عاجل: هذه تفاصيل الأحكام ضد الموقوفين الثمانية في قضية التسفير    قفصة: افتتاح فعاليات الورشة الوطنية للمشاريع التربوية البيداغوجية بالمدارس الابتدائية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    مع الشروق : ترامب.. مائة يوم من الفوضى !    أخبار الملعب التونسي : غيابات بالجملة والبدائل مُتوفرة    وزير الشباب والرياضة يستقبل رئيسي النادي الإفريقي والنادي الرياضي البنزرتي    عاجل/ من بيهم علي العريض: أحكام بالسجن بين 18 و36 سنة في حق المتهمين في قضية التسفير..    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    في افتتاح مهرجان الربيع لمسرح الهواة بحمام سوسة... تثمين للمبدعين في غياب المسؤولين    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    لماذا اختار منير نصراوي اسم 'لامين جمال" لابنه؟    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    أجور لا تتجاوز 20 دينارًا: واقع العملات الفلاحيات في تونس    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    عشر مؤسسات تونسية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات ستشارك في صالون "جيتكس أوروبا"    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القنديل الثاني: الأديب البرازيلي باولو كويهلو ل «الشروق»: الثقافة العربية تقيم اعتبارا كبيرا للأمور الخفية... وأنا أحتاج هذه الرؤية
نشر في الشروق يوم 01 - 12 - 2009

قبل الحرب على العراق ذاع صيت رسالة كتبها باولو كويهلو إلى الرئيس الأمريكي بوش قال فيها:‏
«شكرا لأنك أظهرت للعالم هذه الهوة العملاقة الموجودة بين قرارات الحكومات ورغبات الشعوب، ولأنك نجحت في الذي لم تنجح فيه إلا قلة في العالم: تجمع ملايين الأشخاص في القارات بأسرها. ليناضلوا من أجل فكرة واحدة، فكرة مناقضة لفكرتك، شكرا لأنك جعلتنا نشعر مجددا بأن كلماتنا – وإن كانت غير مسموعة – قد لفظت على الأقل، فذلك سيعطينا قوة أكبر في المستقبل»
إلتقيت مع باولو كويهلو منذ بضعة أشهر و زوجته كريستينا ووكيلة أعماله الشابة مونيكا، في منزل ناشرته «آنا» التي تقيم في مدريد، وهي تهتم خاصة بالتراجم، طلبت مني أن أكون واسطة خير بينها وبين دور النشر السورية التي تنشر تراجم باولو كويهلو، فمشكلتها في البلدان العربية أنها لا تخضع لقوانين حقوق المؤلفين. وحسب الإحصاء الأخير، مبيعات كتب كويهلو في العالم العربي يتجاوز الخمسمائة ألف نسخة. وقد توصلت «آنا» أخيرا لعقد إتفاق مع دار نشر في بيروت لترجمات رسمية للكتب، وعلى الدار التوصل لإيقاف القرصنة والأمر ليس سهلا.
بدأت رحلتي مع باولو كويهلو وكتاب الخيميائي. ووجدت نفسي أدمن هذا الكاتب، والأمور الفلسفية الانسانية التي يطرحها, أجد نفسي في كتبه وكأنني أعيش تناسخ شخصيات ماضية، ثم تعرفت على باولو كويهلو عند زيارته لتونس في معرض الكتاب، صورت معه في تونس والقيروان برنامجا تلفزيا لقناة عربية، شخصية جذابة متواضعة لا تحمل أي إعتداد بالنفس، تطورت علاقتنا مع الأيام مع باولو وزوجته ومونيكا، وخاصة «آنا» التي تزور تونس بإستمرار وزرتها في إسبانيا. والأديب العالمي رجل نادر اللطف والإنسانية، خابرني مرة هاتفيا فوجدني في المستشفى بعد أن خضعت لعملية، إستعمل تقدم الحضارة والإتصالات البريدية الحديثة، وصلتني في الغد باقة زهور جميلة تتمنى لي الشفاء العاجل. أجرينا هذا الحوار على شرفة «آنا» التي تطل على ضفاف نهر مانزاناريس . غير بعيدة من حديقة بوين ريتيرو، و الدب وشجرة التوت في سول ساحة التسوق الشهيرة وسط المدينة .
