خلال إشراف رئيس الجمهورية على اجتماع مجلس الوزراء ..النّظر في مشروعي قانونين حول السكن الاجتماعي    من أجل التدليس والخيانة الموصوفة .. 20 عاما سجنا لكاتب عام سابق لنقابة الحرس الوطني    "سيناريو اغتيال نصر الله".. كشف تفاصيل ضربة إسرائيلية دقيقة كادت تطيح برؤوس سلطات إيران الثلاث    بعد رسوم ترامب الجديدة: ماكرون يدعو إلى الدفاع بحزم عن مصالح أوروبا    "لوفيغارو": 60 نائبًا بريطانيًا يطالبون الحكومة الاعتراف بدولة فلسطين    ماذا قال إنريكي وماريسكا عن «الفينال»؟    نبيل الكوكي يضع 3 لاعبين في قائمة مغادري المصري البورسعيدي    مهرجان عيد البحر بالمهدية في نسخته الثلاثين .. عروض فنيّة، وتنشيطية بكلّ ألوان الصيف    المجمع الكيميائي التونسي يسوّي وضعية 47 عاملا بمصنع "المظيلة 1" في مرحلة اولى تطبيقا لقانون منع المناولة بالقطاع العام    امطار مؤقتا رعدية وأحيانا غزيرة مع تساقط محلي للبرد بالشمال والوسط    كيفاش تولّي فقير؟    رڨوج" يفتتح مهرجان الحمامات الدولي في دورته 59    وزارة الأسرة تعلن عن نجاح 56 من بين مكفوليها في دورة المراقبة لامتحان الباكالوريا    قبلي: الشركة الأهلية "مراعي رجيم معتوق" تشرع في سلسلة من الزيارات الميدانية لمتابعة الوضع الصحي لقطيع الابل والاحاطة بالمربين    البولونية ايغا شفايتيك تتوّج بلقب بطولة ويمبلدون للمرة الأولى    بحث إمكانية مزيد التعاون بين تونس والصين وخاصة في قطاع الطاقة الرقمية والانتقال الطاقي    11 عرضا فنيا فى الدورة ال45 لمهرجان باجة الدولي من 22 جويلية الى 5 اوت القادم    الخليج يشتعل: الحرارة تتجاوز 50 درجة... فهل تصلنا الموجة؟    باجة : تجميع أكثر من 2.5 مليون قنطار من الحبوب منذ انطلاق الموسم    الحدادي يمضي لنهضة البركان    الترجي الجرجيسي يتعاقد مع اللاعبين خليل القصاب وحسين الرفاعي    انطلاق اعمال الايام العلمية العربية الثانية للذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي    خبير يُحذّر: تركيبة خطيرة في مياه مجهولة المصدر تفتك بالتونسيين    سامية الشعري مصدق تتحصّل على البكالوريا في سنّ ال64 عاما وئؤكد أن التجربة أحيت فيها روح الشباب وعلّمتها أن لا حرج مع العلم    قابس : برمجة ثقافية صيفية ثرية    نهاية الأسبوع.. البحر هائج والسباحة ممنوعة    طرقات تونس في الصيف: كيفاش تحمي روحك وعائلتك؟    الكاف: الدعوة الى التمديد في مدة الانتفاع بمنحة التسليم السريع لمادة الشعير    محرز الغنوشي: '' الامطار قد تكون احيانا غزيرة مع هبات رياح قوية أثناء مرور السحب الرعدية''    وفاة عامر غديرة، كاتب دولة أسبق لدى وزير الداخلية    ''طريق المطار'': بلطي يطرح أغنيته الجديدة على جميع المنصات    شيرين وفضل شاكر يستعدّان لاطلاق أغنية جديدة مشتركة    الدلاع في الكاميونة.. صحي ولا خطر؟..اكتشف السّر    الخبز الأبيض: نعمة ولا نقمة؟    مخاطر كتم العطسة...