القاهرة الشروق متابعة حبيبة عبد السلام أكد وزير الثقافة المصري فاروق حسني أن اللوبى الصهيوني والدور الأمريكي والأوروبي كانت وراء خسارته في انتخابات منصب مدير عام منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو». وكشف أبعاد المؤامرة وكل التفاصيل والتكتلات المشبوهة التى أدارها السفير الأمريكي في اليونسكو ووصلت الى قمتها بالاتصالات المكثفة التي أجرتها واشنطن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وفاروق حسني الذي عاد إلى مصر مجددا، ليواصل دوره رافضا الاستسلام ومتجاوزا كل محاولات جره إلى معارك فرعية، رفض الرد على الشامتين الذين يقفون في ذات الخندق مع الذين تآمروا وسعوا إلى اسقاطه ليس بسبب مواقفه كما يدعون ولكن كراهية في الجنوب والعرب والمسلمين. وفي حواره مع الكاتب مصطفى بكري رئيس تحرير «الأسبوع» ومدير قناة الساعة أمس جدد فاروق حسني تأكيده أن العالم كله أصبح أمام الحقيقة العارية وأن العنصرية لا تزال هي التي تحكم ثقافة الآخر الذي يصر على ضرب كل جذور التواصل مع الجنوب، ويسعى الى استمرار اخضاعه لسطوته وثقافته وجبروته وفي ما يلي مقتطفات من الحوار ... هل تشعر أن هناك خيانة قد حدثت في اللحظات الأخيرة؟ بالقطع، هذا مؤكد لقد كنت منذ الجولة الأولى أقوى المرشحين لقد حصلت في هذه الجولة على 22 صوتا، بينما حصلت المرشحة البلغارية على 8 أصوات، والبقية لم يزد أي منها على ذلك لقد سيسوا الانتخابات منذ البداية وجهوا ادعاءات كاذبة ،سخروا الاعلام الذي تعهد بنشر الأكاذيب خرجت احدى الصحف الفرنسية الكبرى وعلى صفحتها الأولى صورة كبيرة لي وأسفلها كتبت «الرجل الذي يريد أن يحرق الكتب» كانت حملة شرسة وظالمة وكاذبة، لم أشعر أنني مرشح ضد مرشح، بل أدركت أن هناك دولا تحاربني، ولا تريد للمرشح المصري العربي الجنوبي أن ينجح. اقتربت من الفوز وفجأة صعدت المرشحة البرتغالية لتصل الى 29 صوتا في مواجهة 29 صوتا، ثم في الجولة الخامسة والأخيرة فقدت صوتين وفازت هي ب31 مقابل 27 صوتا، من أين جاءت الخيانة؟ المؤامرة أكبر مما تتصور، والمعركة في مرحلتها الأخيرة وكانت تدار من نيويورك وهنا أتوقف أمام ما نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية صباح الاربعاء الماضي من أن الدولتين اللتين سحبتا تأييدهما في الجولة الأخيرة هما فرنسا وايطاليا وليست لدي معلومات مؤكدة في ذلك، ولكن هذا هو ما نشرته واحدة من أهم الصحف الفرنسية. اتهموك بالعداء للسامية، وروجوا هذه الاتهامات وكان لها دور في المعركة ضدك؟ ليس الأمر كذلك فقط القضية أكبر من كل ذلك، انهم لا يريدون جنوبيا، خاضوا حربا عنصرية وضربوا بكل شعاراتهم عرض الحائط، عن اي ديمقراطية يتحدثون؟ وعن اي حقوق انسان؟ لقد أثبتوا ان حقدهم علني ودفين، انهم عنصريون حتى النهاية. وكثيرون منهم أصروا على ان يصموا آذانهم عن سماع الحقيقة وانصاعوا لأكاذيب وأطروحات المندوب الامريكي الذي عقد اجتماعين مع السفراء الاوروبيين في المنظمة يوم الانتخابات في الجولة الخامسة، كانت أكاذيبهم تتردد في الاعلام صباح مساء، بشكل لم أكن أتصوره. اتهموك ايضا، بأنك تمارس الرقابة على الأفكار وتصادر الكتب، بل وتحرقها! لقد رددت على ذلك في تصريحاتي، وفي خطابي أمام اليونسكو، لم يقرؤوا مواقفي جيدا، لقد سمحت بنشر رواية «وليمة لأعشاب البحر»، رغم المعارضة الشديدة وخروج تظاهرات عارمة تندد بي، بل وتستبيح دمي، ووافقت على منح د. سيد القمني جائزة الدولة رغم أنني كنت أدرك ردود الفعل الرافضة، وقررت عودة مجلة ابداع ورفضت مبدأ المصادرة، هكذا أنا أؤمن بحرية الفكر والثقافة والاعتقاد. كانت الدعاية التي يقيمونها مغلوطة ورخيصة، وفي المقابل رفضوا نشر اي مقالات للدفاع عني، بل إن أحد الصحفيين الايطاليين المرموقين حاول كتابة مقال في صحيفة ايطالية شهيرة، تحدث فيه عن تجربة ترميم المعابد التي تمت في مصر الا انهم رفضوا نشره، ليؤكدوا بذلك ان النية مبيتة، وان اللوبي الصهيوني كان هو المتحكم في الاعلام والصحافة، ولذلك عندما كانوا يقولون لي أنت متهم بمعاداة السامية، وستقوم بمهمة الرقيب في اليونسكو اذا ما انتخبت كنت أقول لهم: إن نصف العالم قد انتخبني وهذا أبلغ دليل على كذب هذه الادعاءات. الكيان الصهيوني يعتبر ان المرحلة القادمة في اليونسكو هي مرحلة تسجيل القدس كأثر صهيوني، بعد ان جرى تغيير واقعها فعليا، هل تعتقد ان الاطاحة بكم جزء من هذا المخطط؟ نعم لقد قلت منذ البداية ان تهمة حرق الكتب اليهودية ومعاداة السامية هي ستار لأشياء أخرى، وقضية القدس والموقف منها هي واحدة من اهم هذه القضايا، انظر الى «الايميلات» التي وصلت الي منذ اعلان خسارتي، أغلبها جاء من تل أبيب، أحدها يقول: «نحن سعداء جدا أنك لم تنجح وسعداء أنك التزمت بيتكم، عليك ان تعمل أكثر وأكثر لكي تستطيع حرق المزيد من الكتب اليهودية، أنت انسان من بقايا الماضي». اذن هذه هي لغتهم : شماتة وأكاذيب وادعاءات انهم يكنون حقدا أسود لكل صاحب فكر او رأي. البعض قال أن هذا الموقف مرتبط فقط بفاروق حسني ومواقفه.. أم هو موجه وضد العرب وضد الجنوب عامة؟! هم استندوا بادعاءاتهم الى حقائق مغلوطة حولي وحول مواقفي، أخذوها حجة،وعندما راحوا يقولون هاتوا شخصا مصريا آخر ونحن نقبله، فقد كانوا يعرفون ان مصر لن تخضع لأي املاءات، وكنا ندرك في الوقت ذاته ان كل ذلك مجرد أكاذيب وان القضية بالنسبة إليهم اكبر من فاروق حسني، انهم لا يريدون الا أنفسهم. قالوا : إنك معاد للتطبيع معهم؟ عليهم ان يبحثوا عن شخص على مقاسهم، ويبحثوا عن التطبيع مع اي شخص آخر، أما أنا فموقفي واضح، لا تطبيع الا بعد تحقيق السلام الشامل والعادل.. أما عن مواقفي المبدئية فلا مزايدة عليها، ان مثل هذه الرسائل التي بعثوا بها الينا تنم عن كره عنيف، وحقد أسود مرير... أين التسامح الذي يتحدثون عنه أين السلام الذي يسعون اليه، انها أكاذيب وأوهام، والوقائع أثبتت ذلك. إذن، القضية بالنسبة إليهم أنك مرشح عربي مسلم جنوبي! نعم هذه هي الحقيقة.. مهما ادعوا ومهما قالوا الحرب التي شنوها ضدي كانت نتاج تآمر وأكاذيب، لقد نسي هؤلاء أننا نحن الذين رسخنا قيم السلام والتسامح والحضارة، لكنهم لا يزالون عند أفكارهم البالية ان الشمال هو الذي حكم الجنوب، وأن الجنوب يجب ان يبقى خاضعا للشمال، لقد كانوا يرتعدون خوفا من نجاح مرشح عربي مسلم جنوبي وتولي هذا المنصب المهم كمدير عام لليونسكو. هل يؤجج الموقف الذي اتخذ ضدك الصراع بين الشمال والجنوب؟ وهل يعني ذلك ان المشروع الذي تتبناه فرنسا للحوار بين الجانبين سوف يلفظ أنفاسه الأخيرة؟ لقد وقف العالم عاريا امام نفسه وثبت ان الحوار مجرد وهم وأن أمامهم فاتورة كبرى يجب ان يسددوها لمحو هذه الصورة الذهنية التي علقت في ذاكرة أبناء الجنوب. لماذا لم توظف احدى شركات الدعاية الكبرى؟ يؤسفني القول ان كافة شركات الدعاية الكبرى في فرنسا رفضت القيام بهذه المهمة، بالقطع الأمر لا يخلو من ضغوط واغراءات كان يمارسها اللوبي اليهودي، ومع ذلك خضت والفريق الذي كان معي حربا إعلامية كبرى لتوضيح الحقائق ولم تزد هذه الحملة عن 24 ألف أورو، في حين حصلت شركات الدعاية من بعض المرشحين الآخرين على الملايين.. هل أنت نادم على خوض هذه التجربة؟! بالقطع لست نادما، صحيح انني منذ بداية خدمتي لهذه المعركة اعتراني شعور بالقلق، كيف سأغترب مرة أخرى وأترك مصر؟ كيف أترك رسومي ولوحاتي إلا ان استعدادي لتحمل المسؤولية الجديدة كان كبيرا، وعندما جاءت نتيجة الانتخابات في المرحلة الأولى قوية شعرت أنني على أبواب النصر الكبير، ولكن أطراف المؤامرة وفي المقدمة منها المندوب الأمريكي كانت تعد لحرب قذرة تقوم على الخداع والأكاذيب وتزييف الحقائق، فاستطاعوا قلب الموازين بفعل فاعل، ليكشفوا بذلك عن وجههم الحقيقي. وعدائهم للجنوب والعرب والمسلمين. صحيح أنني خسرت جولة الانتخابات ولكنني أعتقد أنني كسبت أشياء عظيمة، وتعلمت دروسا كبيرة، بعد ان سقطت الأقنعة وظهرت الوجوه على حقيقتها. هل كنت تتوقع ان تكون المرشحة البلغارية هي منافسك الرئيسي؟! رغم أنها حصلت على 8 أصوات في بداية الجولة الانتخابية الأولى فإنني توقعت منذ البداية ان تكون هي وليست المرشحة النمساوية، لأنها كانت تستحوذ على تعاطف داخل المنظمة باعتبارها سفيرة بالمنظمة ووزيرة خارجية سابقة، ولكن المساندة الغريبة لها كان لها الدور الأساسي. لقد ذهبت اليهم بأفكار جديدة وخلفي تاريخ طويل من الانجازات الثقافية والحضارية وعقل متفتح على الآخر، وأكبر متحف في العالم، والقاهرة التاريخية، ولكن كل ذلك لم تكن له قيمة أمام الأصوات العنصرية المعادية لثقافة الآخر وحضارة الآخر، بل وحق الآخر في الحياة والوجود.