يصبح المكان كابوسا اذا كنت في أجمل مكان في العالم وحيدا. وتصبح محطة قطار رمزا من رموز الجمال إذا كان معي شخص أتواصل معه.
متى تصورت أنك ستكون كاتبا ؟
أدخلني أهلي مصحّا للأمراض العقلية لثلاث مرات متتالية, حين كنت في السابعة عشرة من عمري. فعلوا ذلك بعدما توقّفت عن الدراسة وبدأت أميل إلى العزلة, رافضا ممارسة أي نشاط ما عدا المطالعة. لم يتمكّنوا من فهم اختلافي، فنعتوني بالجنون. جنوني هذا كان مطيّتي إلى الحرية. فكرت أنني أستطيع عن طريق الكتابة التواصل مع الاخرين، وحين خرجت من العزلة مع مضي الزمن والمراهقة المضطربة، بقيت الكلمات أفضل وسيلة لفهم ذاتي وفهم العالم من حولي،
تدور أحداث بعض من رواياتك في الأندلس، مصر، فينيقيا. من أين يجيئك هذا الانجذاب إلى حضاراتنا القديمة ؟
بسبب سحر الحكاية. أثناء طفولتي، كنت مولعا بقصص ألف ليلة وليلة. لم أكن أفهمها كلّية, ولكني كنت مسحورا بما تتضمّنه من رؤية. أيضا كان هناك أستاذ برازيلي عربي : مالبا طحان، كان ينشر كتبا قرأتها في مرحلة مهمة من حياتي كمراهق، جعلتني أكتشف أن الخيار مفتوح أمامي لاكتساب معارف أخرى موجودة خارج ثقافتي البرازيلية. وبالنسبة لي، «الخيميائي» كتاب عن الإسلام. أنا لا أدّعي بأني أعرف الإسلام بعمق، لكني أعرف أن الثقافة العربية جلبت الكثير إلى العالم في ميادين الفن والعلم والفلسفة والطب .
ذكرت أن سفرك لمصر كان سبب فكرة روايتك الشهيرة « الخيميائي» ؟
أنا أعشق الصحراء التي تعرّفت إليها للمرة الأولى خلال سفري إلى المغرب. غير أن زيارة مصر أثّرت فيّ كثيرا. كانت زيارة الأهرامات تجربة روحية شبيهة برحلة الحجّ التي قمت بها سابقا. وحاولت نقل الشعور الذي انتابني هناك، ذهبت ذات ليلة لرؤية الأهرامات برفقة صديق مصري. كان المشهد ساحرا, طلبت منه أن يتلو شيئا من القرآن, فتلا آية رائعة «إهدنا الصراط المستقيم».
اليوم «الخيميائي» هو الكتاب الأكثر مبيعا في الأدب البرازيلي خلال القرن العشرين. هل كنت تتوقع للرواية كل هذا النجاح ؟
في البداية, أعاد إليّ الناشر حقوق التأليف, لأنه اعتبرها عملا فاشلا. يومذاك تذكّرت تلك الصلاة: يا ربّ إذا حدت عن الدرب المستقيم, فأعدني إليه. وتذكّرت ما كتبته في «الخيميائي»: إذا أردنا شيئا ما, فسيتآمر كل الكون ليساعدنا على نيله. طرقت أبواب الناشرين, إلى أن وقعت على ناشر برازيلي كبير قبل إعادة طبع الرواية. إصراري على نشر الرواية مجدّدا هو عودتي إلى الدرب المستقيم, هو طريقي التي وجدت والتي سمحت لي بتحقيق حلمي، أي أن أصبح كاتبا.
طريقة الرواية في «الخيميائي» تذكرنا «بكتاب الرمل» لبورخيس، الكاتب الذي تاثرت به كثيرا ؟
في شبابي قطعت مسافة من ريو دي جانيرو إلى بيونس إيرس في رحلة متواصلة مدة 48 ساعة لألتقي بكاتبي المفضل بورخيس، لكنني لم أتمكن من نطق كلمة واحدة أمامه، وصحيح أن كتابي «الخيميائي» متأثر جدا بكتابه «كتاب الرمل».
