للعام الثاني على التوالي يلفت المخرج التونسي المقيم في سوريا شوقي الماجري الأضواء بمسلسله الجديد «هدوء نسبي» الذي تبثه عدة قنوات عربية من بينها نسمة والمحور وأوسكار دراما. هذا المسلسل اختار له شوقي الماجري موضوعا مثيرا للجدل لأنه يصور لحظة فارقة في تاريخ العرب الحديث لا تقلّ ألما عن ضياع فلسطين في القرن الماضي فصدمة سقوط النظام العراقي بفعل الاحتلال والتآمر الداخلي والخارجي العربي وغير العربي مازال العقل العربي لم يستوعبها لأنه لا أحد كان يصدّق أن الاستعمار البريطاني والأمريكي سيعود الى المنطقة بعد أن رحل تحت وطأة المقاومة العربية في منتصف القرن الماضي؟ الموضوع الذي اختاره الماجري شائك ووجهات النظر فيه متعددة وقد اختار كاتب السيناريو وجهة نظر غير بعيدة عن وجهة النظر الرسمية أوعلى الأقل وجهة نظر عدد من الأنظمة العربية التي لم ترفض إسقاط النظام العراقي عن طريق الجيش الأمريكي والبريطاني مع تحفّظ على الاحتلال يعني وكأنّ المسلسل يصور خيبة أمل كل الذين حلموا بعراق ديمقراطي تعددي بلا عمائم ولا طوائف ولا حرب أهلية دون أن يدركوا أن الاحتلال لا يمكن أن يحمل معه إلا الخراب والدمار والقتل والتشريد وإلا لما سمّي احتلالا، فهل هناك احتلال واحد في التاريخ الانساني فعل خلاف ما يفعله الأمريكيون والبريطانيون في العراق وهل يعني الاحتلال شيئا آخر خلاف الدمار والتخريب والابادة؟ وجهة نظر مسلسل «هدوء نسبي» في الحقيقة لم يختلف في رؤيته عن رؤية جانب من المثقفين العرب والنخب العربية التي كانت ترى أنه لا بدّ من سقوط النظام العراقي لإحلال الديمقراطية في المنطقة العربية لكن لا يعني ذلك الاشادة بفضائل الاحتلال، فالمسلسل يفضح جرائم الاحتلال الذي دمّر العراق ولم يحقق شيئا مما وعد به كما يكشف عن ولادة المقاومة الشعبية من رحم السقوط والهزيمة الى جانب العنف والوحشية التي يمارسها الجنود العراقيون وأنصارهم منذ 9 أفريل 2003 في العراق. فالحصيلة التي يقدمها المسلسل للاحتلال حصيلة سلبية كما يكشف عن معاناة العراقيين تحت وطأة الاحتلال لكن في المقابل تضمّن المسلسل ايحاءات تدين النظام العراقي السابق بل فيه حتى شيء من التحامل كما تجاهل المسلسل أنصار النظام السابق الذين وقفوا ضد العدوان وقاوموا الى آخر لحظة لكن المسلسل تجاهل هذه المقاومة وصوّر النظام السابق في صورة نظام معزول. إن تقييم المرحلة التي سبقت الاحتلال ليس مهما الآن في اعتقادي لأن الحدث الأكثر مأساوية هو الاحتلال وهذا هو الأمر الواقع وبالتالي ما جدوى إدانة النظام السابق الذي بلا شك كانت له أخطاء أمام هول فاجعة الاحتلال فكأنّ المسلسل صورة لخيبة الأمل في المحتل وهي الخيبة التي أصابت العديد من الحالمين بالجنّة الأمريكية من العراقيين وغير العراقيين! نضج فنّي المسلسل في جانبه الفني أثبت النضج الفني للمخرج شوقي الماجري الذي قدّم مسلسلا ضخما بمواصفات عالمية من خلال المعارك والمواجهات العسكرية واعتماد ممثلين من جنسيات مختلفة ولغات متعددة دون أن يغفل عن الحياة اليومية في تفاصيلها الصغيرة وحكايات الحب التي تنبت بين زخّات الرصاص دون أن ننسى إبداع الممثل السوري عابد فهد في أداء دور ناجي شرف الدين بعد أدواره الرائعة في «الزير سالم» و«دعاة على أبواب جهنّم» و«الطريق الى كابل». مسلسل «هدوء نسبي» تأكيد آخر على نجاح هذا المخرج الذي أثبت مرة أخرى قدرته على صنع الحدث في كل رمضان حتى أصبح الجواد الرابح لأكبر شركات الانتاج العربية التي تتنافس على الفوز بعقود معه في حين مازال هذا النجاح لم يصل الى مؤسسة التلفزة التونسية التي لا ندري متى ستنتبه لضرورة الاستفادة من نجاح هذا المخرج التونسي الكبير.