على شاكلة ما يسمى «المحافظين الجدد» في الولاياتالمتحدة والذين أدى صعودهم الى السلطة مع بداية الألفية الجديدة الى الزجّ بأمريكا في نفق مظلم أصابها بانهيار اقتصادي وبإفلاس سياسي وأخلاقي، بدأت ذبابة «الاستعماريين الجدد» أو «الحاقدين الجدد» أو «الحالمين الجدد» بعودة الحقبة الاستعمارية تضرب البعض في فرنسا..، هؤلاء الذين تقدموا بالأمس القريب بقانون الى البرلمان الفرنسي يقضي ب«تمجيد الحقبة الاستعمارية» اشتدّ بهم الحنين على ما يبدو الى الأيام الخوالي وبات يدفعهم دفعا الى محاولة التدخل في الشأن الداخلي للدول ومحاولة مصادرة سيادتها واختطاف قرارها المستقلّ.. المحافظون الجدد في أمريكا بشّروا ب«نشر» قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في ما أسموه الشرق الأوسط الكبير (أو الجديد) واندفعوا إلى العراق في محاولة يائسة إلى نشر ديمقراطية الدبابات وصواريخ «كروز» فإذا هم ينشرون الموت والخراب والدمار في هذا البلد الذي كان آمنا ويعيدونه كما توعدوا إلى القرون الوسطى... ويبدو أن «إبداعات» هؤلاء في العراق باتت تحدث «الاستعماريين الجدد» في فرنسا تحديدا بالنفخ في رماد الحقبة الاستعمارية البائدة... متخذين من نفس البضاعة الأمريكية الكاسدة والتي تدخل في خانة كلام الحق الذي يراد به باطل مطية لمحاولة التدخل في الشأن الداخلي التونسي... ومن عجيب المفارقات حرص هؤلاء على استنساخ التجربة الأمريكية إن لم يكن على مستوى الوسائل فعلى مستوى الأهداف.. وكما احتاج المحافظون الجدد إلى طابور من العملاء الذين زينوا احتلال العراق وصوروا المسألة على أنها «نزهة» سيستقبل فيها الغزاة بالورود والأرز.. فإن مخلفات الحقبة الاستعمارية البغيضة في فرنسا عوّلوا بدورهم على بعض الرموز ممن نعتهم رئيس حزب تونسي معارض (السيد أحمد الأينوبلي انظر حديثه ل«الشروق يوم الأحد 08112009) ب«الحركيين الجدد» ظنّا منهم بأنه بإمكانهم أن ينفثوا سمومهم ويمرروا مخططاتهم وأجنداتهم من خلال هؤلاء. فاتهم فقط، انهم جاؤوا هذه المرة متخلفين قرنا من الزمن... وأن بضاعتهم التي أعادوا صياغة مفرداتها وشعاراتها من «نشر قيم الرجل الأبيض» إلى «الغيرة المزعومة على الحريات وحقوق الإنسان» هي بضاعة كاسدة لن يقبل عليها التونسيون الفخورون باستقلالهم، المتسمكون بقرارهم الوطني الحر والمستعدون لفداء الوطن والراية بالنفس والنفيس... والمتحفزون أيضا لتلقين «الاستعماريين» الجدد درسا من تلك الدروس القاسية التي تلقاها أجدادهم مستعمرو الأمس وأتباعهم كذلك ممن وصلت بهم الغواية والانتهازية حد التواطؤ مع المحتل ضد بلادهم وضد شعبهم... ليعلم هؤلاء وأولئك بأن عجلة التاريخ لن تدور الى الوراء وبأن ورقة الاحتلال البغيض بكل تعبيراته وألوانه قد احترقت وذهبت هباء منثورا وأن الشعب الذي دفع ضريبة الدم ليكنس المحتل ويخرجه من الباب ليس مستعدا لتركه يتسلل من الشباك... ولو ركب قيما في قداسة الحريات وحقوق الإنسان.. فتلك قيم نصونها ونعليها ونكرسها في الواقع على هذه الأرض الطيبة ونرفض أن تأتينا معلبة أو محنطة في قالب دروس تجاوزها الزمن ولم تعد تغري أكثر من «الحركيين الجدد».. أما الشعب التونسي فقد اختار يوم 25 أكتوبر وبصم على اختياره في مسيراته الحاشدة التي تلت ذلك اليوم المشهود معلنا اعتزازه بتجربته التنموية الشاملة للمنوال الديمقراطي التعددي أيضا.. بكل أسسه ومقوماته التي لا تغيب على ملاحظ موضوعي منصف.