أعظم هدية منحها الله تعالى للمؤمنين في هذا الشهر ليلة القدر الشريفة، حيث يضاعف فيها الأجر والثواب مضاعفة بالغة، فهي خير من ألف شهر، والعبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وقد بينت السنة أنها في العشر الأواخر من رمضان وأنها في ليالي الوتر، ولم تتحدد لحكم كثيرة، منها حض المؤمنين على الاجتهاد في العبادة والطاعة ابتغاء موافقتها في العشر الأواخر من رمضان.. وليستكثروا من الثواب بكثرة الأعمال الصالحة. وقيل: سميت ليلة القدر لابتداء نزول القرآن فيها، وهو الذي يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والشرك والتوحيد. وقيل: سميت بذلك لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من خير ومصيبة ورزق وبركة وفيها نزل القرآن الكريم حيث قال سبحانه: { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم) (الدخان:3-4) وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر} (القدر: 1-3) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه». وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر، في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى». وبينت الأحاديث أن التماسها يكون أكيدا في ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين والله تعالى أعلم. وأما علاماتها فقد ذكر أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس تطلع من صبيحتها بيضاء لا شعاع لها، وفي بعض الأحاديث بيضاء مثل الطست، وفي الأحاديث الصحيحة أنها ليلة بلجة لا حارة ولا باردة ولا يرمى فيها بنجم ، ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها. ويستحب أن يجتهد فيها بالدعاء، وخير الدعاء فيها ما روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لها عندما سألته: (قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني). تمتاز العشر الأواخر من رمضان أن فيها ليلة القدر و فيها إحياء هذه الليالي على وجه الخصوص بقيام الليل ( التهجد) ومزيد من القنوت، وكثرة قراءة القران والصدقة. صلاة التهجد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه العشر الأواخر بالمزيد من الطاعة فيشمر فيها عن ساعد الجد، يحيى الليل ويوقظ أهله، وكل كبير وصغير مميز، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فينبغي أن نروض أنفسنا وأبناءنا وبناتنا وزوجاتنا على الصلاة في الثلث الأخير من الليل، فصلاة الليل هي افضل صلاة بعد الفريضة ، قال تعالى ( و من الليل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) وهو دأب عباد الرحمان : (الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما). ولك أن تدعو الله بكل ما فيه خير مما يستحب من الأدعية المأثورة في الركوع والسجود الطويلين أثناء صلاة التهجد وغيرها، ومن أدعية الركوع الطويل: ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع يقول: الله لك ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت خشع سمعي وبصري، ومخي، وعظمي وعصبي) ومما يقال في الركوع والسجود معا، ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده : (سبوح قدوس، رب الملائكة و الروح). ويستحب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر في رمضان ، و لاسيما ليلة السابع والعشرين منه ويجتهد فيها المسلم بالمزيد من الطاعة وقيام الليل فان ذلك سيكون سببا لغفران الذنوب: قال صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) وليكثر من هذا الدعاء اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، و إحياء هذه الليلة بالعبادة و إن صادفها المسلم يضيف إلى رصيده من الحسنات ما يعادل عمرا آخر (ألف شهر ) أي ما يربو على ثمانين عاما.