من أي ناحية ؟
من ناحية المعقول واللامعقول، «إذا كان الفضاء لا نهائيا فنحن نوجد في أية نقطة في الفضاء. إذا كان الزمان لانهائيا، فنحن نوجد في أية نقطة كانت من الزمان. الإنسان سيد حياته وهو سيد موته أيضا».
كتابك الأخير «عزلة المنتصر» مختلف نوعا ما عن كتاباتك السابقة، هو يصور الحياة المدنية العصرية ؟
على لوحة خلفية لمهرجان «كان» أطرح صورة عن القيم الإنسانية المتدهورة، أين يدهس الأقوياء الضعفاء، وأين يلهث الرجال خلف آمال واهية، والنساء تهذي بمقاييس جمالية جبارة للوصول إلى أهداف سطحية وتافهة.
بطلة روايتك قبل الأخيرة «ساحرة بورتوبيلو» شخصية إمرأة عربية؟
الحكاية تدور حول الروحانيات والعلاقات والقدر والحرية، عبر حياة طفلة يتيمة تدعى أثينا أو شيرين، تخلت عنها أمها الغجرية في ترانسلفانيا، ومن ثمة أخذتها عائلتها بالتبني إلى بيروت، قبل أن تنتقل مجددا إلى لندن ودبي في رحلة مليئة بالأحداث والتطورات.
تناول كتابك الأول زيارة الحج التي قمت بها إلى مزار القديس جاك دو كومبوستيل. وما حملته من معان روحية؟
ككل أبناء جيلي, كنت هيبيّا في شبابي في بحث دائم عن الحقيقة, و معنى آخر للحياة. ولدت في عائلة كاثوليكية؛ لكنّي, في مرحلة ما, اعتنقت البوذية. جرّبت الكثير من المذاهب الأخرى, ولم أجد الجواب عن الأسئلة الوجودية التي كانت تؤرّقني. وكنت أؤجّل حلمي لأصبح كاتبا، لإيماني الراسخ باستحالة تحقيقه. ذات يوم، قرّرت ترك بيتي وعملي وبلادي. وقمت مع زوجتي برحلة حول العالم. لدى عودتي, أسّست دارا صغيرة للنشر. لكن القلق استمرّ في داخلي، إلى أن قرّرت القيام برحلة الحجّ إلى مزار القديس جاك دو كومبوستيل، وهي رحلة تاريخية تنطلق من جنوب فرنسا وصولا إلى إسبانيا. كانت فكرة أشبه بحاجة لم أتمكّن من مقاومتها, مشيت 46 يوما, استرجعت خلالها إيماني الأصلي ككاثوليكي, وعدت إلى جذوري. في نهاية الرحلة, قلت: يجب أن أتّخذ قراري. عمري اليوم 39 عاما. حلمي هو أن أصبح كاتبا. ربما فاتني الوقت لتغيير حياتي, ولكن عليّ أن أحاول، هكذا كتبت عملي الأول وكان عن رحلة الحجّ تلك..
هل روايتك «إحدى عشرة دقيقة» كتابا عن الجنس ؟
كتبت عن الجنس لأفهم لماذا دنس إلى هذا الحد، ماريا جاءت من شمال شرقي البرازيل، تحمل معها حزنا عارما، وسن المراهقة، حاولت أن أتجنب الحكم على الشخصية الرئيسية بسبب اختيارها لنوعية من الحياة. ما يثير اهتمامي هو الطرق المختلفة التي يقارب بها الناس موضوع الجنس .بعض الكتب تدفعنا إلى الحلم، وبعضها يعيدنا إلى الواقع، لكن لا مجال للتهرب مما هو الأهم بالنسبة للكاتب : الأمانة في ما يكتبه .
لماذا عنوان إحدى عشرة دقيقة ؟
هي الحد الأوسط للقيام بالعلاقة .
هل صحيح أنك كتبت «الخيميائي» في خمسة عشر يوما ؟
نعم، وعامة أكتب كتبي خلال فترات تتراوح من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، لكن فكرة الكتاب تدوم سنتين أو أكثر، ومراجعة ما كتبت تدوم أربعة أشهر .
من هو في كتابك «فارس النور» ؟
هو أيا كان، ذاك الذي رغم كل العقبات يبقى قادرا على النضال من أجل أحلامه .
