ستة عشر عضوا من 160 من أعضاء الكونغرس الأمريكي الذين تمت دعوتهم إلى المؤتمر الثاني لمنظمة «جي ستريت» اعتذروا عن الحضور ، ومن بينهم جون كيري. لم يعتذروا ولم يعترضوا لان المنظمة عربية او اسلامية معادية لاسرائيل، بل لان افراد جي ستريت يهود «معتدلون» كما يقال ومن بينهم ابنة رابين ليا و نائب رئيس الموساد السابق ووزير الخارجية السابق شلومو بن عامي – سفير سابق في واشنطن – دانيال ليفي – دان فليشر وآخرون. اما مديرها فهو جيريمي بن عامي الذي كان مستشارا سياسيا لبيل كلينتون، ومن ثم ادار حملة هيوارد دين عام 2004: وهو اضافة الى مواهبه السياسية عنصر مهم في التسويق والتمويل لانه يعمل في التسويق ومع جماعات لا يهمها الموضوع الاسرائيلي لكنها مستعدة لان تمول جي ستريت، ويأتي بعده على قائمة الممولين الان سولومون أهم ممولي أوباما وفيكتور كوفنر أهم ممولي هيلاري كلينتون . هل يعني ذلك ان هذا اللوبي الجديد الذي بات يضم حوالي 100 الف عضو معاد لاسرائيل؟ وهل تعني المواجهة بينه وبين ايباك مواجهة مع الصهيونية؟ ام انه امتداد لليسار الاسرائيلي، وورثة رؤية مدريد وأوسلو وواي بلانتايشن؟ رؤية ضرورة تدخل الأمريكيين لفرض حل يضمن مستقبل اسرائيل على المدى البعيد، حتى لو تبلور بحل الدولتين. وفي انتظار ذلك فرض تهدئة عسكرية وديبلوماسية وسياسية تؤمن التفرغ لحل مشاكل أخرى، على رأسها إيران ومشروعها النووي وسياساتها في دعم المقاومة العربية. وهي الرؤية التي تقول عن نفسها «نحن السور الاخير» والتي رأت في باراك أوباما «أقرب صديق وآخر منقذ» لاسرائيل بحسب تعبير أدبيات جي ستريت، مما جعله يحصل على 78% من أصوات اليهود الأمريكيين. في حين تمثل الايباك رؤية اليمين الاسرائيلي ، وسياسة ادارة المحافظين الجدد في ترك الامور للطرفين العربي والاسرائيلي مع دعم غير مشروط لاسرائيل. وعدم التعامل مع ايران بلغة الحوار والانفتاح وانما بلغة القوة. انهما طرفا الخارطة السياسية الاسرائيلية، وذلك بدليل عدم تأييد جي ستريت لتقرير غولدستون ولكنها لم تنتقده بالشدة التي فعلتها الايباك ، وربما يفسر ذلك كونه موجها ضد قادة اليسار الاسرائيلي. كذلك يفسر هذا الاصطفاف بين اليمين واليسار حنق الحكومة الاسرائيلية الحالية على هذا اللوبي، واعتذار سفارتها رسميا عن حضور المؤتمر المذكور. اما تأثير اللوبي الجديد فلم يرق بعد الى مستوى نفوذ الايباك، ولكنه يدخل حلبة مواجهة حامية معها، مواجهة لم تعدم جي ستريت تسجيل بعض النقاط فيها، كما انها لم تستطع تجنب خسارة اخرى . ففي حرب غزة الاخيرة تمكنت هذه المنظمة الجديدة من جمع 30 ألف توقيع على عريضة وزعتها على الانترنت أدانت فيها العملية واعتبرتها مواجهة غير متكافئة. مما دفع الايباك إلى توزيع نداء مناقض. وفي حين حظيت ايباك بموافقة غالبية البرلمانيين حصلت جي ستريت على تأييد 69 % من اليهود الأمريكيين. رسالة أخرى حظيت بالأهمية وهي تلك التي وجهها اللوبي الجديد لدعم تسمية جورج ميتشل. وهنا لجأت الى أسلوب جعل 13 ألف عضو يوجهون رسائل إلى ممثليهم في مجلس النواب يطلبون منهم التوقيع على بيان الدعم هذا، وبذلك تمكنوا من الحصول على 66 توقيعا من أصل 435 نائبا. التبادل الثالث للرسائل المتناقضة حصل بمناسبة زيارة نتنياهو، وهنا كان الخلاف حول طلب جي ستريت من الادارة الأمريكية التدخل لفرض حل الدولتين حتى ولو اقتضى الأمر ممارسة ضغوط على اسرائيل، في حين طالبت ايباك بعدم تدخل واشنطن وترك الاتفاق لطرفي النزاع . رغم ذلك كله يصر جماعة جي ستريت على ان غالبية اليهود الأمريكيين العاديين هم من الحمائم وهم على قناعة بأن مصلحة أمريكا واسرائيل تلتقيان في السلام. وربما يرجح ذلك نسبة الاصوات التي حصل عليها أوباما بينهم، وواقع فوز 33 مرشحا من اصل 41 دعمتهم جي ستريت في التشريعية الاخيرة .