مثقلة الخواطر... مهمومة البال... شاردة الفكر... سارت خطوات الى الأمام قبل أن تقف الى الحائط مستندة الى ذاك الحاجز الحديدي أمسكته بيدها الخشنة ورفعت عينيها مسرعة الى السماء قبل أن تخطو خطوات جديدة الى الأمام مغادرة مقر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي متمتمة بكلمات مبهمة متسائلة... لم يكن العيد على الأبواب هو المشكل ولا العودة المدرسية ولا مصاريف الشهر الكريم... كانت مأساة السيدة خديجة أكبر بكثير... بعد سنوات طويلة بلغت حدود 20 عاما من العمل اكتشفت أنها اليوم قانونيا لا يحق لها التمتع بجراية التقاعد. خديجة التي التحقت بركب عملة التنظيف منذ حوالي 15 عاما... ورغم انخراطها في منظومة الصندوق واقتطاع جزء من مرتبها الصغير 90 دينارا... خسرت حلم التمتع ولو بجراية تقاعدية لأن مؤجرها كان يعلن عنها ضمن منظومة العمل لأقل من 5 ساعات، والتي لا يتمتع صاحبها بحقه في التقاعد. عاملات التنظيف... جزء من المنظومة... ككل... نحتاج اليهن بل إن وجودهن ركيزة أساسية داخل المؤسسات والوزارات والادارات، إلا أنهن مهضومات الحق والجانب... وشقاؤهن بيد السماسرة وأحلامهن موؤودة بتواطؤ مكشوف بين البائع والشاري... لكن مستقبلهن يمكن له أن يشعّ ببصيص أمل مع إصرار اتحاد الشغل اليوم (الجامعة العامة للمهن والخدمات) على الدخول كطرف ثالث بين الشركة المناولة والمؤسسة المستفيدة لتنظيم القطاع وتحيين بعض الفصول الجامدة التي بقيت عالقة منذ أكثر من 3 عقود من الزمن بمجلة الشغل والتي أضحت الشماعة التي يعلق عليها الكثير من السماسرة تجارتهم غير المشروعة بغطاء القانون». ... عاملات التنظيف كلهن دون استثناء باعتبار أنهن يخضعن جميعهن الى العمل ضمن منظومة شركات المناولة... حالهن كحال خديجة أغلبهن يعملن بنظام أقل من 5 ساعات في اليوم الواحد وأغلبيتهن لا تتجاوز مدة عملهن الساعتين... ويكون أجرهن هنا بنظام الساعة على حساب الأجر الادنى العام (SMIG) و48 ساعة عمل أي أن الساعة الواحدة إذا ما تم جمع تكلفتها على النحو التالي: 1) الأجر الاساسي الساعوي. 2) المنحة الاضافية المؤقتة. 3) منحة الحضور. 4) منحة النقل. 5) أيام العطل خالصة الأجر (9 أيام). 6) الراحة السنوية خالصة الاجر (12 يوما). 7) المساهمة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. 8) التأمين ضد حوادث الشغل والامراض المهنية. 9) الأداء على التكوين المهني. 10) المساهمة لمدة في صندوق النهوض بالسكن الاجتماعي. وبعد جمع كل هذه الاعتبارات بعد قسمتها على معلوم الأجر الشهري الأدنى (SMIG) على 48 ساعة عمل نجد أن عاملة التنظيف لا يمكن أن يتجاوز سعر الساعة من العمل لديها 1500 مليم وبالتالي فإن مرتبها الشهري سيكون محسوما بحوالي 3 دينارات لليوم الواحد، مع عدم اعتبار أيام العطل والراحة والأحد ودون الأخذ بعين الاعتبار اقتطاع معلوم الانخراط في الضمان الاجتماعي. تواطؤ نسبي هذه الوضعية اعتبرها السيد منجي عبد الرحيم كاتب عام جامعة المهن والخدمات أنها سمسرة باليد العاملة وأن الفصول النائمة لمجلة الشغل وراء تشجيع شركات المناولة للتحيل