تعرف عليها    عاجل/ بعد زيارة الرئيس: تدخّلات ميدانية في سواحل قليبية    عاجل/ تحذيرات من زلزال قريب يدمّر كاليفورنيا    عاجل/ تراجع بنسبة 50% في كميات اللحوم الحمراء بالمسلخ البلدي لهذه الولاية    عاجل/ اصطدام سيارة بمحل حلاقة وهذه حصيلة المصابين    عاجل - تونس: أمطار بين 20 و40 ملم متوقعة اليوم في هذه المناطق    هند النعيرة: اسم لامع في عالم موسيقى "القناوة" يتجاوز الحدود الجندرية والثقافية ويلهم الأجيال القادمة من النساء    مهم للناجحين في الباك 2025: كيفاش تاخو كلمة السر للتوجيه الجامعي؟    برنامج المباريات الودية لأندية الرابطة الأولى لليوم    طيران الإمارات تتصدّر الترتيب العالمي لأقوى العلامات التجارية    التمديد مجدّدا في منحة تسليم الشعير الى حدود هذا الأجل..#خبر_عاجل    عاجل/ عاصفة قبلي وتوزر: مهندس بالرصد الجوي يقدّم تفسيرا للظاهرة    ليفربول يودّع جوتا: حجب القميص رقم 20 وتكريم غير مسبوق    الدوري الماسي – ملتقى موناكو: التونسي محمد أمين الجهيناوي في المركز الثامن بسباق 3000 متر موانع    شهداء في قصف متواصل على غزة منذ فجر اليوم.. #خبر_عاجل    عاجل/ البنتاغون: صاروخ إيراني أصاب قاعدة "العديد" في قطر    لافروف: نحذر الولايات المتحدة وحلفاءها من خلق تهديدات أمنية لروسيا وكوريا الشمالية    تاريخ الخيانات السياسية (12) بين الحجّاج و ابن الأشعث    منظمة الصحة العالمية تكرّم سعيّد    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية "    علاقة وثيقة بين النوم والعمل..    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباب الخاطئ: رأى في المنام أن غناه بمصر
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

قرأت هذه الحكاية أول ما قرأتها في كتاب التنوخي «الفرج بعد الشدة»، وهي حكاية مثيرة حقا تصور رحلة بغدادي الى مصر بعد أن سمع في المنام هاتفا يقول له «غناك بمصر فاذهب اليها». وفي مصر يقبض العسس عليه ليلا، وهو يتسوّل، ويسأل، وهو الغريب، عن سبب قدومه الى مصر، فيروي حكاية حلمه، ليباغت بأحد العسس يضحك منه وهو يقول له انه رأى منذ أعوام حلما كهذا... رأى أن له كنزا في بغداد... في محلة يذكر اسمها في دار يذكر اسم صاحبها ويدرك البغدادي أنه المعني بالحلم، فالمحلة محلته، والدار داره. ويعود الى بغداد، ويحفر في المكان الذي حدده الحالم المصري، ويكتشف الكنز. فتنت هذه الحكاية الكاتب الارجنتيني «بورخس» فاقتبسها في احدى قصصه، ولم يستطع أن يغيّر فيها شيئا... وفعل مثله الكاتب البرازيلي «باولو كويلهو» في روايته الشهيرة «الخيميائي»، وحاول أن يعيد توظيفها. ولا أظنه أفلح كثيرا، فقد ظلت هذه الحكاية العربية تحتفظ بوهجها وألقها... وحاولتها أنا أيضا في نص شعري بعنوان «حلم في تمبكتو... كنز في ترشيش»، حوّله مسرح عشتار في مدينة رام الله الى عمل مسرحي... وكنت قد نشرته قبل ذلك بسنوات في احدى المجلات التونسية، ثم ضمنته كتابي «مخطوط تمبكتو». وقرأت منذ أيام قليلة ان مخرجا سوريا شرع في تحويل رواية «الخيميائي» الى مسلسل، دون أن يتفطن الى أن الحكاية الاصل التي بنى عليها الكاتب البرازيلي نصه عربية 100.
هذه الحكاية على بساطتها صورة مثيرة لتقاطع حلمين... فقد يحلم شخصان نفس الحلم... ولكنه يتحقق لاحدهما ولا يتحقق للآخر...
