من حين لآخر، يصطدم المواطن عندما يتقدم بملف لاسترجاع مصاريف الطبيب والدواء لدى «الكنام» (في منظومة استرجاع المصاريف وفي المنظومة العلاجية الخاصة) او لدى مؤسسة التأمين الجماعي (Assurance groupe) باعلامه بأنه تتعذر الاستجابة لطلبه لأنه بلغ السقف الاقصى المحدّد سنويا لمصاريف الخدمات الصحية... «اعتذار» مرشّح كي يصدر عن الكنام أو عن مؤسسة التأمين الجماعي في أية فترة من السنة، وقد يكون ذلك في الاشهر الاولى منها، وهو ما يعني ان المواطن سيواصل بقيّة اشهر السنة دون أن يكون مرضه او مرض أحد افراد عائلته مؤمّنا، رغم ان عملية اقتطاع مساهماته من مرتّبه لفائدة مؤسستي التأمين (أو لأحدهما) تتواصل كل شهر بلا انقطاع وهو واقع يراه المواطن غير معقول ويدفعه الى التساؤل لماذا هذه «الأسقف»؟وهل أن أمر المرض بأيدينا، نتحكم فيه ونقرّر عدد وحجم ونوعية وتكلفة أمراضنا السنوية لنقدر على ضمان التغطية لها؟ أم هل ان المؤمّنين مجبرون على العمل بهذه الاسقف ضمانا لتوازناتهم المالية وحتى لا يُطلقوا العنان للمواطن ليمرض أو ربما ليتمارض كيفما ووقتها يشاء؟ هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة الاخرى على غرار هل أن «الكنام» أو شركة التأمين الجماعي مجبرة على اعلام المواطن بقرب نفاد رصيده حتى يقرأ حسابا لامراضه القادمة وكذلك هل أن الرصيد غير المستعمل يبقى صالحا للسنة الموالية اضافة الى امكانية استعمال السقف السنوي بصفة اجمالية وعدم تجزئته على أنواع مختلفة من العلاج، كلها أسئلة تشغل بال المواطن. جاء في قرار وزير الشؤون الاجتماعية الصادر في 3 جوان 2008 أن السقف السنوي لمبلغ المصاريف الصحية الخارجية المتكفل بها ضمن المنظومة العلاجية الخاصة (طبيب العائلة) أو منظومة استرجاع المصاريف محدّد ب 200د سنويا بالنسبة للمضمون الاجتماعي وتنضاف لها 50د عن كل ابن أو أصل (آباء أمهات أجداد) في كفالته. ويشمل هذا السقف مصاريف خدمات صحية محددة بأمر. لكن القانون المذكور حدّد قائمة مستثناة من هذا السقف يمكن استرجاع المصاريف بشأنها من ال «كنام» في إطار نظام التكفل (prise en charge) ودون اي سقف محدد اي بنسبة 100٪ وهذه الاستثناءات هي بصفة عامة الخدمات الصحية الخارجية المسداة في إطار تشخيص وعلاج ومتابعة مرض ثقيل أو مزمن مدرج بقائمة محددة بقرار من وزيري الصحة والشؤون الاجتماعية وكذلك خدمات الاقامة الاستشفائية مثل العمليات الجراحية والسكانار وال «IRM» وتفتت الحصى والدياليز وغيرها من الأمراض المحددة في قرار 3 جوان 2008. ويبرر ال «كنام» تحديد سقف ب 200د فقط مع اضافة 50د عن كل فرد في الكفالة (الأبناء والزوجة التي تعمل والآباء والأمهات) بأنه لا يغطي إلا الأمراض العادية التي لا تتطلب نفقات باهظة اما هذه الأخيرة فغير خاضعة لسقف. وفضلا عن ذلك، ترى جهة ال «كنام» انه مثلا بالنسبة لعائلة متكونة من زوجين يعملان ولهما 3 أبناء فإن السقف يكون في هذه الحالة 550د. (200د للزوج و200د للزوجة و50د لكل ابن) وقد تنضاف لهما 50د عن كل أب أو أم (للزوجة او للزوج في الكفالة) وهو مبلغ معقول حسب ال «كنام» لمجابهة الأمراض العادية مثل الڤريب وغيره.. لكن المواطن يرى ان هذه الأمراض العادية تحولت اليوم الى «غير عادية» باعتبار كثرتها وتكرّرها في السنة الواحدة للشخص الواحد على غرار امراض «الڤريب» والإسهال وغيرها من الأمراض «اليومية» للتونسيين، خصوصا في ظل «التحوّلات» الصحية التي أصبحت بمقتضاها الأمراض سهلة الانتشار والحصول.. وبالتالي فإن هذا السقف لا يمكن ان يفي بالحاجة ولابدّ بالتالي من الترفيع فيه حتى لا يجد المواطن نفسه منذ الأشهر الأولى للسنة يواجه التكلفة الكاملة للمرض من هذه الأمراض العادية، وقد يعجز عن ذلك رغم تواصل اقتطاع مساهماته لفائدة ال «كنام» طوال أشهر السنة. سقف التأمين الجماعي على غرار ال «كنام» فإن مؤسسات التأمين الجماعي على المرض، الذي يحتل المرتبة الثانية في ارقام معاملات شركات التأمين بعد التأمين على السيارات (128.783 مليون دينار سنة 2007 مقابل 392.169 مليون دينار بالنسبة للتأمين على السيارات)، تعمل بدورها بطريقة السقف... حيث تحدّد كل شركة تأمين سقفا معيّنا لكل أجير من أجراء الشركة التي تتعاقد معها وذلك بناء على القيمة المالية لكل عقد.. كما