تونس (الشروق) حوار: النوري الصّل: لولا اسمه وهويته لما أمكن لك ان تعلم انك أمام رجل فرنسي فحتى ملامحه لا تختلف كثيرا عن الملامح العربية بحيث يخيّل لك وأنت تتحدث اليه انك إزاء رجل يكاد الدم العربي يسري في عروقه.. ويتضح لك انك تتحدث مع رجل هو صديق للعرب.. ومناصر لقضاياهم... نحن هنا إزاء الخبير الدولي الفرنسي إدموند جوف الذي التقته «الشروق» في هذا العدد من «حديث الأحد» في حوار حول «أحداث الساعة».. تحدّث فيه الأستاذ المتميّز بجامعة باريس ديكارت عن موقفه من التطوّرات الحاصلة في الساحة الفلسطينية والشرق الأوسط بشيء من المرارة والأسف عن الواقع الفلسطيني الراهن.. وعن تقرير غولدستون وعن بعض المسائل والملفات الاقليمية والدولية.. وفي ما يلي هذا الحوار: لنبدأ أستاذ إدموند جوف بالحديث عن تقرير غولدستون، كخبير في العلاقات الدولية كانت له مشاركات في بعثات دولية لتقصي الحقائق.. ما هو حكمكم على هذا التقرير.. وماهي قراءاتكم لمضمونه خاصة في جزئه المتعلق باتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة؟ إن المسألة التي يطرحها هذا التقرير أن هناك جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ارتكبتها اسرائيل خلال حربها على غزة. هذه الحرب التي أسفرت عن سقوط عديد الضحايا وهو ما يستوجب حتما معاقبة من يقف وراء هذه الجريمة... هذا من جانب أما من الجانب الآخر فأعتقد انه بات مطلوبا اليوم العمل على نشر هذا التقرير بشكل واسع في مختلف أنحاء العالم حتى يكون معروفا لدى أكبر عدد ممكن من الناس.. هذا في ما يتعلق بما جاء في التقرير لكن ماذا عن موقفكم الشخصي مما قامت به اسرائيل في حربها على غزة؟ بالتأكيد وبغض النظر عن التقرير ومختلف النصوص الأممية حول هذه المسألة فإن الشيء الثابت في اعتقادي ان ما جرى في قطاع غزة خلال الحرب الاسرائيلية في مطلع العام الجاري يرقى الى جرائم حرب تم فيها استخدام أسلحة محرمة دوليا على غرار الفسفور.. يحيي العالم بعد أيام قليلة الذكرى 20 لسقوط جدار برلين.. هذا الحدث الذي أرّخ لولادة نظام عالمي جديد... هل ترون انه يجوز في هذه المناسبة ان نتحدث فعلا، عن نظام عالمي جديد مختلف عن «النظام القديم» فيما لا يزال جدار العزل والعنصرية يطوّق فلسطين بالكامل؟ في الحقيقة لا أذيع سرّا إذا قلت اليوم ان الأمور للاسف لا تسير في الاتجاه الصحيح، ولا تتقدّم في هذه الرقعة من العالم.. صحيح ان الأمل يرافق الكثيرين اليوم في الرئيس الأمريكي باراك أوباما لكن لا يغيب عن أحد القول ان المصالح الأمريكية وبعض العقبات الأخرى تحول دون تحقيق الأهداف المأمولة.. ولذلك هناك اليوم شعور بشيء من خيبة الأمل حيال هذا الواقع.. وللأسف اليوم لازلنا نرى هناك عديد الجدران على غرار الجدار الفاصل الاسرائيلي الذي يقطع فلسطين وكذلك الجدار بين الكوريتين وفي قبرص.. لكن بالتأكيد يظل جدار الفصل الذي تشيده إسرائيل في الأراضي الفلسطينية هو الأكثر خطورة حيث الوضع هناك سيئ للغاية خاصة في ضوء تواصل الاستيطان الذي يزحف في الضفة والقدس انه بالفعل وضع سيء جدا لكن أقول ان هذا الجيل (الفلسطيني) مطالب بمواصلة النضال لأنه ليس هناك خيار آخر امامه لاستعادة حقوقه وإيجاد حل لقضيته العادلة وفق ما تنصّ عليه قرارات الشرعية الدولية وحال الشعب الفلسطيني في النهاية ليست فريدة بل هناك أيضا شعوب أخرى لم تحقق استقلالها لكن ذلك لا يخفي حقيقة ان هذا الشعب (الفلسطيني) يكابد معاناة حقيقية وهو يستحق مستقبلا أفضل وذلك لا يتوقف فقط على المجتمع الدولي واسرائيل بل أيضا على المصالحة الفلسطينية التي تبقى في مطلق الأحوال «ورقة» مهمة في طريق استعادة الحقوق الفلسطينية المشروعة.. على ذكر المصالحة.. ماهي قراءتكم وتفسيركم للانقسام الفلسطيني الحاصل.. ومن يعطل هذه المصالحة برأيكم.. فهل هو واشنطن أم «حماس»؟ بالتأكيد واشنطن تقف عائقا امام المصالحة الفلسطينية... وفي الواقع أرى انه يصعب في بعض الأحيان فهم حقيقة ما يجري بشأن هذا الموضوع فالشعب الفلسطيني دفع ثمنا باهظا ولايزال من اجل حريته واسرائيل مارست لكن ما هكذا يجب ان تتم الامور بل ان المطلوب اليوم ان يكون هناك نقاش واتفاق حقيقي بين مختلف الاطراف... وعموما أنا لست متفائلا بهذا الخصوص.. أنا متشائم لأن مسار المصالحة لا يتم بشكل جيد.. وكذلك لتعثر مسار السلام الذي هو أحوج ما تكون إليه هذه المنطقة الكبرى من العالم.. هذه المنطقة التي يجب أن تكون نموذجا للسلام.. أقول أنا متشائم أيضا لأنني أعتقد أن الوضع اليوم في تراجع في ضوء عدم التزام مختلف الأطراف بالاتفاقيات المبرمة بخصوص احياء عملية السلام.. إذن خلال لقائي بعدد من الصحافيين قالوا لي إن عبارة «Le pire du jamais sûr» أصبحت معروفة في المنطقة بمعنى أنه ستكون هناك في النهاية حلول ملائمة لمثل هذه الحالة وأن الحرب ستنتهي وأن الفلسطينيين ستكون لهم أرضهم ودولتهم المستقلة لكن أعتقد أنه يظلّ من غير الممكن فرض حلّ على الفلسطينيين يكون بمثابة شكل جديد من نظام الفصل العنصري (الابارتيد).. باعتباركم خبيرا ومفكّرا فرنسيا كيف ترصدون وتقرؤون تعاطي فرنسا ساركوزي مع القضايا العربية؟ أعتقد أن فرنسا كانت في طليعة المدافعين عن القضايا العربية حتى قدوم الرئيس نيكولا ساركوزي وأذكر هنا أنه حين لم تكن الأمور تذهب بشكل جيد في السابق.. كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يتشاور مع الدكتور شيراك حول بعض المواضيع.. لكن أعتقد أن الأمور اليوم تغيّرت شيئا ما.. فنحن لسنا اليوم في الريادة.. لكن لا يخفى أن هناك ثمة في رئيسنا الذي يحظى بقبول لدى الرأي العام الدولي.. وأعتقد أن فرنسا ستستعيد دورها في قادم المراحل وستلعب الدور الذي يليق بوزنها وتاريخها ولن تترك الشعب الفلسطيني يذبح أمامها.. ولن تتركه يتحول إلى عبيد. يدور حديث منذ فترة عن خلاف أو لنقل تباين في وجهات النظر بين باريس وواشنطن حول بعض المسائل والملفات الدولية.. ما حقيقة هذا الخلاف.. وما هي طبيعته؟ أعتقد أنه بعد أن كانت «طفلا متمرّدا» في أوروبا فإن فرنسا دخلت في الصف وباتت تتبع السياسة الأمريكية.. أعتقد أن الولاياتالمتحدة تتمتّع اليوم ب«جاذبية» بكونها قوة كبرى لكن فرنسا هي أيضا قوة كبرى ويجب أن تلعب الدور الذي يتماشى مع حجمها كما يمنحها التاريخ والثقافة وموقعها الجيوسياسي. من الواضح أن كل طرف يأخذ بعض المسافة من الآخر.. وهذا ما لاحظناه خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة حين استثنى الرئيس الأمريكي باراك أوباما ساركوزي من دعوة لمأدبة غداء.. صحيح أن الولاياتالمتحدة هي قوة عظمى منذ الحرب العالمية الثانية لكن في النهاية للولايات المتحدة سياستها ولفرنسا أيضا سياستها.. كما أن القول بأن الولاياتالمتحدة قوة عظمى لا يعني أنه يجب أن تخضع لأمريكا وأن تسير وراءها كالكلب. بحكم متابعتكم للملف النووي الإيراني واهتمامكم الواسع به كيف تفسرون التعاطي الغربي مع هذا الموضوع.. وما هي قراءتكم لمجرياته.. وسيناريوهاته؟ انطلاقا من متابعتي لهذا الملف، كما تفضلتم أقول أن هناك ثلاثة عناصر يجب أن نتوقّف عندها في ما يتعلق بالنووي الايراني وهي: 1) إيران دولة كبرى ومن حقها الدفاع عن نفسها. 2) ان امتلاك إيران للأسلحة النووية قد يزيد في خطورة الأوضاع ويفضي إلى الانتشار النووي. 3) أعتقد أن الغرب كان شجاعا وواضحا وشفافا في التعاطي مع هذا الملف إلى حد الآن من خلال عرضه تقديم حوافز لإيران مقابل أن تتوقف طهران عن تخصيب اليورانيوم.. وهذه العناصر الثلاثة تجعلنا نلاحظ أن ما يجري هو أن كل طرف يحاول ان يلعب أوراقه في المفاوضات من أجل تحقيق كسب أكبر.. في «لعبة الاوراق» هذه ما مدى رجحان فرضية الحرب.. وهل ترون ان هذه الفرضية قائمة فعلا اليوم في ظلّ الحملة الغربية المتصاعدة والتهديدات الاسرائيلية لإيران؟ بلا شك الأمل يساور الجميع في أن تعيش المنطقة في أمن وسلام.. والجميع يأمل في أن لا تحدث الحرب.. وكل الدول لا ترغب في خوض الحروب.. وهذه بالتأكيد حالة إيران التي عرفت في الماضي عديد الصعوبات وبالتالي أعتقد أنها ستفي بتعهداتها والتزاماتها في هذا الخصوص لتجنّب الوصول إلى مثل هذا السيناريو لكن على الغرب أيضا أن يفي بالوعود التي قطعها على نفسه تجاه إيران وأن يتفاوض بصوابية من أجل حلّ هذا الملف بطريقة ديبلوماسية وسلمية.. وبخلاف ذلك فإن الخيار العسكري ستكون له عواقب وتداعيات كارثية على المنطقة والعالم.. وهو سيناريو يجب استبعاده ويجب فعل كل ما يجب فعله من أجل منع حدوث مثل هذه الحرب..