[email protected] لن أتحدث في هذا المقال عن سقوط ناطحات السحاب أو عن ارتطام الطائرات ولا عن اي حرب من الحروب، بل سوف أتحدث عن سقوط أشياء أخرى لا يكونها الحديد ولا يشدها الاسمنت او التراب: سقوط جريان العادة والممارسات وسقوط وردود الفعل الاعتيادية التي دامت سنوات عدة حتى خلناها قانونا لا يتزعزع. هكذا أسقطت الدائرة الجناحية بمحكمة الاستئناف بتونس في الحادث عشر من سبتمبر 2009 ممارسة قديمة مخالفة للقانون مفادها ان المتهم يعاقب، اذا ما ثبتت عليه التهمة، مهما كانت الاجراءات المتبعة لكشفه، رغم ان نصوص مجلة الاجراءات الجزائية واضحة وتقضي بأن أعوان الضابطة العدلية ليس لهم الحق في اجراء اي عمل من أعمال التحقيق الا اذا كانوا مأذونا لهم كتابيا من وكيل الجمهورية ولا تعفيهم من هذا الاذن الا حالة التلبس، ولكن بالرغم من وضوح النص وجلائه فإنه تعرض للاهمال لعقود عديدة حتى كساه الغبار ولم يعد يتفطن الى وجوده أحد. حتى المحامون فقدوا الامل في سماع حكم يقضي بإخلاء سبيل المتهم لبطلان الاجراءات المتبعة فصار أغلبهم يخوض في الاصل والوقائع مباشرة دون التعرض للشكل فيثير عدم ثبوت التهمة او ينادي بالتخفيف نظرا لظروف المتهم الاجتماعية دون اية اشارة الى الاجراءات التي يكون الباحث في أغلب الاحيان قد خرقها ولم يولها اي اهتمام. لقد أخلت الدائرة الجناحية بمحكمة الاستئناف بتونس في الحادي عشر من سبتمبر، سبيل شاب ثبت استهلاكه للمخدر لأن أعمال التفتيش والاستنطاق والعرض والحجز والتحليل تمت كلها خارج إطار الأذون القضائية، فصرحت المحكمة بكل ثقة وعلى الملإ بنقض الحكم الابتدائي والقضاء من جديد بعدم سماع الدعوى لبطلان الاجراءات، معيدة الامل لكل الحاضرين والغائبين. إن التمسك بالاجراءات الجزائية هو تمسك بحق المرء في الحرمة والأمان وهو حافز حتى لا تكون ملاحقة جريمة واحدة مناسبة للاجهاض على قواعد اجرائية تواضع عليها الناس ونصبوها حارسا لأمنهم. ولكن نرجو ألا يبقى هذا القرار القضائي يتيما وان تلحقه قرارات أخرى حتى تستحيل اتجاها قضائيا يسهر على احترام الاجراءات الجزائية، فلا ايقاف بغير إذن ولا تفتيش بغير إذن الا في حالة التلبس. انه 11 سبتمبر آخر بنى صرحا ولم يهدمه ولم تستعمل فيه طائرات ولا عتاد بل كانت وسائله الكلمة الحرة والقانون.