أن هذا السقف ليس عاما بل ان لكل نوعية مرض او علاج سقفا خاصا بها... كما توجد بعض الأنواع ملغاة تماما من التغطية، وكل هذا حسب الاتفاق المبرم بين المؤسسة المشغّلة ومؤسسة التأمين، علما وأن المشغل يتحمل قسطا من المساهمات والقسط الآخر يتحمله الأجير، ويختلف الأمر هنا ايضا من مشغّل الى آخر.. وتبرر شركات التأمين طريقة «السقف» بمبدإ حرية التعاقد.. ذلك انها مؤسسات تأمين خاصة وتتعامل وفق عقود بينها وبين المؤسسات المشغّلة وهذه العقود حرّة أي يمكن للطرفين المتعاقدين ان يدرجا بها ما يشاءان من بنود وأرقام مالية ومن الطبيعي أن يختلف الأمر من مشغّل الى آخر وتختلف بذلك الأسقف فمن مؤسسات مشغلة يكون السقف السنوي المحدّد فيها لمصاريف العلاج لكل أجير من اجرائها 10 آلاف دينار مثلا الى مؤسسات أخرى يكون السقف السنوي لكل أجير في حدود ألف دينار فقط. كما أن قيمة مساهمة كل من المشغّل والأجير في التأمين الجماعي على المرض في قسط التأمين تختلف بدورها من مؤسسة الى أخرى، فأحيانا يتحمّل الأجير الجانب الاكبر وأحيانا أخرى يتحمل المشغل الجانب الاكبر. لذلك ترىشركات التأمين وفق ما صرّح به ل «الشروق» مصدر من شركة معروفة في مجال التأمين الجماعي على المرض أن المواطن المنخرط لديها ليس من حقّه الاحتجاج لديها حول السقف المحدد له لأنه لا دخل لها فيه بل عليه مناقشة الأمر مع مشغّله وحثه على الترفيع في القيمة المالية لعقد التأمين الذي أبرمه مع شركة التأمين. الحق في الإعلام الى حد الآن، مازال «الكنام» لا يعمل بطريقة اعلام منخرطيه بصفة دورية بوضعية أرصدتهم في ما يتعلق بسقف المائتي دينار (وال 50د التي تنضاف عن كل شخص في الكفالة) المعمول به بالنسبة للامراض العادية. وبالتالي فإن المنخرط يبقى طوال السنة في حيرة من امره لأنه يجهل إن كان رصيده لا يزال صالحا أم أنه نفد وعليه عندئذ التعويل على ميزانيته الخاصة لتحمّل مصاريف العلاج كاملة لما تبقى من أشهر السنة، ويرى المواطن أنه من حقه الحصول على كشف دوري لرصيده إما عن طريق الهاتف او بالارساليات القصيرة حتىلا يبقى بين الشك واليقين وعدم الاكتفاء باعلامه بذلك بعد أن يتقدم بملف الاسترجاع اي بعد ان ينفق أمواله. وهذا الوضع يشتكي منه أيضا منخرطو شركات التأمين الجماعي على المرض، خصوصا أنها تعمل بطريقة معقّدة وتحتسب السقف حسب نوعية كل علاج، ولا تحتسبه بصفة اجمالية، فأحيانا ينفد الرصيد المخصص للدواء قبل رصيد العيادات الطبية أو قبل رصيد التحاليل المخبرية، لكن المنخرط لا يعلم بذلك ويتفاجأ باعلامه ببلوغ السقف في أحد هذه الأنواع عندما يتقدم بملف الاسترجاع بعد أن يكون أنفق أمواله دون ن يقرأ حسابا لذلك... وهذه النقطة في حاجة أيضا الى المراجعة من قبل شركات التأمين حسب المواطن لأنه من غير المعقول أن يبقى بين الشك واليقين في عصر تكنولوجيات الاتصال الحديث... غير أن مصدرنا التابع لاحدى شركات التأمين قال ان المنخرط بإمكانه الاتصال بهم مباشرة أو هاتفيا ليطلع على حالة رصيده. فاضل الطياشي هل يبقى السقف صالحا للسنة الموالية ؟ كما هو معلوم فإن السقف المحدد لمصاريف العلاج يقع احتسابه سنويا وذلك بالنسبة ل«الكنام» وأيضا لشركات التأمين الجماعي. لكن في صورة عدم بلوغ السقف أو عدم استعماله تماما عند نهاية السنة، هل يقع ضمّ ما بقي منه الى رصيد (أو سقف) السنة الموالية؟ الاجابة كما جاءت على لسان مصدر من احدى شركات التأمين الجماعي على المرض ومن مصدر من «الكنام» هي بالنفي، حيث «يموت»الرصيد عند انقضاء السنة الخاصة ويقع المرور عند حلول السنة الجديدة الى السقف الخاص بها. هذا الامر بالنسبة لشركات التأمين الجماعي محسوم ومفهوم بما أنها شركات خاصة وتعمل في هذا الاطار حسب عقود قائمة على مبدإ حرية التعاقد ولا يمكن إجبارها على تغيير هذا التوجه، خصوصا أن الفلسفة العامة للتأمين قائمة على العمل كل سنة على حدة. لكن بالنسبة لصندوق «الكنام» يمكن العمل بهذه الطريقة (أي إبقاء الرصيد او ما بقي منه في حدود السقف) «حيّا» للسنة الموالية في إطار مزيد توفير الحماية الصحية للمواطن خصوصا ان هذا السقف يراه المواطن ضعيفا ومع ذلك يمكن أن تمرّ سنة كاملة دون بلوغه لكن يمكن أن يحتاجه المواطن في السنة الموالية خصوصا ان المرض يختلف من سنة الى أخرى.