استمرت مذاهب الزيدية والاسماعيلية والجعافرة والإباضية وكانت تختلف اختلافا في الفروع عن جملة المذاهب الأربعة بمثل ما تختلف به المذاهب الأربعة بعضها عن بعض، او أكثر من ذلك او أقل. ولكن الامر الذي كان يبرز أن هذا سني وأن هذا غير سنّي إنما هو المنهج الاستدلالي، فقول الشيعة بالعصمة الذي ذهب متدرّجا على قدر من الغلو من الزيدية وهم اقرب الشيعة الى السنة الى الجعافرة الى الاسماعيلية الذين هم اتمهم غلوا والذين بلغوا في درجة القول بالعصمة الى ان انتهوا الى شيء يشبه القول باستمرار الوحي. حتى تولدت بذلك من البيئة الاسماعيلية المذاهب التي انحرفت عن الاسلام أكثر مما انحرف الاسماعيليون من امثال البهائية والقاديانية. وبقي المذهب الإباضي، ولا سيما في البلاد التي هو منتشر فيها والتي يعيش فيها الى جنب المذهب المالكي كما هو الشأن في المغرب العربي، في الجزائر وفي البلاد التونسية وفي البلاد الليبية، او الى جنب المذهب الشافعي كما هو الشأن في بلاد افريقية الشرقية او في بلاد عمان، بقي الإباضي يتميّز عن الآخرين باختلاطهم واختلافهم بكلمة سنّي وغير سنّي، باعتباره كما يقول أهل تونس «خامسيا» يعني خارجا عن المذاهب الاربعة، ولذلك فإن المذاهب الاربعة إنما تعتبر متقاربة ومتحدة باعتبار الأصول الاعتقادية وإذا كانت الناحية الايجابية في مقابلة ما بين بعضها وبعض قد تبرز نوعا من الانحراف، فإن مقابلتها في الاصول الأخرى المجمع بين المذاهب الاربعة، على إنكارها ومجازفاتها هو الذي يبرز وحدة المذاهب الاربعة مؤكدة. وبقي المعنى المنهجي الذي يرجعون اليه في وحدتهم باعتبار اصول الفقه، اي باعتبار المناهج الاستدلالية، متأكدا من حيث ان الأثري منهم لا يستطيع ان ينكر على النظري نظره، ولا ان النظري لا يمكن ان يستطيع ان ينكر على الأثري أثره، وإنما كل واحد على ان كل عنصر من العنصرين هو لازم، وأن العبرة إنما هي في نسبة التقدير، وأن كل من أعمل الأثر لم يخرج به ذلك عن السنّة، وأن كل من أعمل النظر لم يدخله ذلك في البدعة. وبهذا ينبغي ان ينظر الى المذاهب الاربعة باعتبار الوحدة المحكمة فيما بينها وان كان المسلمون جميعا وحدة، وإن كانت الوحدة متجلية او التجديد متجليا. وينبغي ان تزيد تجليا فيما بينهم وبين المذاهب الأخرى الا الذين خرجوا عن حدود الاسلام. فإن اول تمهيد لتقريب المذاهب، ولبيان الوحدة الاسلامية الحقيقية إنما هو بيان الوحدة التي بين هذه المذاهب الاربعة التي هي مذاهب الأغلبية من المسلمين، والتي أقيمت على اصل لا مجال للقدح فيه من أتباع مذهب في اتباع مذهب آخر، لأن المباني متحدة وإنما اختلف التصويب النسبي فيما بين بعضها وبعض. ثم تأتي المذاهب الأخرى بعد ذلك متعاقبة على نسبة بعدها وقربها، وكلها تجمعها كلمة الاسلام، وتجمعها النسبة الى القبلة، إلا المذاهب التي خرجت عن الوحدة الاسلامية جهارا بادعائها استمرار الوحي، وبادعائها نسخ التشريع بناء على انها أنكرت أن الاسلام شريعة معصومة وأنه شريعة خاتمة. ولذلك فإن معنى الاتحاد والتقارب الذي بين المذاهب الاربعة إنما هو معنى لم يزل جليا متأصلا في نفوس المسلمين بامتناع اتباع كل مذهب من القدح في اتباع المذهب الآخر، وأن ما جاز فعليا وعمليا من قدح بعض المذاهب غير السنية في المذاهب السنية، وربط السنيين ذلك بمثله او اقل منه، هو الذي ينبغي ان يزول بالنظر الى وحدة كلمة الاسلام، والى المجال المتسع للاختلاف الاجتهادي مع ان هذا ينبغي ان يحمل على كل من الطرفين وان لا يحمل على شق واحد كما تتجه الى ذلك بعض الاتجاهات.