روايتك «الزاهير» كلمة عربية تعني الظاهر ؟
تبعا للكاتب جورج لوي بورخيس فإن فكرة الظاهر تأتي من التقاليد الاسلامية، ظهرت في مرحلة معينة في القرن الثامن عشر، وهي تعني الحاضر الذي لا يمكن ملاحظته، شيء إذا ما احتككنا به يهيمن على أفكارنا حتى نصل إلى مرحلة لا نستطيع فيها التفكير بشيء آخر، حالة من الألوهية أو الجنون .
نجد جاذبية كبيرة ضمن كتاباتك نحو حضاراتنا القديمة، مثل الأندلس، مصر، فينيقيا ؟
أثناء طفولتي، كنت مولعا بقصص ألف ليلة وليلة. ومسحورا بما تتضمّنه من رؤية إلى الواقع والحياة. كما كان هناك أستاذ برازيلي من أصل عربي : مالبا طحان، ينشر كتبا تعبّر عن ولعه بالثقافة العربية. شكّلت لحظة مهمّة جدا في حياتي كمراهق، لأنها جعلتني أكتشف أن الخيار مفتوح أمامي لاكتساب معارف أخرى موجودة خارج ثقافتي البرازيلية. وهكذا وقعت في حب الثقافة العربية. بالنسبة لي، «الخيميائي» كتاب عن الإسلام. أنا لا أدّعي بأني أعرف الإسلام بعمق، لكني أعرف أن الثقافة العربية جلبت الكثير إلى العالم في ميادين الفن والعلم والفلسفة والطب.
هل الولع هنا ناتج عن ميلك إلى شكل سردي يوفّره التراث الثقافي العربي ويتناسب مع أسلوبك الروائي الذي هو أقرب إلى الحكاية، منه إلى الرواية بمعناها الحديث ؟
أجل، هذا هو بالضبط ما يشدّني, وما لم أتمكّن من تحديده. تترك الحكاية مساحات فارغة يتمكّن القارئ من ملئها في خياله. الأسلوب السردي العربي لا يملأ أماكن الفراغ هذه، لأن الحكاية العربية تثق بمخيلة قارئها. إنها تتوجه إلى الطفل الذي في داخله لتقول أشياء ملموسة طبعا، ولكن من خلال استخدام أداة مهمّة جدا هي المخيلة. على العكس من ذلك، تحتل «أنا» الكاتب فضاء الرواية الغربية من دون أن تقيم اعتبارا للآخر. إنها التعبير عن صراعات برجوازية صغيرة أجدها, شخصيا, مضجرة جدا.
الثقافة اللاتينية الأمريكية غائبة تماما عن أعمالك الروائية؟
الثقافة البرازيلية مختلفة عن الثقافة اللاتينية الأمريكية، لأنها مكوّنة من مزيج تلتقي فيه أوروبا وآسيا وأفريقيا. لا أدري إذا كنت تعرفين مثلا بأن عدد اللبنانيين والسوريين في البرازيل يضاهي عددهم في بلدهم نفسه، وقد ساهموا كثيرا في ثقافة وحضارة البرازيل, و هذا المزيج الثقافي أكسبني ميزة أساسية هي حسّ التسامح والانفتاح على الآخرين. البرازيل, بالنسبة إليّ, رمز يكسر الحواجز القائمة بين الناس، وخاصة تلك التي تشكل فاصلا بين عالم واقعي ملموس وواقع غير ملموس متشكّل من الانفعالات.
يجمع بين كتاباتك, على اختلاف تجاربها وأعمارها رغبة التمرّد على شرطها الإنساني. فهل التمرد اكتساب الحكمة؟
التمرّد مهمّ جدا لدى الشباب. أعتقد أن على جميع الناس أن يقوموا بإشعال الحرائق حين يكونون في العشرين من العمر, وأن يتحوّلوا إلى رجال إطفاء حين يبلغون الأربعين. التمرد صحّي لأنه يساعدنا على إيجاد مكاننا الخاص, حتى ولو اكتشفنا في ما بعد أن الكبار كانوا على حق. ما هو التمرّد؟ إنه النظر إلى الأمور من زاوية مختلفة, وهذا مهم جدا. وإلا صدّقنا كل ما يقال لنا وخسرنا فرصة معاينة الأمور بأنفسنا والخوض في تجارب خاصة تجعل منا الكائنات الفريدة التي هي نحن. أنا أتحدث عن التمرد في بعده الفلسفي, بمعناه المجازي.
