بعض الأوساط الحقوقية الفرنسية من اشخاص وهيئات مازال يسكنها الحنين الى زمن الاحتلال .. زمن جاءنا الاحتلال البغيض «مبشرا» بقيم الرجل الأبيض وب «نشر أنوار العلم والحضارة» هؤلاء يبدو انهم يجدون الى الآن وبعد 53 سنة من استقلال تونس ودحر الاحتلال البغيض صعوبة في التخلص من تنظيرات «جول فيري» وأمثاله من منظري الاحتلال المباشر تحت غطاء قيم حضارية واهية وزائفة ... وما بالعهد من قدم .. فهؤلاء فرخوا وتركوا رهوطا مازال يشدها الحنين الى ذلك الزمن الغابر ... حيث يندفعون ولو بدون موجب او سبب ودون وجه حق في محاولات مكشوفة ل «اعطاء الدروس» و «توزيع المواعظ» حول الحريات وحقوق الانسان في تونس غير عابئين بحقيقة الاوضاع والأشياء حتى وان كانت القضايا التي يتبنون الدفاع عنها قضايا عادية لا دخل للسياسة ولا للسياسيين فيها .. ولا دخل فيها لذلك، الكلام الكبير من قبيل «الدفاع عن الحريات» وعن حقوق الانسان ...لأنها تتعلق ببساطة باشخاص أتوا افعالا موصوفة تعد تعديا على حقوق الاَخرين ... ويحق للقضاء في تونس او في كل بقعة من العالم النظر والبت فيها واعطاء كل ذي حق حقه ... وذلك بادانة المذنب اوالمجرم وإنصاف صاحب الحق والمعتدى عليه. ونعني بها قضية تورط المدعو توفيق بن بريك في قضية اعتداء بالعنف المادي واللفظي على امرأة ودهس سيارتها. وأصل الحكاية ان بعض الأشخاص والدوائر الحقوقية وخاصة الفرنسية منها قد استبدت بها هذه الأيام حالة من الهستيريا ليتعالى نباحها ولتملأ الدنيا ضجيجا .. حتى دون تكليف نفسها عناد الاطلاع على ملف القضية لتدرك انها قضية عادية وان من يزعمون الدفاع عنه وعن «حقوقه» هو في الأصل مذنب ومعتد على امرأة يفترض أن ينتصر لها ولحقوقها هؤلاء... لأنها الطرف الضعيف في قضية الحال والطرف المعتدى عليه ماديا ولفظيا... ولأنها الطرف الذي ديست سيارته نتيجة حالة هيستيريا وتشنج انتابت المدعو توفيق بن بريك...وزينت له انه فوق القانون وفوق الأخلاق وفوق المساءلة... فما رأي هؤلاء لو أن سيدة فرنسية تعرّضت للضرب وللعنف اللفظي ولتدمير سيارتها لمجرّد انها احتجت على شخص كسر المرآة العاكسة لسيارتها؟ هل يكفي أن يكون المعتدي «مناضلا مزعوما» ليعلو على القانون وعلى منظومة الأخلاق ولتسقط حقوق المعتدى عليها ويفلت الجاني من أي تتبع؟ الا يعد ذلك من قبيل التشجيع على سيادة قانون الغاب وعلى الازدراء بالقانون وبالمؤسسات؟ للاجابة نقول إنّ «الجوقة الحقوقية إياها» لن تقبل ذلك في حق مواطنة فرنسية، فلماذا تبيح لنفسها قبول هذا التعدي في حق مواطنة تونسية لمجرد أن المعتدي شخص صورت له نفسه المريضة أنه فوق القانون وفوق الأخلاق؟ وأنه باسم دفاع مزعوم عن حقوق الانسان يمكن ان يستبيح حقوق غيره وأن يدوسها ارضاء لنفسه المريضة ولأوهام ضخّمت ال «أنا» عنده ليتصور نفسه محصّنا من المساءلة. ان التونسيين الذين خبروا هذا الشخص الذي احترف مقارعة الخمرة حدّ الثمالة وممارسة العنف والصعلكة والانحلال الاخلاقي لأبسط الأسباب، وآخرها اعتداؤه على المرأة التي رفعت أمره الى القضاء.لم يعودوا يعيرون احتراما لهذه الرهوط التي احترفت النقيق وألفت قبض مقابله بالأورو.. كما أن التونسيين الذين يدركون ازدواجية مكاييل هذه الأوساط الأجنبية الحقوقية والأجندات التي تحركها وهي مكاييل وأجندات تجعلهم يخرسون حين يتعرض الشعب الفلسطيني للإبادة في غزة مثلا باتوا يدركون حقيقة هذه الدوائر وحقيقة الأنفس المريضة والحاقدة التي تحرّكها وتحرّضها وتزجّ بها في قضايا خاسرة من قبيل الدفاع عن شخص اعتدى بالعنف الموصوف على امرأة.. ومن قبيل التنكر لحقوق مواطنة صالحة كل ذنبها أن «حظها العاثر» وضعها يومها في مواجهة صعلوك ثمل كسّر مرآة سيارتها ثم لم يتردد في كسر كرامتها من خلال تعنيفها وشتمها وإهانتها.. الى هؤلاء نقول: بإمكانكم الاطلاع على مجريات القضية المعروضة منذ سنوات على الدائرة القضائية الرابعة عشرة في باريس بخصوص الدعوى المتعلقة باقتراف المدعو توفيق بن بريك لأفعال تنافي الحياء، ثم الى هؤلاء نهمس أيضا: هل أنكم لم تستطيعوا الى الاَن التخلص من منطق القرن التاسع عشر حين لم يكن لكل المواطنين والسكان في تونس نفس الحقوق؟ أم انكم تعتقدون خطأ (هو خطأ فظيع وشنيع) بمنطق حصانة البعض تجاه القانون لمجرّد احتمائهم بالأجنبي؟ الى هؤلاء نقول: لقد ولّى زمن الاحتلال وهذا زمن الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات.. هذا زمن التساوي في المواطنة بين الجميع رجالا ونساء.. هذا زمن لا يشفع فيه الاستقواء بالأجنبي لأحد.. وهذا زمن يصرخ فيه الشعب في وجه بن بريك وأمثاله: كن من تكون.. لن تكون أعلى من القانون.. ونصرخ في وجه من يركبون الدفاع عن حقوق الانسان لمحاولة التدخل في شأننا الداخلي وفي عمل مؤسساتنا: لقد كنسنا رؤوس الأفاعي والاحتلال بالأمس وبالأحذية سندوس كل الأذناب التي تحاول إعادة عجلة التاريخ الى الوراء.