تحت شعار «القرار العربي المستقل» التأم مؤخرا بالعاصمة السورية (دمشق) مؤتمر الاحزاب العربية... وطالب «القوى الاستعمارية التي سيطرت على البلدان العربية عقودا طويلة وأخذت من تاريخها وثرواتها وحياة أبنائها الكثير، الاعتذار والتعويض للأجيال الحاضرة والقادمة». هذا الموقف الصريح والجريء هام لأكثر من سبب وعلى أكثر من صعيد... لعل أولها أنه يأتي في الوقت المناسب ليتعاطى مع رغبة صارت جامحة لدى القوى الاستعمارية القديمة وباتت تدفعها لمحاولة العودة من الشباك بعد أن طردتها الشعوب العربية من الباب... هذه القوى تستعمل تقريبا نفس البضاعة البائدة بعد أن أخضعتها لعملية تجميل من باب الحرص على أقلمتها مع متغيرات العصر... فبالامس جاؤونا بأكذوبة «نشر قيم حضارة الرجل الابيض»... واليوم يأتوننا برغبة كاذبة لنشر قيم الديمقراطية وحقوق الانسان... ومثلما كانت أكذوبة الامس مطية للاستعمار المباشر الذي نهب الخيرات وقتل البشر ودمّر الحجر، فإن أكاذيب اليوم ما هي إلا مطية هي الاخرى لاستعمار غير مباشر... استعمار من نوع جديد يهدف الى مصادرة القرار الوطني المستقل... ولسنا ندري ما الذي يتبقّى لنا إذا ما صادروا قرارنا المستقل وهو عنوان سيادتنا ورمز عزّتنا وكرامتنا. ثاني الاسباب التي تجعل هذا القرار العربي مهمّا في هذا الوقت هو أنه يصدر من أحزاب عربية تمثل المجتمع المدني العربي ليرسل الرسائل اللازمة باتجاه القوى الاستعمارية مفادها: «إنكم لن تمرّوا»... وكذلك باتجاه النظام الرسمي العربي لدعوته لتحرك فاعل لقطع الطريق أمام هذه النزعة الظاهرة لعودة الاستعمار تحت مسمّيات جديدة وبمفردات مغايرة. أما ثالث الاسباب وهو مهم جدا فيتمثل في مطالبة دعاة الهيمنة الجدد بالاعتذار عن جريمة الاستعمار القديمة وكذلك بتقديم التعويضات المجزية عن تلك العقود الحالكة... وهذا سلاح جرّبته الجماهيرية الليبية وأثبت جدواه... حيث خضع الايطاليون في نهاية المطاف وطلبوا الصفح وقدموا التعويضات للشعب الليبي عن حقبة الاحتلال البغيض... وهو ما يفتح الباب أمام الشعب التونسي ليطالب بالاعتذار والتعويض... شأنه شأن الشعب الجزائري والمغربي والمصري والسوري... وشأن كل الشعوب العربية التي خضعت للاحتلال... وإذا كان «الاستعماريون الجدد» يتباكوْن ويذرفون دموع التماسيح على قيم حقوق إنسان وديمقراطية مزعومة لدى الشعوب العربية، فليبادروا إن كانوا صادقين الى طلب الاعتذار من هذه الشعوب لطمأنتها على أنها لا تفكر في إعاد ة الكرّة... وليسارعوا الى دفع التعويضات المجزية، فهي كفيلة بمساعدتها على استكمال بناء نهضتها التنموية، وهي في صميم حقول الانسان وأساس صلب لديمقراطية ولتنمية سياسية تؤمّن المشاركة للجميع... وتضمن الخبز والكرامة للجميع.