في اطار «منتدى الذاكرة الوطنية» الذي انتظم مؤخرا قدم السيد الباجي قائد السبسي وزير الخارجية التونسية الأسبق فحوى رسالة بعث بها الزعيم الحبيب بورقيبة الى القادة العرب إبّان الخلاف الذي جدّ خلال الجلسة العامة لقمة فاس الأولى (سبتمبر 1981) والذي جعل عدم حصول الاجماع العربي حول مبادرة السلام التي قدمها الملك فهد يؤجل القمة الى موعد ثان (7 فيفري 1982) ويشير السيد قائد السبسي الى أنه كان لهذه الرسالة وقع كبير على نفوس القادة وساهمت في ابراز روح المشروع التونسي الذي قدم خلال القمة المشار إليها والذي أفضى الى وفاق عربي وتعديل فقرات من «مبادرة الملك فهد». عرض : خالدالحدّاد يقول الحبيب بورقيبة: «أيها الأشقاء الأجلاء، كم كنت أودّ أن أحضر اجتماعكم شخصيا لولا أن الظروف الصحية حالت دون ذلك على أنني أتابع أعمالكم وأشاطركم جهودكم بروحي وعقلي وأنا الذي لم أنقطع يوما عن التفكير في العالم العربي ومصيره ولا عن الاهتمام بمآل قضيتنا الرئيسية الفلسطينية بل جعلت منها ديدن حياتي وقطب مشاغلي.. و يواصل: «لقد بلغت اليوم من الكبر عتيا وخبرت الناس والأحداث وعرفت من الدنيا يسرها وعسرها، ولقد منّ اللّه عليّ بأن حباني عقلا وحسّا لم يخذلاني أبدا وأنعم عليّ بأن كشف عن صواب رأيي وأسعدني في جهادي بما لا يسعني أن أرجو بعده فوزا أعظم وأبقى اذ حرّرت بلادي وأىقظت شعبي ومهدت لوطني أسباب المناعة والبقاء، ولقد بلغت كل ما أردت ولم تبق في نفسي إلا حسرة واحدة آمل التفريج عنها وهي محنة فلسطين ومحنة العرب في فلسطين. وفي حديثه عن القضية الفلسطينية يقول الزعيم بورقيبة: «وفي رأيي ان عناصر الأزمة تجمعت وتصعدت الى مستوى لا قدرة لأحد على تحمل أكثر منه. ولا يعقل والحال هذه أن تسير المشكلة إلا في طريق التحرك والتطور، ويرجع الفضل في انضاج القضية خاصة الى اخواننا الفلسطينيين الذين صمدوا وثبتوا ورضوا بالشهادة الكبرى والى منظمة التحرير الفلسطينية التي عوّلت على نفسها أساسا والى قائدها أخينا المجاهد ياسر عرفات الذي لمّ شملها وأحكم توجيهها ونفخ فيها من عزيمته وإيمانه. وظرف القضية اليوم أدق وأخطر، إذ المنزلق سهل، فإما تحرّك نحو ساحل النجاة، وإما لا قدّر اللّه تدهور لا تسبر أغواره وأشباه حلول تفرض علينا ولا قبل لنا بردّها خاصة أننا «منينا بعدو» ماكر عنيد لم يغلبنا بكثرة عدده ووفرة ماله وإنما بعلمه ودهائه وبوحدته ومضائه. ففكروا طويلا قبل القرار وتمعنوا قبل الاختيار وجنّبوا العاطفة ووقوف المواقف المتطرفة التي تغوي ولا تجدي، واعلموا أن من الحلول ما لا يرضي في الحال ولكنه يفتح باب المستقبل ومن الحكمة أن لا نرفضها وأن نداري ظروفها شريطة المحافظة على المبدإ ووضوح الهدف وثبات العزيمة على السير قدما وبتعقل نحو المراحل الموالية، ولا تكثروا الخصوم على أنفسكم فيقوى جانب عدوكم، وما سبقتنا اسرائيل إلا بما حشدته من عطف على قضيتها فتناسوا الخلافات ووحّدوا الصفوف ورجّحوا الأهم على المهم، ولا تنسوا أن مصيرنا واحد وأن الذي يجمع بيننا أعظم وأهم وهو الذي يوفّر حصانتنا ويمتّن هيبتنا». ويذكّر بمواقفه في خطاب أريحا الشهير قائلا: «ولقد دعوتكم منذ عشرين سنة الى قبول الشرعية الدولية والتمسك بها أساسا لحل القضية الفلسطينية وشهدتم اليوم أنها المدخل الأنجع. فتأملوا جيدا في ذلك وانظروا في ما جاء بعدها من مشاريع تنطوي كلها أو بعضها على ما يتماشى ومصلحتنا، واغتنموا الفرصة فهي سانحة وابحثوا لكم عن طريقة توفر تبنّي المجموعة الدولية لرأيكم وتلزمها بضمان تنفيذه، واصبروا وصابروا، واجمعوا لأنفسكم ما يعزز ساعدكم وحجتكم». وينهي بورقيبة خطابه قائلا: «أيها الأشقاء الأجلاء هذه نصيحتي أسديها خالصة لوجه اللّه وحبّا فيكم وخدمة لمصلحة فلسطين ومصلحة العرب، واني لا أملي عليكم أمرا ما عاذ اللّه أو ألقي توجيها وإنما هو النصح ما استطعت والتواصي بالخير والمرحمة». وأشار السيد الباجي قائد السبسي ل»الشروق» أن الرسالة التاريخية التي ساهمت في تغيير مجرى التعامل العربي مع قضيتهم الأم في فلسطين قد خطها السيد الطيب السحباني بعد أن ألحّ هو شخصيا على تحريرها وتوجيهها الى الملوك والرؤساء العرب في مسعى للتوفيق بينهم وتجاوز الاشكاليات التي علقت ب»المبادرة السعودية حول قضية السلام على الكيان الاسرائيلي».