكتاب يستعرض أساسا حياة هذا النقابي الذي كان رائدا بحق للعمل النقابي في تونس. * تحولات العمل الوطني التونسي في السنوات الثلاثين 1929 1939 * زهير الذوادي (تونس 2003) صدر هذا الكتاب في أواخر السنة المنقضية أعني سنة 2003 وقد حاول مؤلفه أن يرصد فيه على حدّ قوله في المقدمة «التحولات التي شهدها العمل الوطني التونسي في ما بين حدثين هائلين أولهما الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 وثانيهما الحرب العالمية الثانية وذلك على الصعيد الفكري والنضال الميداني وصعيد التحالفات العالمية والتفاعلات مع المحيط الدولي والعربي من خلال تقلبات وأحداث كونية خطيرة..». تعرض الفصل الأول في الكتاب إلى ما أسماه الباحث بدايات التحول في العمل الوطني التونسي فتحدث عن النمو الداخلي للحركة الوطنية وبروز الأفق الجديد للعمل الوطني واستعرض أهم عناصر التحول فيه. أما الفصل الثاني فقد حاول أن يقف على أهم تجليات التحول في العمل الوطني كتحولات تركيبة إطارات الحركة الوطنية ووقائع مؤتمر قصر هلال وجدلية النضال الوطني والقمع الاستعماري. الفصل الثالث تطرق الى الحركات الاجتماعية والعمل الوطني خلال السنوات الثلاثين فعدد تحركات مختلف القوى الاجتماعية كالمثقفين وحركة الشبيبة والمرأة والحركة الاعلامية ودور هذه القوى في التعبير عن نزعة التحول ومواكبة جدليته. أما الفصل الرابع فقد بحث في العمل الوطني التونسي في السنوات الثلاثين وعوامل المحيط الخارجي فتحدث في هذا السياق عن سياسة ألمانيا النازية وايطاليا الفاشية إزاء البلاد التونسية آنذاك كما تحدث عن الصحوة النضالية للعمل الوطني في المغرب العربي آنذاك وعن التجربة الشيوعية فيه. الفصل الخامس كرّسه مؤلف الكتاب الى العمل الوطني التونسي ومضاعفات سياسة الحوار مع الحكومة الفرنسية فأشار في هذا الاطار الى «عزيمة التعاون بين الحكومة الوطنية التونسية وحكومة الجبهة الشعبية في فرنسا وكذلك الى متناقضات الحوار مع هذه الجبهة. أما الفصل السادس والأخير فقد تطرق الى المواجهة بين الحركة الوطنية وحكومة الجبهة الشعبية.