حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي حين قال له بورقيبة، وهو يقترح عليه وزارة الصحّة العمومية في أوّل حكومة للجمهورية، بأنه فكّر في أن يسند له حقيبة الصحّة لأنه يعرف أنه منغمس بل ومنغمس في القضايا الاجتماعية، كان الرئيس يعي ما يقول... ففعلا، بدأ وزير الصحّة والكاتب العام الأسبق للاتحاد العام التونسي للشغل، عمله على رأس وزارة استراتيجية كوزارة الصحّة، من بوّابة الحملات... تحدّث صاحب هذه المذكّرات، وخلال الحلقتين الماضيتين، عن حملات قامت بها وزارة الصحّة والشؤون الاجتماعية تهم المرأة الريفية، ومرض العيون وكذلك الأمراض الجلدية وها هو اليوم يواصل حديثه بعد السؤال عن الملفّات الكبرى التي واجهتها وزارته ليقول: «في آخر سنة 1957 خصّصنا أسبوعا كاملا، أطلقنا فيه حملة لتنظيف العاصمة، بعنوان حملة تونس (العاصمة)... أخرجنا عشرات الأطنان من الأوساخ من قلب المدينة العتيقة، ذات الأزقة الضيّقة... وهنا لابد من الاشارة الى أن جامعة الحزب الحر الدستوري بتونسالمدينة خصّت نفسها بهذه الحملة... وبتسجيلها نجاحا كبيرا، أضفنا الى الحملة أسبوعا آخر، وكان أن انخرط الناس فيها... وهذا هو سبب نجاحها... وكان عزوز الرباعي رحمه ا&، هو رائد الحملة (على اعتبار أنه كان يشغل خطّة رئيس جامعة الحزب الحر الدستوري لتونسالمدينة)، وكنا تولّينا في وزارة الصحّة والشؤون الاجتماعية هذه الحملة بالتعاون مع الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الحرّ الدستوري».. وشدّد «سي أحمد» في هذا المضمار على أن تونس العاصمة «أخذت منّا جهدا كبيرا جدا»... ويواصل صاحب هذه المذكّرات، الاتيان على تفاصيل، فيها جهد وابتكار وعمل وجهاد من أجل تونس جديدة، معافاة من الأمراض ونظيفة وأبناؤها مقبلون على جميع الحملات بالمشاركة والانخراط تطوّعا... سألت «سي أحمد» بن صالح عن الحملات الناجحة في مجال الصحّة، فكان وكأنه ينتظر السؤال، حيث من المعلوم أن بلدا كان لتوّه يرزح تحت الاستعمار، ستظهر فيه أوبئة وأمراض تستحق ما أقدمت عليه وزارة الصحّة، وقال: «تونس هي أوّل بلد قضى على حمّى المستنقعات... فقد عرفت تونس، وقتها، إبّان حكومة الجمهورية، حملة أخرى كبيرة وناجحة لمقاومة حمى المستنقعات، والحملة تتمثل في قافلة، مقرّها منطقة «الجبل الأحمر» بالعاصمة... وكانت سيارات تحمل الادوية والأطباء لتنطلق نحو الشمال التونسي لمقاومة مرض السل وأمراض تناسلية وجدت وقتها...ومركزها كذلك في «جبل الأحمر» وكان هذا المركز الصحي، الضّخم قد جلب اهتمام جهات دولية وأممية، حيث كان المركز الصحي الضخم الذي أحدثناه، فيه يجري التلقيح والتشخيص والعلاج... فيه يجري التلقيح والتشخيص والعلاج... وقد نوّهت منظّمة الصحة العالمية OMS، بتونس وبهذا المركز، الى حدّ انها عقدت احد مؤتمراتها في تونس». وبعد صمت لبرهة استذكر «سي أحمد» بالمناسبة، قصّة مرتبطة بما أتته وزارة الصحّة في الحكومة للجمهورية وقال: «مرّتين، قدم داغ هامر شولد (الأمين العام للامم المتحدة وقتها)، الى تونس، وكنت خلال زيارته الأولى الى تونس وزيرا للصحّة، وقد طلب مني أن آخذه الى المركز الصحي ب «جبل الأحمر» وكان له ذلك... وقد شدّ انتباهه عمل المركز، بحيث رجع مرّة ثانية وكنت في وزارة أخرى، وكذلك جاء لنفس الغرض، خلفه على رأس الأممالمتحدة، وكان له ما أراد، حيث سمع عن مركز جبل الأحمر الكثير على لسان هامر شولد...