حلقات يكتبها: عبد الرؤوف المقدمي في رحلة الذهاب لم يتجاوز تحليق الطائرة بين مطار تونسقرطاج الدولي ومطار دمشق الثلاث ساعات، وفي الاياب تجاوزت السبع بسبب «ترانزيت» في بيروت، لكن بسبب تأخر عن موعد الاقلاع الرسمي دام أكثر من ساعتين. وهكذا هي العلاقات بين الدّول، إما أن يكون نسقها سريعا أو هو يتباطأ بسبب الظروف والطوارئ، لكن الظروف الداهمة والطوارئ المفاجئة بإمكان الانسان التحكّم فيها، وترويضها، بل وحتى استشرافها. ولأن الأمل الكبير هو سوق عربية مشتركة تسبقها علاقات بينية متينة، أعتقد جازما أنه لدى القيادتين في تونس وسوريا، هذه القدرة، بل وهذا اليقين الذي يخص قاعدة ان مستقبل العرب هو بين العرب أنفسهم، على الرغم من تاريخية ومتانة وحجم العلاقة مع الآخر، خصوصا الآخر الأوروبي الذي توحد وكبر حجم مجاله الجغرافي، ووجهت دولة الكبرى عناية خاصة بدوله الوافدة الجديدة، فالأقربون أولى بالمعروف، والشقيق قبل الصديق. وبالعودة إلى الحديث حول الأوضاع الاقتصادية في سوريا، سأقول ان البلد يعجّ سلعا وينمو خيرات، لكن حركة التجارة وهذه انطباعات صرفة تتحرّك ببطء ما تلمحه تقريبا بل تأكيدا في كل الدول العربية. ولأن احدى موضات العصر ولربما ضروراته أيضا هي الخصخصة، فإن حوارا كبيرا يدور هناك حولها خصوصا أن الحكم السياسي هناك يجمع اضافة إلى الحزب الحاكم أحزابا اشتراكية صرفة بل وحزبا شيوعيا «عتيدا» بقيادة خالد بكداش، يرفض كل ما يبدو تخليا عن المكتسبات الاشتراكية، ويرفض قطعيا خصخصة بعض البنوك كما أكد لي مسؤول هناك. وحول هذا الموضوع يقول السيد ناجي عطري في حديثه الهام للمجلة الاقتصادية. ليس الموضوع تخصخص أولا تخصخص السؤال يجب أن يكون ما هي أفضل السياسات التي تحقق لسوريا أعلى الفوائد الاقتصادية على استثماراتها في مختلف القطاعات الانتاجية، أي تحقق الكفاءة الاقتصادية وفي الوقت نفسه تحافظ على الاستقرار الاقتصادي ضمن الظروف الحالية والمستقبلية. كما تحدث طويلا حول خطة لمواجهة البطالة. الشراكة مع أوروبا أذكر خلال الزيارة قبل الأخيرة لسوريا أنني سألت السيد ناجي عطري عن اتفاقية الشراكة المنتظرة بين بلده وأوروبا، وهي اتفاقية شديدة الأهمية لسببين على الأقل: تنشيط الاقتصاد. كبح جماح الدول التي تريد شرا لسوريا، حيث يصبح الاعتداء على الشريك مثل الاعتداء على الشركاء على الأقل نظريا. وأذكر أنه أجاب وقتها بأنهم في الطريق إلى امضائها، بل وإذا لم تخن الذاكرة حدّد شهر شباط (فيفري) لهذه السنة كتاريخ للإمضاء، لكن الذي حدث أن بعض الدول النافذة في الاتحاد الأوروبي مثل بريطانيا، هولندا، اعترضت على النص المتعلق بضرورة امضاء سوريا على اتفاقية أسلحة الدمار الشامل وفي هذا الصدد يقول رئيس الوزراء: لا تزال المباحثات جارية مع الاتحاد الأوروبي، وبالطبع فإن الاشتراطات الأخيرة، كانت مفاجئة، فهي لم تسر على الدول الأخرى التي وقعت اتفاقية الشراكة مع أوروبا، وهذا ما يجعلنا نأمل ونتوقع أن تعيد بعض هذه الدول النظر