ثمة فرق بين أن يكون الحلم غرضا وبين أن يكون آلية كتابة. فاذا كان غرضا وجدت القارئ مضطرا الى أن يكون مفسرا، واذا كان القارئ باحثا في الكيفيات التي يسهم بها الحلم في تنامي أحداث النص الادبي ووقائعه على قدر ما يسهم بها في انضاج سرديته كان مؤولا للحلم. وعليه فإنه يتعين أن نميز بين مقاربتين للحلم: مقاربة تقوم على منهج التفسير ومقاربة تقوم على منهج التأويل والتفسير إجراء يتعلق بالكشف عن القوانين التي تحكم الظاهرة المدروسة التي لا يمكن أن توجد إلا طبقا لما تقتضيه تلك القوانين نظير ظاهرة المد والجزر لا يمكنها إلا أن تكون كذلك بوصفها أثرا لقانون الجاذبية الكونية. ليس يعنيني في هذا الباب ان أتقصّى المناهج التي يتوسل بها العلم وإنما الاشارة الى أن الدراسات التي تقدم على أنها تنخرط في سياق «نظرية تفسير الاحلام» إنما هي دراسات مازالت منشدة بعد الى رهان الحقيقة على أساس أن الحقيقة موجودة سلفا في تلك القوانين التي تنتج الظاهرة. فيتم على هذا الاساس التعاطي مع الحلم باعتباره لا يحتمل إلا حقيقة واحدة موجودة قبل فعل الحلم نفسه. ونخلص من ذلك الى أن تفسير الحلم على أنه يحيل الى حقيقة قبلية إنما هو تفسير يتعاطى مع الحلم بنفس الطريقة التي ينظر بها كثير الى اللغة العادية، أي بمعنى انها مجرد لباس لحقيقة موجودة سلفا خارج اللغة. ومن ثمة فإن الحلم يبدو في مثل هذه المقاربة ذا وظيفة تعبيرية، ليس إلا. أي الحلم كما يجري لدى عامة الناس وما يتعلق به من استنطاق لرمزيته الموحية بخير قادم «بشارة» أو شر داهم «انذار» على نحو ما نلحظ ذلك في الساذج من بعض الصحف السيارة. ليس الغرض الرئيس لهذا الباب: الاشارة الى مساهمة الحلم في انشائية الكتابة الادبية أو في إبداعية الفن عموما وإنما في السياسة أيضا على نحو ما نرى في حلم الرئيس الامريكي بشرق أوسط آخر أو بعراق ديمقراطي يصدّر الديمقراطية الى جيرانه... أو في حلم القاعدة بمستقبل هو ليس إلا صورة من ماض ولّى ولن يعود أبدا... فإذا كان حلم الكنز اقتضى سفرا من بغداد الى مصر ثم من مصر الى بغداد... فقد اقتضى حلم «القاعدة» رحلة الى نيويورك... واقتضى الحلم الامريكي رحلة الى أفغانستان فالعراق... ومن عجيب المفارقات أن تعود «القاعدة» الى مسقط رأسها لتحوّل حلمها الى كابوس... وأن يبدأ الامريكي بالتفكير في العودة الى أمريكا وقد تحوّل الحلم الى كابوس!...
فإذا قرأنا «حلم الكنز» لدى التنوخي في ضوء هذا الاجراء التأويلي انتبهنا الى أن صاحب الحلم هو نفسه لم يقف على معنى حلمه إلا حين استوفى الزمنية التي استغرقها الحلم أي زمنية كتابته، والمعنى الذي اهتدى اليه ما كان له أن يهتدي اليه لو لم يتحوّل الحلم الى بنية سردية، أي الى أسلوب، هو جماع الواقعة والكتابة. والواقعة هاهنا هي الرحلة من بغداد الى مصر، في حين أن الكتابة هي ترجمة مسار الحلم بوصفه مسارا من الصور الى مسار اللغة القابلة للفهم، حتى أن فرويد يقول بأن تأويل الحلم هو بمثابة تفكيك أحجية Rébus، ويمكن أن أتمثل هاهنا بهذا الشاهد المطوّل نسبيا والوارد في تأويل الاحلام لدى فرويد وذلك لطرافته البالغة: «نحن نفهم أفكار الحلم على نحو مباشر بمجرد أن تظهر لنا. أما محتوى الحلم فإنه يعرض لها في شكل رسوم هيروغليفية يتعين ترجمة علاماتها تباعا الى لغة أفكار الحلم. لنفرض أنني أشاهد أحجية تمثل بيتا نرى فوق سطحه قاربا. ثم أشاهد حرفا منفصلا وشخصا لا رأس له، يجري الخ. يمكنني القول لا معنى لهذا المجموع ولا لأي من أجزائه. إذ ليس لقارب أن يوجد فوق سطح بيت، كما لا يمكن لمن كان لا رأس له أن يجري . ولن يكون حكمي بشأن الاحجية دقيقا إلا عندما أكون قد تخليت عن هذه الطريقة في تقدير الكل والاجزاء، وسعيت الى استبدال كل صورة بمقطع من كلمة أو بكلمة يمكن لسبب ما تمثيلها بهذه الصورة. فاذا جُمعت هذه الكلمات على هذا النحو فإنها لم تعد تخلو من معنى، بل يمكن أن تتشكل منها بعض العبارات الجميلة والعميقة. فالحلم إنما هو أحجية، فقد أخطأ أسلافنا حينما أرادوا تأويله بصفته صورة، لذلك بدا لهم الحلم أمرا لا معنى له ولا قيمة». أو ليس ما يرويه التنوخي غير أحجية تكثف رمزية الكنز وغموضه ثم لا تلبث أن تكثف رمزية الحلم نفسه باعتباره (أي الحلم) المسافة التي يقطعها الحالم بين بغداد ومصر فاذا طواها ذهابا وإيابا وقف على معنى حلمه. أما اذا وجدتم في هذا الباب خلطا أو لبسا، فانظروا الى صور «أبو غريب» والى الرؤوس المقطوعة... وحاولوا معي أن تفكّوا هذه الاحجية: كيف تتحوّل الحرب على الارهاب الى إرهاب؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.