تحت غطاء قانوني وانتهاك لحقوق النساء العاملات بهذا القطاع وهو الدافع اليوم للحثّ رسميا على تطوير هذه الفصول حتى تتماشى مع التغيّرات التي تشهدها البلاد ويضيف السيد المنجي موضحا المسألة برمتها: «انه موضوع كبير فعلا.. عمّال الخدمات وخاصة التنظيف قطاع مهمل لم يقع العناية به ولا الاهتمام بشواغله كقطاع له مميزاته فهن يحتجن الى من يسمع كلمتهن في غياب قطاع بوحدهن الا من خلال الجامعة العامة للمهن والخدمات. الاتحاد لم يطالب بالمستحيل فقط سنسعى لتنقيح بعض الفصول القانونية من مجلة الشغل والتي تتطلب تطويرا بأن نأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي تقع بالبلاد على مستوى الأمور الشغيلة.. إذ ان شركات المناولة استغلت الفراغ القانوني التشريعي لعملة التنظيف ولوقت جزئي واستغلته بطريقتها. اتفاقية مشتركة لعمال النظافة يسكت محدثنا لحظات قبل ان يضيف: «الفصل 28 و29 من مجلة الشغل كذلك الفصل 30 لم يقع تنقيحه منذ خروج مجلة الشغل الى النور في عام 1966.. ولم تقع مراجعتها رغم تغيّر الأنماط الاقتصادية وظروف العمل. ويوم 7 أكتوبر سيكون يوما حافلا فهو يوم عالمي من أجل عمل لائق سنحاول من خلاله إبراز معاناة هذا القطاع وظروف عمله غير اللائقة من اجل اتفاقية مشتركة لأعوان النظافة تضمن التغطية الاجتماعية وبطاقة خلاص قانونية.. وذلك من خلال مراجعة قانون 33/60 الخاص بنظام جرايات العجز والشيخوخة.. كذلك الفصل 2 من الأمر عدد 499 لسنة 74 حتى يتسنى لعاملات التنظيف التمتع بحقوقهن المهضومة». كراس الشروط تدفع المرأة فاتورتها وحول العمل بكراس الشروط المتداول اليوم بين المؤسسات العمومية والخاصة وبين شركات المناولة قال عنه «السيد منجي عبد الرحيم» انه كراس يخدم مصلحة طرفين دون ثالث المؤسسة المستفيدة من عمل اشخاص لا تجبر على ترسيمهم وشركة المناولة التي تمارس عملية السمسرة باليد العاملة.. تواطؤ الطرفين تدفع فاتورته عاملة التنظيف التي تعمل على حساب نظام دون 5 ساعات وبالتالي لا يحق لها التمتع بجراية التقاعد رغم انخراطها بالصندوق فتعيش محرومة من حقها وهي تعمل متقاعدة أيضا. لذا نحن نسعى الى ترميم ما يمكن اصلاحه من خلال مطالبنا سواء من خلال عملية ادماج مباشر في القطاع العمومي كالقطاع الصحي لأن التنظيف جزء من المنظومة الصحية وكذلك من خلال تحيين الفصول القانونية المتعلقة بهذا الأمر. ودخول الاتحاد كطرف مراقب لهذه الصفقات التي يصل فيها الأمر ببعض أصحابها من الشركات المناولة الى ادراج رقم 0 في خانة الأرباح ورغم ذلك فإنه يفوز بالصفقة وهنا يكون هامش ربحه من عرق العامل، حيث يكمن التحيّل برمته. وختم السيد المنجي تصريحه بالقول: « إحداث الاتفاقية المشتركة.. متابعة كراس الشروط بقاؤنا كممثلين فاعلين لهذا القطاع المهمش من خلال ممثلين عن الاتحاد لدى هذه المؤسسات هو من أول اهتماماتنا المستقبلية.. سيكون يوم 7 أكتوبر القادم يوما فاعلا لهؤلاء حتى يصل صوتهم ولنحميهم فقد كان الاهتمام كليا موجها نحو القطاع العام نسينا في خضمه القطاع الخاص.. وعاملات التنظيف يستحققن فرصا أكبر مما هن عليه الآن.