تزامنت الزيارة التي أداها الرئيس السوري بشار الأسد الى طهران وهي الرابعة لدولة أجنبية خلال أقل من شهر (إسبانيا، الكويت، الصين، إيران)، مع تصريحات لوزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أكد دعم دول مجاورة للمقاومة، وهدد زيباري بأن بغداد لن تقف عائقا أمام القوات الأمريكية إذا أرادت شنّ هجمات على هذه الدول، وقال ان بغداد ستنشر أدلة على تورطها في مساندة الإرهاب. علما أن القرار 1564 الصادر عن مجلس الأمن يخوّل للولايات المتحدة مهاجمة الدول التي تتهمها بدعم الإرهاب في العراق، وهو ما شرحته «الشروق» بالتفصيل في عدد سابق. ومن الطبيعي أن يحتلّ الهاجس الأمني الحيز الأكبر في محادثات مسؤولي البلدين (سوريا إيران) خصوصا أن هذه الزيارة تواترت مع الحديث عن حساسية الملف الأمني لدى الجانبين بالنسبة للتواجد الكبير للموساد في العراق، وهو ما تشاركهما فيه أيضا تركيا الحليف لاسرائيل وعضو الحلف الأطلسي. والحقيقة إن تواجد الموساد وعمله في العراق لم يصبح من باب التخيلات أو المزايدات، فإضافة الى اعتراف مسؤولة سجن أبوغريب بمشاركة اسرائيليين في استجواب المقبوض عليهم، هاهو أريال شارون يقول في مذكراته (وهو الذي كذّب المسؤولة الأمريكية): يملي علينا صراعنا من أجل البقاء البحث عن أصدقاء وراء طوق العداوة (يقصد الدول العربية) واقامة اتصالات مع أعداء أعدائنا.. كنا نبحث عن هؤلاء الحلفاء وراء حدودنا. لذلك آزرنا الأكراد في القتال الذي شنّوه ضد العراق، أشدّ أعداء اسرائيل لدادة (هكذا يقول بالضبط)، في سبيل نيل استقلالهم. فراح ضباط وأطباء اسرائيليون يخدمون بفاعلية في صفوف الثوار الأكراد المتمركزين في أصقاع نائية من جبال كردستان. والسبب عينه يبرّر المساعدة التي منحناها لليمنيين ضد الاحتلال الناصري، ومع الأقلية المسيحية في السودان في الستينات. وفي لبنان أقمنا علاقة تقليدية مع الأقلية المارونية (أنظر مذكرات شارون ص 556 المنشورة عن مكتبة بيسان ببيروت). النووي... ومن جهة أخرى فإننا إذا ما ربطنا هذه الزيارة بالمشاكل النووية الايرانية، فإنه يمكننا الاستشهاد ثانية بما يقوله شارون في هذا الصدد، حيث يذكر حرفيا، أنا أرى أن مفهوم توازن الرعب النووي هو بالغ الخطورة حتى على صعيد الدول الكبرى.. إن النادي النووي لا يخلو من الأعضاء الذين يأخذون القرارات بروح مسؤولة. ولكننا في الشرق الأوسط في منطقة عرضة للتقلبات فيها قادة مثل صدام حسين وحافظ الأسد، وأمام هذا الواقع أعارض دائما وبشدة كل من دافع عن توازن نووي في الشرق الأوسط. فمثل هذا الرأي ليس من شأنه الا أن يحدّ من قدرة اسرائيل على الدفاع عن نفسها أو حتى على مكافحة الأعمال الارهابية الصغيرة. ثم يقول: إننا لا نستطيع أن نسمح لهذه البلدان بحيازة الأسلحة النووية (نفس المصدر). إنّ مثل هذا الكلام يجب أن يذكر ففيه بعض ما يشرح أسباب زيارة الرئيس بشار للعاصمة الايرانيةطهران، وقد توطدت العلاقات بينهما جدا خلال الثمانينات، لكن سوريا وإيران بلغتا درجة التناقض حول الحرب الأمريكية على العراق، ففيما كانت سوريا تعارضها بشدة بل وبسببها استقبلت بعد سنوات طوال وقبيل الحرب أقطاب النظام العراقي، كانت ايران كما بات معروفا تساندها سرّا كدولة، وجهرا كبلد يستضيف ميليشيات مسلحة عراقية شاركت في الحرب، وفي كل مقدماتها، بل وتحول بعض رموزها قبل الحرب من طهران الى البيت الأبيض أمام تلفزيونات العالم كله. ولكن ها هي التداعيات تجعل مرة أخرى امكانيات الالتقاء بين الطرفين أكثر من ممكنة! وقد قال الرئيس الأسد خلال زيارته لطهران، ان الموضوع العراقي أضاف تفاصيل كثيرة (للعلاقة بين البلدين) تفاصيل متغيّرة بشكل سريع ويومي ومجمل القضايا المطروحة على الساحة الاقليمية، كما عدّد القضايا الأخرى المعروفة. وقال اننا نبحث كيفية التنسيق السوري الايراني في هذا الموضوع وتوحيد القراءة المستقبلية لسير الأحداث في العراق. (وهذه الجملة الأخيرة هامة جدا). الأخطر من هذا كلّه أنه جاء في جريدة «الحياة» بأن مصادر أردنية مطلعة ومقربة من الحكومة كشفت معلومات مؤكدة عن تنسيق غير مباشر بين الزرقاوي واستخبارات دولة جوار، حول تلك الحكاية الشهيرة عن تحضير عملية للزرقاوي كانت ستقتل 80 ألف مواطن! وأكدت هذه المصادر أيضا أن أجهزة الأمن الأردنية ألقت أخيرا القبض على مجموعة تخريبية وفي حوزتهم قنابل وصواريخ مضادة للدبابات وأسلحة ثقيلة أخرى في مخطط لتأليب عشائر الجنوب على نظام الحكم. وبالعودة الى تصريحات وزير خارجية العراق نقلت عنه صحيفة انقليزية أن دولا في الجوار قدمت دعما ماديا ولوجستيا ودربت متطوعين يقفون وراء حملات التفجير والخطف في العراق. ولم يسمّ دولا معينة لكن الجريدة قالت أن مقاصده معروفة، لكن «الحياة» قالت بأن زيباري وفي حديث آخر لشبكة «بي. بي. سي» حدّد سوريا وإيرن كدولتين متجاورتين لم تبذلا جهودا كافية لوقف تسلّل الإرهابيين. وهذا في اللغة الديبلوماسية يسمّى تلطيفا للأشياء! الأكيد أن الرئيس بشار الأسد كان وهو يتأمل منذ أيام قليلة جدار الصين في قمة الانتشاء، وكان وهو يزور المدينة الممنوعة ويلج الى معبد السماء فيها وهو عبارة عن تحفة لا توصف لا يفكر أبدا في وجع الرأس، لكن الأكيد أن المنطقة ومنطقها لا يوفّران أي استرخاء، وأن ما اكتشفه سياسيا في الصين يدعو الى الرهان أولا على الداخل والجوار، ففي نفس وقت زيارته هناك لم تتحرّج حكومة بيكين من اقامة وفد اسرائيلي لمدة 9 أيام بقيادة ايهود أولمايرت وبدعوى حاجتها لمعدات أمنية اسرائيلية تقيها شرور انفلاتات الألعاب الأولمبية!