بمواقفها السابقة بما يسمح بتوقيع الاتفاقية في المستقبل القريب. وعند سؤاله ما هي حجم المديونية في سوريا، وهل ستؤثر على اتفاقية الشراكة فيما لو أمضيت، قال (وهو ما أكده من قبل ل»الشروق» أيضا) سوريا لا تعاني من المديونية الخارجية وأحد خياراتها الاستراتيجية الصائبة أنها اعتمدت في عملية التنمية على امكانياتها ومواردها المالية المحلية ولم تلجأ إلى طلب قروض من البنوك والهيئات المالية (الدولية). ومضى يقول طبعا قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وزوال الكتلة الاشتراكية كانت لنا تعاملات مع الدول الاشتراكية وقد تمت خلال السنوات الماضية عمليات مراجعة لما لنا وعلينا من خلال المبادرات التجارية والاقتصادية وتجري تسوية لكل هذه القضايا وبالتالي ليس هناك أي صعوبة في هذا المجال ونحن نعتمد أحيانا على بعض الصناديق العربية والاسلامية في تمويل بعض المشاريع التنموية. ولكن هذه الحقائق كلها لم تجعل حكومة السيد ناجي عطري تسلم من انتقادات قد تعود إلى ما هو واقعي، وقد تعود إلى اختلافات في وجهات نظر إدارة مرحلة انتقالية، وقد تعود إلى تعطّش الناس لمزيد من فرص الحياة والعيش، ولربما أيضا هي عادت إلى مجرّد مزايدات، من ذلك ما ورد في صحيفة أخبار الشرق من انتقادات لاذعة للحكومة حيث جاء فيها مثلا، بأن الزيادة الأخيرة في رواتب الموظفين والعاملين بالدولة، ليست إلا محاولة للتغطية على حالة فشل الحكومة!! وقالت أيضا يتساءل مراقبون اقتصاديون في دمشق، إذا كانت النصائح الاقتصادية والادارية الفرنسية والدراسات اليابانية التي قدمتها مؤسسة «جايكا» تحلّ للكثير من المعضلات الفنية التي تعترض تطوير سوريا قد ذهبت إلى الادراج فما الذي تفعله الحكومة إذن. وهناك انتقادات أخرى على غرار تساؤل نفس المصادر عن معنى تصريحات وزير الصناعة إن الحكومة لن تبيع القطاع العام، وتعلن الوزارة في جريدة البعث الرسمية عن استدراج عروض داخلية وخارجية لاستثمار شركة الحديد والفولاذ، إن هذا يعني تخصيص القطاع العام. ولكن المفارقة ان نفس هذه الأصوات الرافضة تسأل ما المانع من خصخصة بعض المعامل الفاشلة والخاسرة التي ترهق الاقتصاد السوري؟ لكن الهام في هذا كلّه أنك تقرأ مثل هذا الكلام، بل وما هو أعظم في صحف الدولة والحزب كالبعث والثورة وتشرين، هذا ما يلفت الانتباه. وهذا ما جعل «الشروق» تسأل وزير الاعلام السيد أحمد الحسن حول كل هذا الهامش المتوفر. أما كيف تدير سوريا اقتصادها، فأهل مكة أدرى بشعابها، لكن المراقب للاقتصاد المتحول يعلم أن اللغط فيه يكثر، وان الحوار حوله يطول وان الحديث في صلبه يحمل الشيء ونقيضه. لكن المهم اقتصاديا في الآخير هو الوصول إلى النجاعة المطلوبة وإلى الأرقام المخطط لها، وإلى تنشيط السوق، وتحسين عيش المواطن. والمهم ان الارادة السياسية متوفرة بطبعها رغم صعوبة الظروف الاقليمية والدولية، ومنها القرارات الأمريكية الأخيرة المعاقبة لسوريا، وأين؟ في المجال الاقتصادي!! وهذا طبعا ليس من باب الصدف!