كم يعجبني فعل «صبّ» «يصب» فهو خفيف ولطيف وسهل التصريف ويظهر قدرة التونسي على الاشتقاق وحسن التوظيف. لو سألت عربيا عن معانيه العربية لاجابك ولو سألته عن معانيه التونسية العامية لاندهش واضطرب «وراح فيها». لهذا سنحاول من باب الترويج استعراض معاني «صب» واشتقاقاته. فالمعنى الاصلي يرادف سكب ولكن نسكب ماذا؟ هناك من «يصب لك شربة» وهناك من «يصب لك كاس تاي» وهناك من يصب «الدالة» او «العرص» وهناك من يصب «في الكنال» وهناك من «يصب الصبة» بفائدة حينا ودونها احيانا وهناك من «يصب الماء على اليدين» ليس الا. كبعض العرب وهناك من «يهز ما لجابية ويحط في الخابية» كأغلب العرب وهناك من «يقول صب الزيت» في الوقت الذي يناسبه ولا يناسبك. وهناك من عينه «تصب» في الاخرى (أحول لمن لم يفهم المعنى). ولهذا الفعل أثره السحري على الاحاسيس إذ يكفي ان تسمعه حتى تنشرح او تحزن او تغضب او تكتئب فأحيانا لا تجد اروع من شخص يقول لك «صبّوا» ولا أثقل من اخر يسألك «صبوش» ولا أنذل من اخر يؤكد لك بقوله: «ما صبوش» (لمن لا يعلم هذه المعاني نقول انها تتعلق بالاجور). يكفي ان تقول: «تصب» حتى يفهم من يسمعها انك تتحدث عن المطر فيقبل عليك زيد ليقبلك فرحا ويلعنك عمرو في سره وعلانيته (زيد فلاح اما عمرو فيقيم في العاصمة التي تغرق في شبر من الماء). ولنا من فعل صب يصب اشتقاقات كثيرة فنحن نتحدث عن «الصبان» و»الصباب» (كثير الصب) والصبة وهي انواع منها الصبة الحلال كالمقرونة الصبة والسكر الصبة ومنها تلك الصبة التي يتمعش منها بعضنا ويعاني منها بعضنا الاخر. ومن غرائب هذا النوع انه يشمل جميعنا دون استثناء فإذا لم تكن «صبابا» فإنك مصبوب له وان لم تكن «مصبوبا له» فمصبوب به. ولعل من مظاهر الروعة في فعل صب انه سهل الاستعمال والتصريف فنقول هو «يصب» وهي «تصب» وهم «يصبّون» وأنت «تصب» وانتم «تصبون»... لن استعرض التصريف مع ضميري المتكلم (أنا ونحن) درءا للشبهات.