تونس الصباح منذ سنوات، ظهرت للوجود عديد المكاتب المختصة في الوساطة في التشغيل وخاصة تشغيل المعينات المنزلية وأعوان النظافة والحراسة وغيرها في شكل مناولة... ولم يخضع هذا القطاع لايّ تنظيم قانوني ولم تتناوله سوى بعض المناشير الصّادرة عن الوزارة الاولى منذ سنوات قبل أن يتم استحداث كرّاس شروط نموذجيّة خاصة بالصّفقات العموميّة في اطار خدمات التنظيف، وهو كراس لا يلزم سوى شركات الخدمات العامة التي توفّر يدا عاملة أو مواد تنظيف للمؤسّسات العموميّة ولا تنسحب على وكالات العمل الوقتي التي احتلت السوق واصبحت تتصرف في اليد العاملة في اطار مناولات دون رقيب. وهذا الكراس غير المضبوط بالدقة الكافية، فسح المجال لقيام مكاتب الوساطة في التشغيل خاصة ان إحداث هذا النوع من المشاريع لا يتطلب سوى الترسيم بالسّجلّ التجاري بالنسبة الى شركات المناولة، أو الترخيص من الوكالة الوطنيّة للصّناعة بالنسبة إلى وكالات العمل الوقتي، أمّا أساليب العمل وصيغ التعاقد وتحديد هوامش الربح فتبقى خاضعة لارادة هذه الشركات. فراغ تشريعي واطاري هذا الفراغ التشريعي والاطاري الذي يرافق هذه المكاتب، أوجد عديد الخروقات والتجاوزات، خاصة فيما يتعلق بالاجور التي يحصل عليها العملة والاعوان والتي تكون زهيدة جدا مقارنة بالعمولات التي تحصل عليها مكاتب الوساطة. كما أن مشكلة التأمين والتغطية الاجتماعية ظهرت الى العلن خاصة في الحالات الطارئة والحوادث التي يتعرض لها العملة. وأمام تفشي ظاهرة الوساطة في التشغيل وما يصاحبها من مشاكل، بادرت وزارتا الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج والتشغيل والادماج المهني للشباب منذ مدة بالتدخل معبرة عن موقفها من وجود بعض المؤسّسات الناشطة في مجال الوساطة في انتداب اليد العاملة وخاصة المعينات المنزلية بصفة غير قانونية. وأكدت الوزارتان على أن نشاط بعض هذه المؤسسات مخالف لاحكام الفصول 280 و284 و285 من مجلة الشغل وبالتالي يمنع على هذه الشركات النشاط رغم انها تعمل في العلن وتشهر نشاطها وتستعمل وسائل الاعلام للاعلان عن انشطتها وحاجياتها من اليد العاملة. وذكرت الوزارتان أن المصالح العمومية للتشغيل المتمثّلة في مكاتب التشغيل التابعة للوكالة التونسية للتشغيل والعمل المستقل هي المخوّل لها قانونيا ووحدها إسداء الخدمات المتعلّقة بمعالجة طلبات وعروض الشغل. ويذكر أن مجلة الشغل نصت في فصلها 287 على عقوبات مالية ضد كلّ من يخالف الاجراءات المنصوص عليها بالفصول المذكورة أعلاه. زيادة على ذلك فان "المُتعاقدين" - ان كانت لهم عقود أصلا - مع شركات المناولة ينحدرون بالاساس من طبقة اجتماعية متواضعة تعاني الفقر ومستواهم التعليمي محدود جدّا وهو ما يجعلهم يقبلون بالعمل في ظروف سيئة ويقبلون بالاستغلال في الجهد والمال حيث غالبا ما تكون ساعات عملهم غير مُحدّدة وتتجاوز بكثير الساعات المضبوطة بالقانون.كما يحرمون من جل الامتيازات على غرار منح الساعات الاضافية و ساعات العمل الليلي او منح الانتاج...