على الرغم من استناده الى حزب تجاوز عدد منخرطيه المليوني منخرط، وسرى في عروق وخلايا البلاد بشُعبه ولجانه التي تعد بالآلاف، وتسرّب في الجماهير معبّئا ومؤطّرا، فإن الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي، لم يتردّد في مناسبة أخيرة، أن يقول بوعي المدرك للمتغيّرات، وبحس المنتبه لايقاع العصر، وحقائق اللحظة، بأن هذا الزمن أصبح يوفّر امكانية لخلق أحزاب داخل فضاءات اتصالية على غرار الانترنيت، ففي تلك الفضاءات يتلاقى الأنصار، ويتحدّث الحلفاء، ويتجادل هؤلاء الذين يجمعهم هدف واحد. ولا شكّ أن هذا «الوعي» زيادة على أنه يعكس وعيا بما يجب إدراكه، فإنه يرمي أيضا الى خلخلة ما ورثته النفوس والعقول من «محافظة»، ومن حقائق قديمة تجاوزها الزّمن الهادر بمكتشفاته العلمية، فأصبحت جزءا من تاريخ يليق بالذكرى والمتاحف، ولا يفعل في الحاضر الا أن يُعطّله، وفي المستقبل الا أن يحجبه. لقد تغيّر العصر حقّا، وها هي حقائقه السريعة والمداهمة، تأتي لتجرف بقايا «التقليدية»، وتهزّ ما تبقّى من «محافظة»، هي بمنطق التطوّر شبيهة بالأصولية التي لا تنتبه أن العلم أقوى من الخيالات، وأن اليوم يعني موت الأمس، وأن فضاءات الاتصال الجديدة بمنطقها ووسائلها، هي التي تشكل وسوف تشكّل كل عمل ومدى نجاعته، ومنها العمل السياسي الوطني، فإذا ما مارسها وتمرّس عليها، أمسك بيومه وبغده، وإذا ما خانه الانتباه إليها، والوعي بها فقدهما الاثنين وربّما فقد أيضا حتى ذكراه. وكل مطلع على الشأن التونسي، يدرك للتوّ ويقينا، أن الأمين العام للحزب، إنّما هو يبث في الأصل وعي رئيس الحزب بالظاهرة، أوّلا لأنه مختص فيها، فالاعلامية هي اختصاص لرئيس وهوايته أيضا، وثانيا، لأن مجال اختصاصه هذا جعل منه نافذة على عصره، وثالثا لأنه هو الذي أرسى هذه الثقافة الرقمية، وجذّرها في تونس، وعمل قبل كل الفضاء العربي والمسلم على أن يؤسّس لها قاعدة ثابتة علمية، لاقت كل الاستحسان حتى الدولي منه، ثم، وهذا مهم أيضا، إن رئيس الحزب هو الذي أعلن ببادرة منه خلال الذكرى العشرين للتحوّل أن سنّ الناخب في تونس سوف يصبح 18 سنة عوضا عن عشرين، وهو ما وفّر كتلة انتخابية جديدة قوامها حوالي ال 600 ألف شخص، وكلّهم نظريا وعمليا قد تهيّؤوا أو سيتم تهيئتهم للتفاعل مع وسائل الاتصال الحديثة، بما فيها من قدرات اتصالية عجيبة، وبما توفّره من حرية لا حدود لها، ومن سجالات لا يمكن لا حصرها ولا مراقبتها. وهكذا يتّضح بجلاء، أن هذه العملية السياسية التحديثية التي تهمّ عمر الناخبين، إنّما أتت لتتّفق ولتتناسق مع حقائق علمية أتى بها العصر، ومع منجز علمي لا يمكن الا تكريسه لخدمة البلاد، وتطويعه صوب المصلحة العامة، فكان أن حقق الوعي الرئاسي بها هدفين اثنين، هدف أوّل تحديثي علمي بحت وهدف ثان سياسي وطني صرف. لذلك نستطيع القول باطمئنان أن تونس ستظل ماسكة بمفاتيح الحداثة، متّصلة بحقائق عصرها، على علاقة بحاضرها ومستقبلها. والأهم أنه لا يوجد قرار يُتخذ فيها ارتجالا، أو يصنع للاستهلاك المغشوش، أو يروّج بغرض البروباغندا، بل هو يأتي بعد دراسة وتمحيص لما تأسس في تونس ولما يجب تأسيسه، وأيضا ما فاض به العصر، وما حمله من آخر مبتكراته.