مثال معروف يحثنا على الكدّ والعمل حتى نجني بحول الله الثمار على الوجه المؤمل. وهو يشمل جميع المجالات بما فيها طلب العلم والاجتهاد فيه وهو ما تعلمناه عندما كنا صغارا ووعيّنا به تلاميذنا لما صرنا كبارا وهو ما سأركز عليه في مقالي هذا. فلقد لاحظت في الايام الماضية تعدد الملفات والحوارات في الاذاعة والتلفزة والصحافة والمتعلقة بكيفية الاستعداد للامتحانات النهائية. وكانت الريبورتاجات Reportages توحي بأن الجميع في وضعية استنفار قصوى وكأنهم في حالة طوارئ وفي مواجهة معركة لا يعلم مصيرها الا الله. وبالرغم من اننا نعيش هذه المواقف بالرغم منا من الابتدائي (الاساسي حاليا) الى الثانوي حتى العالي وبقدر ما اساير العائلات والممتحنين لهفتهم وانتظاراتهم ورهبتهم بقدر ما كنت اتمنى لو تم التطرق لهذا الموضوع الحساس منذ افتتاح السنة الدراسية او على الاقل في نهاية الثلاثي الثاني لان النصائح التي قدمت ومهما كانت ثمينة وفي مصلحة ابنائنا فإنه يصعب ان تجد صداها الآن لان ما اعوجّ لا يمكن تقويمه في هذه الفترة ولو بعصا سحرية. ومهما تظاهرنا برفع المعنويات فإن الخوف من المفاجآت غير السارة يبقى دائما احببنا ام كرهنا سيد الموقف والمسيطر على الاذهان والعاطفة. وتبعا لذلك نجد الاغلبية على الاعصاب وفي توترات متواصلة تنعكس على المزاج والصحة الجسدية والنفسية وعلى العلاقات المتبادلة الى غاية موعد الاعلان عن النتائج. وحتى المثل المشهور الذي انطلقت منه قد لا يصدق في بعض الاحيان اذ ان هناك من يجدّ ولا يجد وهناك من لا يجدّ ويجد ولكن لا يجب ان يكون تعلّة للتقاعس واليأس والقنوط، وما على الذي يرغب في النجاح الا الالتزام بالنظام والانضباط والمواظبة والاجتهاد. وحتى ان اخفق فما دام مرتاح الضمير فلن تكون الطامة الكبرى. وبمزيد من الارادة وبكثير من الايمان بقدراته يسترجع انفاسه وبكل عزيمة يواصل مشواره ويلحق بالركب ان شاء الله. ومع ذلك يبقى المثل القائل: «عند الامتحان يكرم المرء او يهان» طاغيا على افكارنا ووجداننا. ومهما سعى البعض الى تلطيف الجزء الاخير منه ليصبح: «عند الامتحان يكرم المرء ولا يهان» فإن هذا التلطيف يدخل في باب المجاملة حتى لا اقول المواساة. لان الاهانة تصرّ على ان تلعب دورها في هذه المناسبات لتصيب المخفق وعديد الاطراف والجهات بسهامها الحادة. ولكم تألمت عندما طالعت مؤخرا في جريدة يومية وفي اول يوم من اجتياز باكالوريا هذا العام مقالا لصحفي جهوي بعنوان «هل تنجح ولاية..... في الباكالوريا؟». ولم يكتف بذلك بل ذكّرنا بأنها كانت في ذيل الترتيب في السنة الماضية 20022003 بين الجهات. ثم تساءل بعد تقديم بعض المعطيات ان كانت ستتقدّم هذه السنة ام ستبقى راسبة؟ أبهذه الطريقة تعالج الامور؟ وهل هناك سخرية واهانة اقسى من هذه نحو جهة سماها باسمها؟ ألم يدرك حجم مسّ كرامة العاملين فيها في الحقل التربوي؟ والغريب ان نسبة النجاح التي اعلنها تعد محترمة. وحتى ان كان من حقه ان يغار على منطقته وان ينشد الأفضل كان عليه ان ينتهج سياسية اللين وان يتوخى الاساليب البيداغوجية البنّاءة. ويعلم الجميع ان المربي هو اول متعرض للتكريم او الاهانة، فبقدر ما تكون نتائج تلاميذه في المستوى بقدر ما يعلو شأنه ويكرّم تكريما لائقا به. وبقدر ما يبتلى بالعكس تطعنه الاهانة في الصميم وبطرق متنوعة. ولقد مررت بهذه التجارب وهذه التناقضات طوال حياتي المهنية الى ان تقاعدت. ولقد صدق احد المربين حين صرّح بأن شعور المربي هو شعور الباني مع وجود فرق. فالبناء مستقر في مكانه ويمكن زيارته وتجسيم الجهد المبذول فيه وقد يدوم مئات السنين بينما بناء الانسان متحرك ومتطوّر. وعلاقة التلاميذ بمدرّسيهم لا تدوم اكثر من ثلثي العام. والامتحان على الحق ليس للتلميذ او الطالب بل هو اساسا للمدرس الذي يرعى عمله ونتائجه التي توضع في المحكّ كل سنة. والى ان نلتقي اتمنى التوفيق لكل الممتحنين حتى تعم الافراح بيوت كل التونسيين ان شاء الله. *المربي المتقاعد: عثمان الهيشري