وغالبا ما تكون أجورهم دون مستوى الاجر الادنى المضمون الى جانب عدم تمتعهم بالتغطية الاجتماعية والتأمين. ويقدر عدد اليد العاملة في قطاع المناولة اليوم حسب الجامعة العامة للمهن والخدمات بحوالي 34 ألف عاملة تنظيف و23 ألف عامل في قطاع الحراسة وقرابة ال10 آلاف عامل في قطاع النظافة. تجاوز للمهام المضبوطة وبخصوص هذه الظاهرة والتجاوزات القانونية العديدة وانعدام الردع افادنا مصدر من التفقديّة العامة للشغل أنّ وكالات التوسّط في تشغيل اليد العاملة تنقسم الى صنفين من شركات الخدمات العامة وهي حاصلة على ترخيص وتختصّ بتوفير اليد العاملة للمؤسّسات العموميّة ولكن بعض هذه اللشركات تتجاوز مهامها المضبوطة والقانونية الى مهام اخرى غير قانونية وتتمثل في التوسّط لتزويد الخواص بمعينات منزليّة يعملن بصفة مؤقّتة عبر اعلانات الصحف. ونجد كذلك وكالات العمل الوقتي وهي مكاتب وسطاء التشغيل بصفة وقتيّة تختص في تشغيل المعينات المنزليّة. واضاف مصدرنا أنه من الصّعب مراقبة هذه الوكالات او الشركات باعتبار ان اغلبها ليس سوى سماسرة، وسيلة عملهم الوحيدة كاتبة تتولى نشر الاعلانات في الصحف وتتلقى الردود والعروض وغالبا ما ينتقل هؤلاء من مكان الى آخر لذلك يصعب تتبعهم ومساءلتهم وردعهم ان اقتضى الامر. قلق جامعة المهن أمّا جامعة المهن والخدمات فقد عبرت ل"الصباح" على لسان كاتبها العام السيد منجي عبد الرحيم عن قلقها من انتشار ظاهرة المناولة والسمسرة في اليد العاملة وأكّدت أنّها تعمل بشكل شبه يومي ومنذ سنة 1993 للدفاع عن العملة في قطاع المناولة وايجاد حلول جذرية تعوض بعض الحلول التي تجدها الوزارة الاولى وظلت غير كافية خاصة ان المناولة لا تستفيد منها لا الدولة عبر الاداءات ولا صندوق الضمان الاجتماعي ولا الاقتصاد. وقد نظّمت الجامعة عديد التظاهرات الاحتجاجيّة وأطّرت جملة من الاضرابات التي خاضها عملة التنظيف والحراسة. لكن المشكل الاكبر الذي تعانيه الجامعة يتمثل في بعض او كل العقود التي يتم ابرامها بين الاطراف المعنية وخاصة منها الجانب الذي يمس بالعمّال وهي عقود تشرع احيانا للطرد والاستغلال المادي والمعنوي. واكد السيد منجي عبد الرحيم ان كراس الشروط الخاصة باعوان التنظيف تعد بدورها مشكلا كبيرا خاصة ان اتحاد الشغل لم يستشر ولم يشارك في اعدادها كما أنه لا يشارك اليوم في المفاوضات حول انجاز كراس الشروط الجديدة. واعترف محدثنا بصعوبة تحرك الجامعة ضدّ وسطاء تشغيل المعينات المنزليّة نظرا للطبيعة الضّبابيّة والصفة المشبوهة لهذه الوكالات. وعبر السيد عبد الرحيم عن استغرابه من سماح بعض المؤسسات الصحفية بنشر اعلانات عروض دون التحري في مصداقيّتها ومن يقف وراءها. وختم السيد منجي عبد الرحيم حديثه بضرورة "مراجعة موقف تونس من الاتفاقية الدولية عدد 181 والتي ساندنا من قبل عدم المصادقة عليها واليوم نطالب بتغيير هذا الموقف بعد ان تغيرت بنودها نحو الافضل".