أغلب رواياتك تحكي شخصيات نسائية، هل هذا يعكس حياتك ؟
حياتي كلها حكمتها النساء اللاتي طرقن بابي في فترات مختلفة،وفي داخل كل رجل منطقة أنثوية تقود إلى الكمال، مررت بثلاث زيجات فاشلة، إلى أن تزوجت كريستينا، وانطلقنا في ترحال طويل للبحث عن معنى الحياة . لهذا تجدين النسوية في كتبي كصيدلية للروحانيات .
هل تأثرت بكتابات جبران بعد أن ترجمت رسائله مع ماري هاسكل؟
يحتلّ جبران خليل جبران مكانة مهمة جدا في حياتي. بعدما قرأت كتابه النبي, رحت أتساءل من تراه يكون هذا الإنسان, وكيف اكتسب كل هذه الحكمة. هذا ما دفعني إلى قراءة كل ما يتعلّق بحياته, وهكذا وقعت على الرسائل التي تبادلها مع ماري هاسكل, والتي بعيدا من كلّ ما امتلكه من حكمة, تظهر برأيي كل مكامن ضعفه كإنسان. أحببت فيه هذا الجانب لأنه علّمني أمرا مهما: لكي أكتب كل من مؤلفاتي , ينبغي أن أقبل نقاط ضعفي ومكامن قوتي. أعجبتني تلك الرسائل لدرجة أني قمت بترجمتها، وأجبرت دار النشر, التي أتعامل معها, على نشرها .
من هم الكتّاب الذين تأثرت بهم؟
الكاتب الأرجنتيني الكبير بورخيس, و الكاتب الأمريكي هنري ميللر الذي كان مجنونا تقريبا ويملك عفوية كبيرة في الكتابة. جورج أمادو الكاتب البرازيلي المعروف, ووليام بلايك. كما توجد كتب وقصص كألف ليلة وليلة والكوميديا الإلهية لدانتي، وسانت إيكسيبوري ..
رواياتك تحمل نظرة متفائلة إلى الطبيعة البشرية ؟
أنا كائن بشري مع كل ما أحمله من شكوك وأسئلة ولحظات يأس وسعادة. كوني وجدت طريقي، لا يعني أني لا أعاني أحيانا من الإحباط. أعرف أن المشكلات التي أواجهها تعطي معنى لحياتي. وبما أن الله خيّر فالإنسان خيّر وطيّب. ليست الأمور على هذا الوضوح بالنسبة لشخصياتي الروائية. وهذا ما يضعها في حال صراع بين الجانب المنير و الجانب المظلم في دواخلها بشكل إيجابي , الصراع يدفعنا إلى الأمام ويجبرنا على اتّخاذ قرارات هي أشبه بخطوات تقرّبنا من الله.
يتهمونك بتغيير رأيك بإستمرار في ما يخص تحويل رواياتك لأعمال سينمائية ؟
البشر يتميزون بتغيير رأيهم، فاذا لم تغير رأيك فانك سترتدي ربطة العنق كل يوم، وستكون اليوم كما كنت قبل 10 سنوات، انظري الى الصحراء مليئة بالرمال، رمال اليوم غير رمال الأمس لأن الرياح تعصف بها، ولكنها لا تزال صحراء.
ما رأيك بتفاقم الأصولية عبر جميع الأديان ؟
الرحمة والتسامح من صفات الله،الأصولية تعود بنا إلى أسوإ عمق في ظلامية الماضي.
حسب إحصائيات مبيعات كتبك عدد القراء في العالم العربي يتجاوز الخمسمائة نسخة، هل يسعدك ذلك ؟
هذا نوع من التحدّي المطروح عليَّ كروائي, والذي لا أدرك نتائجه بعد. يؤلّف الكاتب أعماله من دون أن يعرف سلفا ما سيكون رد فعل القارئ. وهذا ما يسعدني جدا ويؤثّر فيّ, لأنه يشعرني بالتواصل مع ثقافة أدين لها بعمق, بعدما أعطتني الكثير, وهو برهان على أن كاتبا أمريكيا جنوبيا, مثلي, قادر على ابتكار لغة روائية أخرى تقيم جسرا بين ثقافتين مختلفين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.