المبلغ المالي المطروح في هذه الحادثة مثير للاغراء: 3 ملايين أورو، أي حوالي 5 مليارات ونصف من مليماتنا، المتحيلون استعملوا طرقا مبتكرة مثل وثائق ومراسلات تحمل أختام وشعارات الأممالمتحدة للتأكيد على أن العملية جدية، ورغم ذلك فقد تمكن محدثنا من النجاة بنفسه منهم على عكس عشرات كثيرين ذهبوا ضحية مثل هؤلاء المتحيلين الذين يتخذون من شبكة الانترنيت وسيلة للايقاع بالحالمين بالاثراء السريع. محدثنا رجل أعمال شاب ومعروف، يدير عدة نشاطات تجارية منها مصنع لمواد البلاط في المنطقة الصناعية بمدينة الكاف. هو من هذا الجيل الشاب المرتبط بوسائل الاتصال الحديثة مثل الانترنيت التي تساعده في علاقاته واتصالاته. بعث موقع واب للتعريف بنشاطاته التجاريةوبحثا عن شركاءوصفقات حتى تلقى منذ بضعة اسابيع مكالمة هاتفية من شخص أجنبي يذكر أنه رجل أعمال من دولة من جنوب غرب افريقيا ويبحث عن شركاء في تونس لاستثمار أموال أسرته الطائلة. «ملايين الحاجة» يقول محدثنا: «كنت أنتظر اتصالات من مستثمرين اجانب، فقد وضعت اسمي وأرقام الهاتف والبريد الالكتروني على الشبكة لذلك كان ردي ايجابيا على هذا العرض». بعد ذلك تقابل مع رجل الأعمال الافريقي الذي يدعى «ناصري» وكان مرفوقا بشخص آخر يدعى «ديديي». وبالنظر الى ما حدث فيما بعد، فمن المؤكد أن هذه الاسماء منتحلة وحركية للتحيل. زعم له الرجلان أنهما مسلمان من أب كان يدير بنكا كبيرا لكن رئيس بلادهما قتل والدهما في ظروف مأساوية. غير أن أمهما «الحاجة فاطمة» تمكنت من الهرب مع مبالغ مالية هامة الىسويسرا.وختم الرجلان حديثهما بالقول إنهما اختارا تونس لأنها بلد مسلم وآمن، وأن الحاجة سوف ترسل لهما 3 ملايين أورو لاستثمارها في تونس. غير أن ما أثار حذر محدثنا هي غرابة المشروع أي صناعة البلاط في تونس وتصديره الى غرب افريقيا أو أية دولة أخرى، اذ لا جدوى من ذلك بالنظر الى كلفة نقله. وبعد ذلك بوقت قصير تلقى محدثنا مكالمة من «الحاجة فاطمة» على رقم سويسري فعلا، وكانت متلهفة لانطلاق الاستثمار والشراكة مما جعله يتقدم بشكل جدي في المشروع، فاستدعى الرجلين الى مدينة الكاف حيث قدم لهما المصنع وحدثهما عن امكانيات تطويره ومضاعفة الانتاج. في الأممالمتحدة يتذكر محدثنا: «فيما كنت أجهد نفسي بتقديم المصنع، كان الرجلان غير جادين في الاستماع، وهو ما أثار حذري وشكوكي، بعد ذلك لاحظت أنهما يتبادلان ملابسهما ليظهرا متأنقين بشكل دائم، كما كانا يظهران لي بشكل متعمد وثائق تخص الأممالمتحدة ومراسلات تحمل شعار المنظمة». وفي مرحلة موالية كان الرجلان أكثر حرصا على ادخال الأموال الى تونس، لكن ليس بالطريقة المعروفة المرحب بها في اطار تشجيع الاجنبي، إنما اختار الرجلان ادخالها عن طريق طرد للأمم المتحدة التي تحولت في هذه الحادثة الى ساعي بريد لنقل الأموال الخاصة. ومنذ ذلك الحين، كانت «الحاجة فاطمة» لا تكف عن الاتصالات الهاتفية للحديث عن الطرد الذي أرسلته ضمن طرود ومراسلات الأممالمتحدة الى تونس ويتضمن مبلغ 3 ملايين أورو والذي سوف يصل «خلال ساعات» وجعلت تستحثه على حسن التصرف والمسارعة بقبض الأموال. أحذر غيري بعد ذلك بساعات أعلن الرجلان ان الطرد قد وصل وأن المطلوب هو دفع مبلغ من المال للحصول عليه، لذلك طلبوا منه مساهمة قدرها 12 ألف دينار لا غير، للحصول أخيرا على 3 ملايين أورو نقدا. عندها بدا له أنه إزاء مجموعة مشعوذين لا غير، وأن الحادثة بلغت منتهاها، خصوصا حين قال للرجلين بوضوح» «حسنا، في هذه المرحلة من العملية سوف أدعو محامي ليحضر الاتفاق». وعند ذكر كلمة «محامي» توقف الرجلان عن الحديث وغابا عن الانظار فيما تولت «الحاجة فاطمة» ملاحقته بالهاتف لاقناعه بتوفير المبلغ المتبقي، كما حاول الرجلان اقناعه في مكالمات هاتفية «بدفع ما أمكن» من المال، بضعة آلاف من الدنانير لا غير لاخراج الطرد ذي الثلاثة ملايين أورو، لكنه كان قد تأكد أنه إزاء متحيلين لا يملكان سوى الاوهام والاكاذيب، كما تذكر أنه قرأ كثيرا عن مثل هذه العمليات خصوصا تلك التي تبدأ بقصة «أموال رجل افريقي ثري قتله نظام بلاده لكن أرملته تمكنت من الفرار ببعض الثروة». كما تذكر أنه طالع في الصحف مرارا عن ضحايا مثل هذه القصص، لذلك جاءنا الى مكتب الشروق «لكي أحذر غيري من الوقوع في مثل هذه الأحابيل، لأن الرغبة في الاثراء والبحث عن الصفقات المربحة ليس مبررا للانسياق وراء الأوهام».